تعد المآثر والإنجازات الملك ثيسيوس ضخمة وعميقة ، فقد جلب الديمقراطية إلى أثينا ، وانضم إلى جيسون وبحارة الأرجو في سعيهم لجلب الصوف الذهبي ، وحارب المحاربات الشرسات المعروفات باسم فتيات الأمازون ، وهي الحرب التي انتهت بلا نصر أو هزيمة ، إلا أن كل هذا خبا رونقه أمام إنجازه الأعظم ، ألا وهو ذبح المينوتور .

روى بلوتارخ تلك القصة ، التي دارت ووقعت أحداثها بالكامل ، في القرن الأول الميلادي ، ولكنها كانت معروفة بالطبع قبل ذلك ، ودارت القصة بشأن تزوج الملك القوي مينوس ، الذي كان يحكم اليونان من قصره في كريت ، من باسيفايي التي وقعت في غرام ثور جميل ، طلبت باسيفايي من المخترع ديدالوس ، أن يبني لها بقرة من الخشب حتى تستطيع الاختباء بها ومعاشرة الثور ، وأنجبت بعد ذلك المينوتور الرهيب ، الذي كان نصفه إنسانا ونصفه ثورًا ، وكان مغرمًا بلحم البشر لسوء الحظ .

توجه مينوس إلى ديدالوس ، الذي قام بدوره ببناء متاهة لاحتجاز المينوتور ، وفيها كان يرسل الملك ، كل تسعة أعوام يرسل أربعة عشر شابا من أبناء أثينا ، إلى المينوتور من أجل التهامهم ، وفي الوقت نفسه للانتقام لموت أندروجيوس ابن مينوس ، على أيدي الآثينيين .

لم يكن أحد من شباب أثينا ، يعود إلى ذويه مرة أخرى ، وذلك حتى تطوع ثيسيوس ابن الملك الأثيني أيجيوس ، بالذهاب إليهم بعد أن وعد والده ، بأن يعود رافعًا شراعًا أبيض اللون احتفالا بنجاحه .

وفي كريت قبل حدوث ذلك ، كانت أريادنه ابنة مينوس ، قد وقعت في حب ثيسوس الشجاع ، الممتلئ بروح الشباب والطموح والبسالة ، فمنحته كرة من الخيط ، ليستطيع الاستدلال به للخروج من المتاهة المعقدة ، وبالفعل بعدما قضى ثيسيوس على المينوتور ذبحًا ، تتبع الخيط المفكوك للخروج من متاهته ، وهكذا انتهت التضحية القاسية بشباب أثينا ، وانتهت معها سيطرة كريت على أثينا .

لم تكن تلك نهاية سعيدة بالنسبة إلى أريادنه ، التي هجرها ثيسيوس في طريق عودته إلى أثينا ، أو بالنسبة إلى أيجيوس ، الذي ألقى بنفسه من أعلى جرف حين وجد سفينة ابنه ، ولا يزال عليها الشراع الأسود ، حيث كان ثيسيوس قد نسي تغيير الأشرعة ، ولكن ميزة ما حدث على الأقل ، أنه قد سرع باعتلاء ثيسيوس العرش .

بالطبع تنتمي رواية بلوتارخ ، المليئة بالعناصر الخارقة للطبيعة ، لعالم الخرافات ولكن تساءل المؤرخون الأوائل ، عن احتمالية حفظ الخرافة ذكرى حية ، عن أي إمبراطورية كريتية حكمت بلاد الإغريق في أحد عصور ما قبل التاريخ .

وفي عام ١٩٠٠م ، وصل آرثر إيفانز ، مدير المتحف الأشمولي بأكسفورد ، إلى كريت وأقنعه ما رآه ، مثلما أقنع كثيرين آخرين ، بأن كريت لم تكن فقط مركزًا لإمبراطورية عظيمة ، بل بأن قصة ثيسيوس لم تكن بالروعة ، التي بدت عليها حينها .

كان إيفانز مناسبًا على نحو مثالي للتنقيب في كريت ؛ فباعتباره أكاديميا من الجيل الثالث، كان خبيرا بالكتابة القديمة ، التي جاء إلى كريت بحثا عنها في المقام الأول ، كما كان مؤيدا لاستقلال كريت ، ما عاد عليه بنفع عظيم ، بعد أن تحررت كريت من الحكم التركي عام ١٨٩٩م ، والأفضل من كل ذلك ، أن إيفانز قد ورث ثروة من تجارة أبيه في الورق ، ما أتاح له تجاوز المفاوضات الشائكة المعتادة ، وشراء الأرض التي أراد التنقيب فيها ببساطة ،  وكانت الرواية المحلية واضحة ، بشأن موقع قصر كنوسوس ، وهو قصر مينوس في وادي كايراتوس ، وكانت تلك هي النقطة التي بدأ فيها إيفانز الحفر .

