قصة العازف الأجير من روائع الأدب الروسي قام بكتبتها الكاتب الروسي الكبير (أنطون بافلوفيتش تشيخوف) ،

وقد عمل ككاتب مسرحي ، ومؤلف قصصي ، ويعد من أعظم كتاب القصص القصيرة على مدار التاريخ ،

بدأ مجال الكتابه أثناء دراسته بكلية الطب جامعة موسكو .

قصة العازف الأجير

بداية القصة:
كان يجلس في غرفته في الفندق ، يكتب صورة شعرية هجائية طلبت منه ،

عندما دارت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ليلًا ، وفجأة فتح الباب على مصراعيه ،

ودخل شريكي إلى الغرفة (بيوتر روبليوف).

شريك الغرفة:


كان طالباً في كونسرفتوار موسكو سابقاً ، وكان (بيوتر) شاحب الوجه ، وعينيه حادتين لدرجة غير عادية ،

وكأنهما ملتهبتان ، فسأله قائلًا : لماذا عدت مبكراً ، فالساعة الثانية فقط ، هل انتهى العرس ؟

فلم يرد عليه شريكه ، بل أسرع في خلع ملابسه خلف الحاجز ، واستلقى على سريره ،

ثم بعد عشر دقائق سمعه يهمس قائلًا : نم أيها الوغد ، نم مادمت رقدت ،

إذا لم ترد النوم فلتذهب إلى الشيطان ! ، فسأله مرة أخرى : ماذا يا بيتيا ، هل النوم يجافيك ؟ ،

فرد عليه شريكه ضاحكًا ثم قال : الشيطان يعلم هذا ، فأنا لا أستطيع النوم ، أكاد أنفجر من الضحك ،

والضحك هو ما يمنعني من النوم ! ، فسأله : وماذا الذي يضحكك ؟! ، فرد عليه قائلًا : لقد وقع حادث مضحك ، يا لها من حادثة لعينة !!

الحادث:


ثم خرج (بيوتر روبليوف ) من خلف الحاجز ضاحكًا ، وجلس بجواره ، وقام بنثر شعره ،

ثم أردف قائلًا : إنه أمر مضحك ومخجل في آن واحد ، لم يحدث لي في حياتي من قبل أن تعرضت لمثل هذه الزفة ،

فضيحة من الطراز الأول ، من أرقى نوع !!

ثم قام بضرب كفيه فوق ركبتيه ، ووقف فجأة وأخذ يروح ويجيء في الغرفة ، حافياً على الأرض الباردة ،

ثم قال : لقد طردت يا أخي ، طردوني شر طردة ، ولهذا السبب جئت باكراً ،

قال له مندهشاً غير مصدقًا ما يسمع : كفاك كذباً ، فرد عليه بيوتر : أقسم لك أنهم طردوني حرفيًا ! ،

كان وجه بيوتر روبليوف ممصوص ومستهلك ، رغم مظهره المستقيم الناعم النبيل ،

بما يجعل العبارة الخشنة طردوني شر طردة ، غير منسجمة مع شخصيته المثقفه .

الفضيحة:


قال بيوتر موجهاً نظره إليه ، دعك من تلك التفاهات التي تكتبها ، سوف أحكي لك فضيحة من الدرجة الأولى ،

سأسكب لك كل ما في روحي ، فلربما كففت عن الضحك ، لقد ظللت أقهقه طوال الطريق أثناء عودتي ، اسمع إنها قصة طريفة .

في شارع أربات يعيش شخصًا يدعى بريسفيستوف مقدم متقاعد ، متزوج من ابنة غير شرعية ،

للكونت فون كراخ ، وهذا يعنى أن أرستقراطي يريد أن يزوج ابنته من ابن التاجر ،

وقد ذهبت اليوم في الساعة التاسعة ، إلى آل بريسفيستوف للعزف على البيانو ،

وكان الطرق مغطى بالأوحال والمطر يسقط والضباب مغيم وكالعادة سيطر على قلبي احساس مُقرف كالعادة ، فقاطعه صديقه قائلًا : اختصر ودعك من السيكولوجيات وأكمل.

