خرج المعز في ليلة مقمرة من ليالي عام ٣٥٧ هـ ، إلى حديقة قصره في المنصورية قرب القيروان ، وفى الحديقة بركة واسعة يصب فيها الماء ، من نبع جر ماءه المعز إليها من جبل بقرب المنصورية ، وفرقه بأنابيب الرصاص إلى قصور المدينة ومسجدها وأسواقها ، وينصرف ما بقي من ذلك الماء إلى القيروان ، وقد علمت أن المنصورية خاصة بالخليفة وأهله وحاشيته وأعوانه ، لا يشاركهم فيها أحد ، وقد أحاطوها بسور ضخم عال فهي أشبه بالحصون منها بالمدن ، وهو هناك في مأمن من غدر الغادرين ، لأنها محاطة بسور منيع أبوابه مصفحة بالحديد ، تقفل وتفتح عند الحاجة .
خرج المعز في تلك الليلة ، وهو مطمئن الخاطر لا يخاف غدرًا ، حتى إذا توغل في الحديقة ولا شيء فيها ، من زخارف المدينة أشرف على تلك البركة ، وليست هي مما يستجلب النظر أو يلفت الانتباه ، لكن لها حديثًا يطرب له المعز ، ولا يطرب له سواه إلا قائده جوهر البطل الصقلي ، وكان قد اسكنه في مدينته واختصه بقصر من قصورها ، وبالغ في إكرامه ورفع منزلته .
وصل البركة والقمر قد تكبد السماء ، فأسرع البستانى إلى مقعد معد لجلوس الخليفة ، إذا ما نزل في تلك الساعة وأهل القصر نيام حتى الخدم ، وإنما أرقه أمر شغل خاطره ، وأخذ بمجامع قلبه لم يكاشف به أحدًا من أعوانه ، لأنه كان حريصًا على سره لا يطلع عليه أحدًا ، إلا إذا نضج وآن إخراجه إلى حيز الفعل ، شأن رجال العمل وأهل الحزم ، على أنه ضاق ذرعًا في تلك الليلة عن الاحتفاظ بذلك السر ، فخطر له أن يكاشف به قائده جوهر .
وكان المعز عالي الهمة عظيم الهيبة واسع المطامع ، أدرك الأربعين من عمره وقد لبس في تلك الليلة ، رداء أبيضًا بسيطًا والتف بالعباءة ، وجعل على رأسه عمامة صغيرة.
فلما استقر به الجلوس صفق ونادى ، فحضر الخادم فقال له ادع قائدنا جوهر ، فمضى خفيف وما عتم أن عاد ومعه جوهر ، وهو كهل في السادسة والخمسين من عمره وقد وخطه الشيب ، وكان طويل القامة ثابت الجأش عظيم الهيبة ، وكان لما جاءه رسول المعز قد ذهب إلى فراشه ، فنهض وارتدى ثيابه وبادر إلى ملاقاة مولاه ، فلما شعر المعز بقدومه تحفز للنهوض ورحب به وبش له .
فخجل جوهر من ذلك الإكرام فاكب على يدي الخليفة فقبلهما ، وقبل ركبتيه وأوشك أن يقبل قدميه ، فأنهضه المعز ودعاه للجلوس بجانبه ، فجلس متأدبًا فبادره المعز قائلا مرحبًا بقائدنا الحازم وحبيبنا الباسل ، فتأدب جوهر وقال: إني عبد مولانا أمير المؤمنين ضارب بسيفه وأفديه بروحى ، فقال له المعز : بل أنت سيفنا المسلول وحامى دولتنا ، وإني لا أجلس إلى هذه البركة وأرى السمك يسبح فيها ، إلا ذكرت بلاءك في سبيل الحق. إن هذا السمك يشهد بمالك من الأفضال ، على هذه الدولة أليست هذه الأسماك من نسل ما حملته إلينا ، من سمك البحر المحيط في القلل يوم جردت وفتحت أفريقيا.
