على أراضي المملكة العربية السعودية الطاهرة ، كان يعيش شاب يافع ، لم يشعر يومًا بقيمة وطنه العزيز ، ولم يك يستشعر أبدًا بأفضال وطنه عليه ، ولم يحس بمعالم الجمال ، وبديع صنع الله في وطنه ، ليس عن قصدٍ ، وتعمدٍ منه ، وإنما كانت حياة ذلك الشاب مرفهة إلى أبعد حدٍ ، فكم كان ينعم بحياة فاضلة ، لا يعتريها خلل ، فهو يعيش مع أهله ، وذويه ، وأصدقائه الذي طالما أحبهم كثيرًا ، كما عاش في طمأنينة ، وسلام ، وأمن ، وأمان .
فلما كانت حياة الشاب متكاملة لهذا الحد ، لم يفكر لبرهة أن لوطنه فضل أسمى عليه ، ليحيا حياة كالذي يحياها ، فكان يجدر به أن يشعر بعظم وطنه الغالي ، ويعترف بأفضاله عليه ، ولكنه كان منشغلًا بحياته المثالية ، دون تفكر في أي شيء آخر ، ترى هل سيظل هذا الشاب لا يعرف فضل وطنه عليه ؟
فالمملكة العربية السعودية ، أرض طاهرة ، مطهرة ، تحوي على أرضها معالم الطهر ، والعفاف ، ومقصد جميع البلاد الإسلامية من كل حدبٍ ، وصوب ، للتقرب إلى الله تعالى ، وتأدية مناسك الحج ، والعمرة ، هذا إلى جانب الأماكن المقدسة والسامية على أرضها العريقة ، فما أعظمها من بلاد ! حياها المولى من كل شر يحيق بها !
ذات يومٍ ، اضطر ذلك الشاب للسفر خارج المملكة السعودية ، حتى يتمكن من استكمال مسيرته العلمية في إحدى البلاد ، وكان فرحًا بذلك كثيرًا ، فسوف يرحل إلى بلاد جديدة ، ويتعرف على عادات ، وطقوس ، ومعالم جديدة ، ويتعرف على أشياء لم يكن يعرفها من قبل ، فشعر أن سفره ، سيكون بمثابة نقلة جذرية في حياته .
بعد أيام قلائل ، وبعد أن تعرف الشاب على أنماط من الحياة ، لم يكن يعهدها من قبل ، وبعد نظرة عامة إلى تلك البلاد ، شعر الشاب بمرارة الغربة ، وأخذه الحنين ، والاشتياق إلى وطنه الغالي ، وأخذ يسترجع ذكرياته الماضية في وطنه ، فكم كان يشعر بانتمائه إلى هذا الوطن !
ولم يشعر بالغربة أبدًا بين أرجاءه ، كما يشعر في تلك اللحظات ، انتابت الشاب مشاعر من الضيق ، والحزن الشديد ، وتمنى لو يعود إلى وطنه ، ويلغي منحته التي سافر من أجلها ، فما قيمتها إذا كن لا يشعر بالنتماء ؟ ولا يحس بالطمأنينة التي لم يفقدها في بلاده لحظة ؟
هليتمكن الشاب من الإياب إلى وطنه مرة أخرى ؟ هل سيعاود ليتحسس ثرى بلاده ، الذي يتسم بالعبق ، والطهر ؟ أخذ يفكر في كل شيء ، وطنه ، أهله ، أصدقاءه ، فقد اشتاق إليهم جميعًا ، ولم تمضِ على سفره سوى أيام قلائل ، فكيف يمكن له أن يعيش بتلك المشاعر ، التي تنتابه بين خلجات نفسه ، وتؤرق عليه نومه ، ويقاسيها صباحًا ومساءً ؟
كثيرًا ما كان الشاب يجول بذكرياته إلى الوراء ، يتذكر عندما كان صغيرًا ، ويعيش في سعادة غامرة على أراضي بلاده الطاهرة ، كان يتذكر مدرسته ، ألعابه ، لهوه ، كل ما مر به الشاب ، يسيطر على تفكيره ، ولا يستطيع أن فصل ذهنه عن التفكير فيه قليلًا ، أخذ يحدث نفسه ، كيف أنه طيلة حياته في بلاده ، لم يشعر بقيمتها أبدًا ، فكيف يحدث ذلك ؟ فرغم أنه سافر إلى بلد متقدمة ، وكثيرًا ما يحتل الشغف بهذه البلاد ، والسفر إليها ، قلوب ، وعقول الجميع .
ولكن عندما اقترب الشاب من هذا الحلم الذي طالما كان يتمناه كثيرًا ، لم يشعر بالسعادة ، والأمان ، كما كان يتخيل ، الواقع أنه اشتاق إلى وطنه كثيرًا ، وعرف أن ترابه لا يقدر بثمنٍ ، صمم الشاب على أن يتفوق في دراسته ، وأن يجتهد ، ويبذل قصارى جهده ، ليعود إلى أحضان بلاده سريعًا ، وأخذ واضعًا حلمه أمامه ، وهو العودة إلى بلاده ، متفوقًا ، متقدمًا ، ليرد بعضًا من أفضال الوطن عليه .
وبالفعل أنهى الشاب دراسته سريعًا ، وعاد إلى وطنه ، وكله حب ، ولوعة ، واشتياق ، ومن يومها ، وهو يستمتع بكل نفس يتنفسه داخل بلاده ، فما أسمى حب الوطن !