العازف الأجير :


فرد عليه بيوتر قائلًا : حسنًا ، جئت إلى آل بريسفيستوف ، كان العروسان والضيوف يلتهمون الفواكه بعد عقد القرآن ،

وذهبت أنا إلى موقعي للبيانو ، وجلست في انتظار بدء الرقص ، فرآنى صاحب المنزل .

وصاح قائلًا : آه ، حسنا وصلت ، اسمع يا حضرت ، أعزف جيدًا وإياك أن تسكر ،

ثم أردف بيوتر قائلًا : لقد تعودت يا أخي على مثل هذه التحيات ، ولم تعد تغضبني ،

فإذا جعلت نفسك قنطرة فلتتحمل الدروس ، أليس كذلك ! ، فمن أنا ، أنا عازف أجير ، خادم ، نادل يجيد العزف ،

التجار في حفلاتهم ينادوني بـ أنت ويعطونني بقشيشاً ، وليس في ذلك أي إهانة.

الآنسة:


ولأنه لم يكن عندي ما أفعله حتى بداية الرقص ، فرحت أنقر على البيانو هكذا ، لتسخين أصابعي ،

وبعد قليل وبينما أعزف ، سمعت شخصاً خلفي يدندن اللحن ، فالتفتت فاذا بها آنسة ،

كانت تتطلع إلى مفاتيح البيانو بإعجاب ، فقلت لها : لم أكن أعرف يا آنسة ، أن أحداً يصغي اليّ !

فقالت : معزوفة جميلة ، فرددت عليها قائلًا : نعم جميلة ، وهل تحبين الموسيقي ؟ ثم أخذنا نتجاذب أطراف الحديث ،

واتضح أن الفتاة كثيرة الكلام ، فمضت تثرثر عن شباب اليوم الذي لا يهتم بالموسيقى الجادة ،

وقد كنت مسروراً كالمغفل ، أني لفت انتباهها ، وبكبريائي الكريه ، رحت أتفلسف ،

واتخذت وضع العالم بالأمور وأنا أوضح لها ، أن سبب عدم اكتراث شبابنا مرده إلى انتفاء الطموح إلى القيم الجمالية ،

فقاطعه صديقه مره أخرى سائلًا إياه : وما الفضيحة في ذلك ، أوقعت في حبها ؟!

آراء الآنسة الموسيقية :


فرد قائلًا : يا للهراء ، الحب هو فضيحة ذات طابع شخصي ، أما في حالتي يا أخي ،

فقد كان الحدث عاماً ، على نطاق المجتمع الراقي ، ثم أردف قائلًا : نعم ، كنت أتحدث إلى الفتاة ،

ولكني أخذت ألاحظ شيء غير طبيعي ، فقد جلس عدة أشخاص خلفي وراحو يتهامسون ،

وسمعت كلمة عازف أجير ، وضحكات وبالطبع علمت أنهم يتحدثون عني فماذا حدث ؟!

هل انفكت رابطة عنقي ، ورحت أتحسسها وجدتها في مكانها ، فلم أكترث لهم ،

وقد استطردت الفتاة في الحديث والانفعال ، حتى أحمر وجهها ، كانت منطلقة ! ، وانهالت بالنقد على الملحنين والعازفين المعاصرين ،

ففي أوبرا المارد التوزيع جيد ، ولكن ليس هناك موتيقات ، وريمسكى كورساكوف مجرد قارع طبول ، وفارلاموف لم يؤلف شيئًا متكاملًا .

وكما تعلم يا أخي ، أن فتيات وفتيان اليوم لا يكادون يعرفون من العزف غير السلم الموسيقي ،

وبينما يدفعون خمسة وعشرين كوبيكا لقاء الدرس ، تراهم مستعدين لكتابة المقالات النقدية في الموسيقى ،

ورحت أصغي إليها ولا أعترض ، فإنني أحب أن أشاهد مخلوقًا غاضبًا يشغل مخه ، ولكن من خلفي فقد استمر الهمس !!