وأخضعت قبائلها لا أنسى يوم جئتنا بتلك القلل وفيها السمك ، من ذلك البحر العظيم ، إشارة إلى ما أدركته من تلك الفتوح العظيمة التي لم يسبق إليها سواك ، فلا غرو إذا اختصصتك بصداقتي وفضلتك على سائر بطانتى وأهلي .
فخجل جوهر من هذا الإطراء وقال : العفو يا مولاي إني لم أفعل شيئًا إلا باسمك ، ولله إنما نصرني بك ، لأنك سلالة أحق الناس بالخلافة ، ابن عم الرسول (صلّ الله عليه وسلم) وصهره ، أنت ابن فاطمة الزهراء ، فكيف لا ينصرك الله ، ولو قام بهذه الدعوة غلام لأفلح لأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه .
فأسكته المعز قائلا : إن الحق لا يعلو دائمًا ، وكم ظل أجدادي يجاهدون ، وقد ذاقوا أنواع العذاب ممن استأثر بالسيادة دونهم ، ولو أتيح لهم سيف مثل سيفك لغلبوا ، ألم تفتح هذه البلاد من هنا إلى البحر المحيط ، وأخضعت أهلها بارك لله فيك ، وسكت وقد بدا الاهتمام في وجهه ، وجوهر ينتظر ما يبدو منه ، لاعتقاده أنه لم يدعه في تلك الساعة إلا لأمر هام ، وهذا ما لا ريب فيه فإذا رفعنا منزلتك فقد أعطيناك حقك ، فاعتدل في مجلسه وتوجه بكليته نحوه كأنه يستفهم عما يريده .
أما المعز فمد يده واستخرج من تحت العباءة ، قضيبًا من عود طوله شبر ونصف مكسو بالذهب ، فلما رآه جوهر علم أنه قضيب الملك ، فتأدب احترامًا له فابتدره المعز قائلاً: أليس هذا قضيب الملك يا جوهر ، قال : نعم يا مولاي إنه قضيب الحق ، وصاحبه صاحب الخلافة الحقة ، قال: هل يكون في الدنيا خليفتان على حق ؟ فأدرك جوهر أنه يشير إلى خلافة العباسيين في بغداد ، أنها على غير الحق ولحظ ما وراء ذلك من الأمور فقال : كلا يا سيدي إن النبي واحد وخليفته واحد ، قال: إلى متى نترك أولئك القوم في ظلمائهم؟
فأجاب جوهر على الفور : نتركهم حتى يأمر مولانا أمير المؤمنين ، فأكبر المعز هذا الجواب الدال على حزم جوهر واستهلاكه ، في سبيل نصرة العلويين ، فابتسم وقد أشرق وجهه وكان القمر مواجهًا له ، بحيث يظهر ذلك لجوهر .
وقال: بارك الله فيك هذا ما كنت أرجوه منك ، وقد جال هذا الفكر في خاطري منذ أعوام ، وأنا أتردد فيه أستطلع المنجمين ، ولا أبوح به لأحد ، حتى إذا كانت الليلة رأيت أن أسره إليك ، وكنت أحسبه جديدًا عليك فإذا أنت أكثر تفكيرًا به منى ، أما وقد اطلعت على سرى ، وأنت الوحيد الذي اطلع عليه منى فأرجو أن تشير علي .
قال: ليس لهذا العبد أن يشير وإنما عليه أن يطيع ، فولله لو أمرتني أن أركب الأسنة وأذهب في الأرض فاتحا ، لفعلت لعلمي أني ذاهب في نصرة الحق ، قال: لله درك من قائد باسل وصديق حميم ، ولكن الأمور مرهونة بأوقاتها ، فالآن اكتم ما دار بيننا وأخبرني عن رأيك في قوادنا ، قال: إنهم نعم الرجال يستهلكون في نصرة مولانا ، ولاسيما شيوخ كتامة فإنهم قاموا بنصرة أمير المؤمنين ، خير قيام وعليهم المعول في أمرنا .
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…