قصة في المطعم الشعبي شوهدا فهمت على الفور أن أمراً ما قد حصل ،

فقد كان الاثنان يتبادلان النظر عبر الطاولة بعيون خالية من التعبير كسمك في حوض الماء ،

ولكن كان يُفهم أنهما غريبان وبعيدان بشكل لا يُقدر أحدهما عن الآخر مثل حيوانين غريبين يتفحصان بعضهما ويساورهما الشك .

قصة في المطعم الشعبي شوهدا

نبذة عن المؤلف :


يعتبر ايتالو كالفينو من أبرز الشخصيات المهمة والفريدة للأدب الايطالي المعاصر ،

فهو روائي وناقد صحفي لعب دوراً مهما في الحياة الفكرية الإيطاليه ، ولد ايتالوكالفينو في 15 أكتوبر 1923م ،

في سانتاغيو لاس فيغاس بجزيرة كوبا ، لأب استاذاً في الزراعة ، وأم أستاذة في علم النباتات ،

وفي عام 1949م خرجت مجموعته القصصية الأولى بعنوان وأخيراً يأتي الغراب .

وفي عام 1952م صدرت ثلاثيته المعروفة باسم ، أجدادنا ،

والتي صورت قوة موهبته وقدرته على تصوير الأساطير والتحليق في الوصف الخيالي ،

وتواصلت كتاباته ومؤلفاته ، حتى توفي في 16 سبتمبر 1985م ،

وكانت آخر كتاباته التي لم يتم اكمالها ، ولكن قامت زوجته بجمع فصولها ، تحت الشمس المرقطة .

قصة في المطعم الشعبي شوهدا

وصول المرأة :
وصلت هي أولاً ، كانت امرأة ضخمة ترتدي السواد ، أرملة بالتأكيد ، أرملة ريفية حضرت إلى المدينة للتجارة ،

هذا ما اتضح لي على الفور ، ففي المطاعم الشعبية التي يؤكل فيها بستين ليرا ، وحيث أتناول طعامي يأتي أيضاً هذا النوع من الناس ،

من تجار السوق السوداء الكبار والصغار بميل للاقتصاد بقي لديهم أزمة من البؤس وبميول للإسراف بين الحين والآخر ،

وعندما يتذكرون أن جيوبهم ملأى بأوراق الألف ليرا .

ميول تجعلهم يطلبون المعكرونه الشريطية وشرائح لحم البقر بينما نحن الآخرون جميعاً ،

العازبين ربما نأكل بالبطاقة ونمط أعيننا ونبتلع ملاعق الحساء ، لابد وأن المرأة كانت تاجرة غنية في السوق السوداء ،

إذ كانت وهي جالسة تشغل جانباً من الطاولة ، وتخرج من حقيبة يدها خبزاً أبيض وفواكه وأجبانا مغلفة بالورق بشكل سيء لتغزو بها غطاء الطاولة .

الرجل القادم :


حينئذ كان قد اقترب هو بعدما رأى المقعد شاغراً وأمامه زاوية من غطاء الطاولة ماتزال فارغة فسألها : هل تسمحين ؟ ،

فنظرت إليه المرأة بشكل عابر وهي تمضغ ، فسألها أيضاً : عفواً .. أتسمحين ؟

فما كان من المرأة إلا أن باعدت ما بين ذراعيها وأصدرت تذمراً من فمها الممتلئ بالخبز الممضوغ ،

فحيّاها الرجل رافعاً قبعته عن رأسه بشكل خفيف وجلس .

كان عجوزاً شديد النظافة ومنهكاً بياقته المنشاة وبمعطفه على الرغم من أن الفصل لم يكن شتاء آنذاك ،

وبسلك جهاز السمع الطبي الذي كان يتدلى من أذنه ،

وبرؤيته يشعر المرء فوراً بعدم الارتياح بالنسبة له بسبب تهذيبه الشديد الذي يأتي مع كل حركة يأتي بها.

لقد كان بالتأكيد نبيل ، حطت به الأيام سقط فجأة من عالم مليء بالانحناءات والمجاملات إلى عالم مليء بالتدافع والقبضات في الجوانب ،

دون أن يكون قد فهم شيئاً ، ومع ذلك متابع انحناءه بين جمهور المطعم شعبي ، وكأنه في حفل استقبال في البلاط .

