هو الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان ، وكان من خبر الحارث بن ظالم وفتكه أن زهير بن خذيمة بن رواحة ، كان سيد غطفان وكان له إتاوة ، على هوازن كل سنة بعكاظ ، فحضر زهير بسنة من السنين ، فأتته عجوز من هوازن بسمن في نحي ، واعتذرت إليه وشكت السنين التي تتابعت على الناس ، فذاق زهير السمن فلم يرض طعمه ، فدفع في صدرها بقوس كانت في يده ، فاستلقت على قفاها فبدت عورتهات ، فغضبت هوازن وحميت أنوفها من ذلك .
مع ما كان من زهير يسومهم به من الخسف قبل ذلك ، واتفقت كلمتهم مع رئيسهم خالد بن جعفر بن كلاب العامري على قتل زهير ، فتطلب خالد زهيرًا مدة حتى أخبر أنه في إبل له مع بعض عشيرته ، قريبًا من حي بني عامر ، فخرج خالد في فوارس من قومه ، حتى كبسوا زهيرًا على حين غفلة .
وصمد إليه خالد فاقتتلا مليًا على ظهور فرسيهما ، ثم اعتنقا وسقطا على الأرض ، وحمل حندج بن البكاء وهو ابن امرأة خالد على زهير فضربه بالسيف على رأسه ، حتى خلص إلى دماغه فقتله وثار خالد وعادت هوازن إلى منازلها ، قم علم خالد بن جعفر ، أن غطفان سوف تطلبه بسيدها فسار إلى النعمان بن امريء القيس ملك الحيرة فاستجار به ، وقيل استجار بغيره والله أعلم بالصواب .
وكان خالد قبل مقتل زهير قد أغار على بني يربوع بن غيظ بن مرة ، رهط الحارث بن ظالم في واد لهم يقال له حراض كغراب فقتل الرجال وبقيت نساء بين يربوع أيامي ، فنشأ الحارث على البغض له والحرد ، ثم جاء إلى بني زهير بن جذيمة وهم يجمعون لغزو بني عامر ، فقال لهم : اكفوني حرب هوزان وأنا أكفيكم خالد بن جعفر ، فقال له قيس بن زهير : وكيف تصل إليه وهو في جوار النعمان بن المنذر ؟
فقال لأقتله ولو كان في حجره ، ثم أخذ فرسًا من عتاق خيل بني مرة فأهداه للنعمان وأعجبه فأقبل عليه ورفع منزلته ، ثم إن النعمان دعا يومًا خالد بن جعفر في رهط من عشيرته والحارث بن ظالم وقدم لهما تمرًا فطفق خالد يأكل ويبلقي النوي بين يدي الحارث فلما فرغ القوم قال خالد : أبيت اللعن انظر ما بين يد الحارث من النوى فما ترك لنا تمرًا إلا أكله ، فقال الحارث : أما أنان فأكلت التمر وألقيت النوى ، وأنت يا خالد فأكلته بنواه فغضب خالد وكان لا ينازع ، فقال: أتنازعني يا حارث وقد قتلت حاضرك وتركتك يتيمًا فسي جحور النساء؟ فقال الحارث ذلك يوم لم أشهده وأنا مغن اليوم بمكاني .
قال خالد : فهلا تشكر لي إذا قتلت زهير بن جذيمة وتركتك سيد غطفان؟ قال : بل أشكرك وأخذه الغضب ، وافترق القوم فلما كان الليل أشرج خالد قبته عليه وعلى أخيه وناما ، فلما هدأت العيون خرج الحارث شاهرًا سيفه ، فهتك شرج قبة خالد بالسيف وقتله وهو يقول : يا خالد أظننت أن دم زهير كان سائغًا لك ؟
وانتبه أخوة عتبة فقال له الحارث : لئن نبست لألحقنك به ، وانصرف فركب فرسه وشرد ، وخرج عتبة صارخًا وأسوء جاراه واخفرتاه ، فأجيب : لا روع عليك ، فقال : قتل الحارث خالدًا وأخفر الملك فيه ، فوجه النعمان في أثره جماعة ، فلحقوا به فقتل منهم أفرادًا ورجع عنه الباقون ثم لحق بأهله .