السيدة الطاووس :


فجأة ، اقتربت طاوسة من فصيلة الأمهات أو الخالات من آنستي ، ضخمة حمراء لا تحيط بخصرها خمسة أذرع ،

ودون أن تتطلع اليّ ، همست في أذن الآنسة بشيء ما ! وإذ بالآنسة تتضرج ، وتخفي وجهها براحتيها ،

وتندفع بعيداً عن البيانو كالملسوعة ، فماذا حدث ؟! ، قلت في نفسي ،

أما أن السترة تمزقت على ظهري ، وأما عيبا ما قد ظهر في هندام الآنسة ، وإلا فمن الصعب فهم ما حدث .

سر اللغز :
وتحوطا ، فقد ذهبت بعد عشر دقائق ، إلى المدخل لأتفحص ملابسي ، تفحصت ربطة العنق والسترة وغيرها ،

كل شيء في مكانه ولم يتمزق ، ولحسن حظي يا أخي كانت هناك عجوز ما ، واقفة في المدخل ومعها صرة ،

وشرحت لي كل شيء ، ولولاها لظللت في جهليّ السعيد .

فقد قالت العجوز لأحد الخدم : آنستنا تحب دائمًا أن تظهر شخصيتها ، ورأت بجوار البيانو شابًا فراحت تثرثر معه ،

وتضحك وتتنهد وكأنه سيد حقيقي ، واتضح أن الشاب ليس ضيفاً بل عازف أجير من الموسيقيين ، فيا له من حديث !

فشكرا للسيدة ماريا ستيبانوفنا، فقد همست في أذنها وإلا لا قدّر الله ، لوضعت ذراعها في ذراعه وتمشت معه ،

إنها الآن تشعر بالخجل ولكن بعد فوات الأوان ، فما حدث ، فقال الشاب لشريكه بيوتر : الفتاة حمقاء ، والعجوز حمقاء ، فلما كل ذلك الاهتمام ؟

بداية العزف :


رد عليه بيوتر قائلًا :  أنا لم أهتم ، فقط شيء مضحك ولا أكثر ، لقد تعودت منذ زمن طويل على تلك المفاجآت ،

قبل ذلك  كنت أشعر حقيقة بالألم ، أما الآن فأبصق على ذلك ، فتاة حمقاء طائشة ، لا تستحق الشفقة .

وبعد ذلك جلست ورحت أعزف للرقص ، عزف لا يستدعي أية جدية ،

رحت أعزف رقصات الفالس والكادريل والمارشات الصاخبة ، فإذا أحست روحك الموسيقية بالمهانة ،

فأذهب وأشرب كأسا وسترقص طربًا من أنغام بوكاتشيو .

روح جريحة :


قال له صديقه متعجباً : وأين الفضيحة في ذلك ؟! ، رد عليه بيوتر: أخذت أنقر على المفاتيح ولا أفكر في الفتاة أضحك فقط ،

ولكن راح شيء ما ينغز في قلبي ! ، ولا أدري لماذا أشعر بالحزن والقرف ، أخذت أقنع نفسي وأشتمها وأضحك ،

وأدندن بنغمات الألحان التي أعزفها ، ولكن شيئًا كان يقبض على قلبي بقوة ،

شيء يتحرك في صدري ويقرض ، ثم يصعد إلى حلقي كالغصة ، وأقاوم حتى يختفي ، ثم يعود من جديد !

وعلاوة على ذلك ورد لذهني شتى الأفكار السخيفة ، فأتذكر كيف أصبحت تافها لقد قصدت  موسكو ، قاطعًا ألفي كيلومتر ،

كنت أهدف إلى أن أصبح موسيقاراً ، أو عازف بيانو ، فإذا بي أصبحت عازف أجير .

الطبقية الروسية :


في الحقيقة هذا شيء طبيعي ، بل إنه يثير الضحك ، ومع ذلك أشعر بالغثيان وأتذكرك .
وأفكر فيك : ها هو شريكي في الغرفة الآن ، جالس يسطر ، يصف المسكين والشرطة النائمين والصراصير والمخابز والطقس الخريفي السيئ .