حينها أصبح الواحد تجاه الآخر ، الغنية الجديدة والغني السابق ،

كحيوانين غريبين الواحد منهما عن الآخر ، كانت المرأة عريضة وقصيرة ذات يد ين كبيرتين ،

بينما كان العجوز جالساً على طرف الكرسي بمرفقيه الملتصقتين إلى جانبيه ويديه ضمن القفازات مشوهتين بفعل التهاب المفاصل .

نقاش :


قال العجوز : معذرة القبعة قالها ولكن المرأة ظلت تنظر بصفار عينيها ولم تكن تفهم شيئاً منه فكر الرجل ثانية ثم

قال : عذراً إذا ما أبقيت القبعة على رأسي إذ أن هناك قليلًا من الهواء ،

عندها أتت المرأة الضخمة بابتسامة على طرف فمها دون أن تحرك عضلات وجهها ، وبصوت يخرج من بطنها قالت للخادمة : نبيذ .

طرف العجوز ذو القفازين بعينيه عند سماع تلك الكلمة ، لابد وأن النبيذ سيشعره بالمتعة ،

فقد كانت العروق البارزة على رأس أنفه تشهد على خبرته الطويلة كذواق ، ولكنه أعرض عن شرب الخمر منذ زمن ،

كانت الأرملة الضخمة تغمس قطع الخبز الأبيض في كأس النبيذ ثم تمضغه ،

وكانت تأخذ العجوز نوبات من الخجل في بعض المرات ،

وكأنه يغازل امرأة ويخاف أن يظهر لها بمظهر البخيل فقال : نبيذ لي أيضاً !!

بعد ذلك وعلى الفور ندم على تلفظه بها ، وفكر بأنه ربما بدد معاشه التقاعدي قبل نهاية الشهر

وتوجب عليه أن يصوم أياماً متدثراً بمعطفه وهو قابع في برد سفيته ،

لم يسكب النبيذ في الكأس وفكر أنه يمكن اعادته دون لمسه وسيقول أن شهيته قد انقطعت ولم يدفع ثمنه .

الطعام :


لقد انقطعت شهيته حقاً كذلك شهيته للطعام ، بينما كان يرتشف الحساء عديم الطعم تحت أسنانه القليلة ،

أما المرأة الضخمة فكانت تبتلع شوكاً  بالمعكرونة الدسمة بالزبد .

كان العجوز شبه محاصر بمؤن الأرملة في خرطوشاتها المنتثرة على الطاولة المتاخمة في زاوية ما ،

حساءه عديم الطعم ، رغيفي البطاقة الرقيقين ، ولكنه بحركة خاطئة من يده المقفزة ، صدم قطعة من الخبز فوقعت على الأرض ،

ارتبك وقال : اعذريني ..اعذريني .. وكانت المرأة أمامه تضحك بهازئة.

رد فعل غير متوقع :


كنت أفكر : لابد أنه سيصرخ الآن كفى ! وسيمزق غطاء الطاولة ! إلا أنه على العكس من ذلك ،

انحنى وآتى بحركات مرتبكة تحت الطاولة ليبحث عن قطعة جبن ، مكثت الأرملة الضخمة قليلا وهي تنظر إليه وبعدئذ ودون أن تتحرك تقريباً ،

أنزلت إحدى قائمتيها الضخمتين نحو الأرض وتناولت قطعة الجبن ونظفتها .

واقتربت بها من فمها الذي يشبه فم الحشرات وابتلعتها قبل أن يكون العجوز ذو القفازات قد ظهر ثانية أيضاً ،

وأخيراً نهض متألماً بسبب الجهد محمراً من الارتباك بقبعته المائلة وانحراف سلك جهازه السمعي .

وكنت أفكر : ها ، الآن سيمسك بالسكين ويقتلها ! ولكنه عكس ذلك ،

كان يبدو أنه لم يكن ليجد الطريقة التي يعزى بها نفسه للصورة السيئة التي كان على اعتقاد أنه ظهر بها وانتابته رغبة بالكلام والتحدث حول أي موضوع ،

حتى يبدد ذلك الجو غير المريح ..فقال : قطعة الجبن …حقاً خسارة ..يؤسفني..