وفي غضون أسابيع ، كان واضحا أن هذا الموقع موقع استثنائي ، فلحسن الحظ لم يبن عليه ، في العصور الإغريقية أو الرومانية ، ومن ثم تمكن العمال سريعًا من الوصول إلى أطلال قصر ، يعود للعصر البرونزي ، ويا له من قصر رائع ، فقد كان يمتد على عدة أفدنة ، وسرعان ما استدعى إلى الذهن صورة متاهة ، بغرفه وممراته المتعددة المظلمة ، ولم يسع إيفانز سوى أن يتخيل الزوار الأثينيين القدماء ، وقد عادوا إلى ديارهم ويروون حكايات عن وقوعهم في متاهة بدت بلا نهاية ، وفي منتصف القصر كان هناك بهو كبير ، فتساءل إيفانز : هل يمكن أن يكون هذا هو مأوى ، ذلك المخلوق الذي وصف في الخرافة مينوتور ؟

ولكن بحلول عام ١٩٠٠م ، انطلقت أكثر اكتشافات إيفانز إثارة بين جميع اكتشافاته ، وهي عبارة عن لوحة تجسّد شابا ، يقوم بحركات بهلوانية على ظهر الثور ، في حين وقفت شابتان بجانبه ، على ما يبدو أنهما إما كانتا تبحثان عن رفقتهما ، أو في انتظار دورهما ، وسرعان ما تم العثور على مزيد من الصور لثيران ، ومصارعين يقفزون فوقها ، بعضها على أختام منقوشة ، والبعض الآخر في شكل تماثيل صغيرة من البرونز أو العاج .

تشاور إيفانز الذي تمَكه الذهول والدهشة ، مع الخبراء البديهيين في هذا الموقف ، وهم مصارعو الثيران الأسبان ، فسألهم إذا كان هذا النوع من القفز على الثيران المجسد في الفن الكريتي ممكنًا ، وأجاب مصارعو الثيران ، بأنه لا يمكن القيام به ، على الأقل إذا كان القافزون على الثيران يتمنون النجاة والبقاء أحياء ، ولكن الدليل كان دامغًا ، على أن شكلا من القفز على الثيران كان يحدث هناك ، وأيا ما كانت الرخصة الفنية ، التي ربما يكون الفنانون الكريتيون والقاصون الأثينيون ، قد حصلوا عليها ، فمن الواضح أن الثيران كانت جزءً لا يتجزأ من هذه الثقافة ، وربما كان الشباب الذين تم تصويرهم ، أسرى يونانيين تم تدريبهم ، من أجل حلبة المصارعة مثل مصارعي روما القديمة .

Lars

منشور له صلة

الأحرف الأكثر حظاً هل اسمك من بينها

الأحرف الأكثر حظاً هل اسمك من بينها سنتحدث عن الحروف الأكثر حظًا في الأسماء العربية…

14 دقيقة منذ

اكتشف مشاعر شريكك من أول حرف في اسمه

اكتشف مشاعر شريكك من أول حرف في اسمه من خلال مقال حصري من موقع عرب…

7 ساعات منذ

حظوظ الأبراج أموال، عقود عمل، وزواج قريب!

حظوظ الأبراج: أموال، عقود عمل، وزواج قريب! حصريا من موقع عرب كلوب الاول في عالم…

11 ساعة منذ

توقعات برج الحوت اليوم الخميس 27/6/2024 يونيو حزيران جوان

توقعات برج الحوت اليوم على الصعيد العاطفي والمالي والمهني والصحي الأبراج اليومية مكتوبة   لحجز…

11 ساعة منذ

توقعات برج الدلو اليوم الخميس 27/6/2024 يونيو حزيران جوان

توقعات برج الدلو اليوم على الصعيد العاطفي والمهني والصحي والمالي الأبراج اليومية مكتوبة برج الدلو…

11 ساعة منذ

توقعات برج الجدي اليوم الخميس 27/6/2024 يونيو حزيران جوان

توقعات برج الجدي على الصعيد المالي والمهني والعاطفي والصحي الابراج اليومية مكتوبة برج الجدي اليوم…

11 ساعة منذ