ولست أدري لماذا أشفق عليك أشفق عليك لدرجة البكاء ، إنك شاب رائع ، طيب القلب ،

ولكن ليس فيك تلك الشعلة ، تلك القوة ، ليس فيك ذلك الحماس ، فلماذا أنت كاتب ولست صيدليًا أو اسكافيًا ، الله يعلم!

وتذكرت كلّ زملائي الخائبين ، كل هؤلاء المغنين والمصورين والهواة ، كلهم كانوا في وقت ما يفورون ويحلقون في السماء ،

أما الآن فالشيطان يعلم ما هذا ! ، لماذا اقتحمت رأسي هذه الأفكار بالذات ، عندما أطرد نفسي من رأسي ،

يقتحمها زملائي ، وأطرد زملائي ، فتقتحمها الفتاة وأضحك من الفتاة ، ولا أعيرها أهمية ، ولكنها لا تدعني أنعم بالراحة.

وأقول لنفسي : ما هذه الخصلة لدى الانسان الروسي ؟! ، فطالما أنت حر ،

تدرس أو تتسكع بلا عمل ، فبوسعك أن تشرب معه ، وتتودد إلى ابنته ، ولكن ما إن تصبح علاقتك به على نحو ولو قليل من التبعية ،

حتى تصير صرصارًا ينبغي أن يعرف قدره ، أتدري ! أخذت أجاهد لأكبت هذه الأفكار ، ولكن الغصة مضت تصعد إلى حلقي وتضغط عليه .

الألم المُوجع:


وأخيرًا أحسست بسائل في عيني ، وانقطعت ألحان بوكاتشيو ، وذهب كل شيء إلى الشيطان ،

وأصمت أسماع الحاضرين الأكابر ، أصوات أخرى فقد أصبت بهيستيريا ، رد عليه صديقه مقاطعًا : كفاك كذبًا ، فقال له بيوتر روبليوف وهو يحاول أن يضحك : أقسم لك .

الفضيحة:


ما رأيك في هذه الفضيحة ؟ ، ثم شعرت بهم يسحبونني إلى المدخل ، ويلبسونني المعطف ،

وسمعت صوت صاحب المنزل يقول : من الذي أسكر العازف الأجير ، من الذي أعطاه الفودكا ؟! ،

وفي آخر المطاف ، طردت ، ما رأيك في هذه المفاجأة ؟ ، رجل ضخم مثلي ، طويل عريض ،

وفجأة يصاب بهيستيريا ، لم أكن في حال تسمح لي بالضحك وقتها  ، أما الآن فأكاد أموت من الضحك .

فسأله صديقه وهو يتطلع الى كتفيه ورأسه ، وهي تهتز من الضحك  قائلًا : وما المضحك في ذلك ؟! ،

بيتيا أرجوك !! ما المضحك يا عزيزي ؟! ، ولكن بيتيا كان يقهقه ، وفي قهقهته دلائل الهيستيريا ،

فبدأ صديقه في العناية به ، وهو يسبب فنادق موسكو ، التي لا يعرفون فيها عادة ملء دوارق المياه ، للشرب ليلًا.

إقرأ المزيد من القصص على موقعنا

تابعونا على الفايسبوك

Lars

منشور له صلة

فنجان برج الحمل اليوم الخميس 7/11/2024 نوفمبر تشرين الثاني

 فنجان برج الحمل اليوم الخميس 7/11/2024 نوفمبر تشرين الثاني برج الحمل ماذا يقول فنجانك يا…

20 ثانية منذ

فنجان الابراج اليوم الخميس 7/11/2024 نوفمبر تشرين الثاني

فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…

20 دقيقة منذ

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج العلاقة بين الأبراج والحياة…

13 ساعة منذ

هل الأبراج حقيقة

هل الأبراج حقيقة تعد مسألة ما إذا كانت الأبراج حقيقة أو مجرد اعتقادات موضوعًا جدليًا،…

13 ساعة منذ

حظك من اسمك

حظك من اسمك: كيف يؤثر اسمك على حياتك وشخصيتك تُعتبر الأسماء من الأمور التي تؤثر…

13 ساعة منذ

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة حساب البرج الطالع (البرج الصاعد) باستخدام ساعة الولادة البرج…

13 ساعة منذ