لم يعد يكفي تلك المرأة إهانته بصمتها بل أنها زيادة على ذلك كانت ترغب أن تسحقه ،

فقالت : لقد أحضرت منها ما يكفيني ، وفي كاستل براندونه ،

لدي من ذلك الجبن كتل كبيرة هكذا ، وآتت الحركة ، ولكن لم تكن سعة الحركة هي التي أثارت العجوز ذو القفازات.

كاستل براندونه :


كاستل براندونه قال وكانت عينيه تلمعان ، لقد كنت في كاستل براندونه ، كملازم في عام 95 ،

من أجل الرمايات ، وأنت التي هناك لابد وأنك تعرفين بكل تأكيد ، كونتات براندونه داسبرتز ! لم تعد الأرملة تضحك هازئة فقط ،

وإنما كانت تضحك وتضحك ثم تتلفت حولها لترى فيما إذا كان الزبائن الآخرين قد لاحظوا كم كان ذلك الرجل مثيراً للسخرية .

وتابع العجوز : لابد وأنك لن تتذكرين ،

ولم تتذكرين بالتأكيد .. ولكن تلك السنة حضر الملك إلى كاستيل براندونه ليشهد الرمايات !وأقيم له حفل استقبال في قلعة آل داسبرتز ،

وحصل حينها الحدث الذي أقصه عليك ..

تململ المرأة :


نظرت المرأة إلى ساعة يدها ، وطلبت صحناً من الكبد ثم تابعت طعامها بسرعة دون أن تعيره إنتباهها ،

وفهم العجوز ذو القفازات أن كان يتحدث مع نفسه فقط ، إلا أنه لم يتوقف ،

إذ أنه كان سيظهر بمظهر مخجل فيما لم توقف ، وكان عليه أن يتم القصة التي بدأها .

القصة :


دخل جلالته إلى قاعة الاستقبال المنارة بأكملها ، وتابع والدموع في عينيه ،

فعلى جانبيه كانت السيدات بثياب السهرة يؤدين الانحناءة له ،

وعلى الجانب الآخر كنا نحن الضباط جميعاً في حالة استعداد ، قبل الملك يد الكونتيسه ، وحيا الواحد تلو الآخر ثم اقترب مني .

وسألني جلالته وأنت يا ملازم أول ؟ هكذا سألني تماماً فأجبته وأنا في حالة استعداد : الملازم كلير مونت دوفرونجس يا جلالة الملك ،

فقال الملك : كلير مونت ! لقد عرفت أباك ! وقد كان جندياً شجاعاً ! وشدّ على يدي هكذا وقال لي تماماً : جندياً شجاعاً !

النهاية :


كانت الأرملة الضخمة قد فرغت من طعامها ونهضت ، وكانت تنقب حينها في حقيبتها الموضوعة على كرسي آخر ،

كانت منحنية أمامه تتحرك وهو تابع قصته وقد تغير وجهه ، كل القاعة بثرايتها المضاءة ومراياها ،

والملك الذي كان يشد على يدي ويقول لي أحسنت يا كلير مونت دوفرونجس وجميع السيدات حولنا بثياب السهرة .

إقرأ المزيد من القصص على موقعنا

تابعونا على الفايسبوك

Lars

منشور له صلة

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج العلاقة بين الأبراج والحياة…

ساعتين منذ

هل الأبراج حقيقة

هل الأبراج حقيقة تعد مسألة ما إذا كانت الأبراج حقيقة أو مجرد اعتقادات موضوعًا جدليًا،…

ساعتين منذ

حظك من اسمك

حظك من اسمك: كيف يؤثر اسمك على حياتك وشخصيتك تُعتبر الأسماء من الأمور التي تؤثر…

ساعتين منذ

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة حساب البرج الطالع (البرج الصاعد) باستخدام ساعة الولادة البرج…

3 ساعات منذ

حساب البرج الباطني

حساب البرج الباطني: مفهومه وطريقة حسابه البرج الباطني، والمعروف أيضًا بـ"البرج الصاعد" أو "البرج الروحي"،…

3 ساعات منذ

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي إليك ترتيب الأبراج حسب الأشهر بالإنجليزية مع تواريخ كل برج: Capricorn…

3 ساعات منذ