في عصر الثورة التكنولوجية، يقوم الإنسان بتصنيع كميات هائلة من الإلكترونيات التي حتما ستؤول إلى نفايات يوما ما، والنفايات هنا يقصد بها كل ما يتم إعادة تدويره أو تجديده أو إعادة استخدامه أو بيعه، بالإضافة لما يتم طرحه في صورة مخلفات.

أزمة النفايات الإلكترونية تتمحور حول أنها غير قابلة للتحلل وغير صديقة للبيئة في حال ما تم التخلص منها بطرق غير سليمة، مما يهدد صحة البشر وسلامة البيئة، خاصة إذا ما علمنا أن العالم ينتج نحو 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية سنويا، الأمر الذي يدفع العلماء للبحث عن أساليب مبتكرة لمواجهة هذا الخطر.

وفي إحدى هذه المحاولات، نجحت مجموعة من الباحثين من المعامل الفدرالية السويسرية لعلوم وتكنولوجيا المواد في ابتكار بطارية ورقية صديقة للبيئة وقابلة للتحلل ومصنوعة من مواد مستدامة، وتكلفة تصنيعها منخفضة، وعلاوة على ذلك يمكن إنتاجها بأشكال وأحجام عديدة حسب الحاجة.

بطارية صديقة للبيئة
كتب الباحثون في ورقتهم المنشورة -في دورية “ساينتفك ريبورتس” (Scientific Reports) يوم 28 يوليو/تموز الماضي- “تعتمد البطارية على خلية كهروكيميائية ذات قطبين معدني وهوائي، وتستخدم الزنك -بوصفه معدنا قابلا للتحلل- أنودًا، والغرافيت كاثودًا، والورق فاصلًا بين الأقطاب الكهربائية، إضافة إلى محلول مائي”. ويقول الباحثون إنها “بطارية ورقية مطبوعة تم تطويرها لتشغيل الأجهزة الإلكترونية التي تستخدم لمرة واحدة لتقليل تأثيرها على البيئة”.

البطارية مصنوعة من ورق مشبع بملح كلوريد الصوديوم، ويبلغ حجمها أقل من سنتيمتر مربع، وهي مطبوعة؛ حيث يحتوي أحد الأحبار على رقائق الجرافيت ليكون كاثودًا (نهاية موجبة)، بينما الحبر الآخر على الناحية الأخرى من الورقة يحتوي على مسحوق الزنك ليكون أنودًا (نهاية سلبية).

وحبر ثالث -يتكون من رقائق الجرافيت وأسود الكربون- مطبوع على كلا الجانبين، أعلى الحبرين الآخرين، يكون رابطا الموجب والسالب بسلكين، ويتم تثبيت السلكين على أحد طرفي الورقة بعد غمسها في الشمع.

ويحتاج تفعيل البطارية لمجرد كمية قليلة من الماء لا تزيد على قطرتين، حيث يؤدي ذلك إلى إذابة الأملاح داخل الورق وإطلاق أيونات مشحونة تعمل بعد ذلك على تنشيط البطارية في أثناء انتقالها، ويتم إغلاق الدارة الكهربائية عن طريق توصيل الأسلاك بالجهاز الكهربائي، وتنتقل الإلكترونات من النهايات السالبة إلى الأطراف الموجبة.

طاقة تعادل البطارية القلوية
يقول الباحثون في ورقتهم البحثية “قمنا بتصنيع بطارية ذات خليتين واستخدمناها لتشغيل ساعة منبه وشاشة الكريستال السائل الخاصة بها”، وتحمل هذه التقنية كثيرا من الإمكانات لأجهزة الاستشعار وأجهزة التتبع منخفضة الطاقة.

وبجهد ثابت يبلغ 1.2 فولت، تكون البطارية الورقية قريبة من مستوى البطارية القلوية حجم “دبل إيه” (AA) التي يبلغ جهدها 1.5 فولت، وتبدأ البطارية في إنتاج الطاقة بعد حوالي 20 ثانية من إضافة الماء، وفقا للتجارب التي أجراها الفريق.

وكتب الباحثون في ورقتهم “يُظهر هذا العرض أنه على الرغم من أن القدرة محدودة عند مقارنتها بالتقنيات القياسية، لا تزال بطاريتنا مناسبة لمجموعة واسعة من الإلكترونيات منخفضة الطاقة ومنظومة إنترنت الأشياء (IoT)”.

ومع جفاف الورق ومرور الوقت تنخفض كفاءة البطارية، إلا أنه يمكن شحنها بمزيد من الماء، ومع الماء الإضافي يمكن أن تظل البطارية تنتج 0.5 فولت بعد ساعتين من تفعيلها لأول مرة.

ويذكر التقرير -المنشور على “ساينس ألرت” (Science Alert)- أن هذه الدراسة من نوع دراسات “إثبات المفهوم” (Proof of Principle) إلى حد كبير، وأن البطارية الموصوفة في الورقة البحثية ليست معقدة للغاية في إنتاجها، ويقول الباحثون إنهم يريدون تحسين كفاءة البطارية في المستقبل، وجعلها تعمل لفترة أطول.

ويخلص الباحثون في دراستهم إلى أنه “مع تزايد الوعي بمشكلة النفايات الإلكترونية وظهور الإلكترونيات ذات الاستخدام الواحد لتطبيقات مثل الاستشعار البيئي ومراقبة الأغذية، هناك حاجة متزايدة لبطاريات ذات تأثير بيئي منخفض”.

“الجزيرة” 

By Lars