هناك العديد من الأساطير التي سيطرت على العالم ، وربما وصل معظمها إلى حد الخرافات أو الخيال الذي انطلق إلى أبعد الحدود ، وكان الشعب الصيني قد أبدع في إخراج العديد من تلك الأساطير ، والتي كان يلجأ من خلالها في معظم الأحيان إلى إثبات إرادة الشعب الصيني وشجاعته وتغلبه على الصعاب ، ومن أشهر تلك الأساطير التي تدور حول هذا الأمر أسطورة “كوا فو”.
قصة الأسطورة :
تحكي الأسطورة عن شخص يُدعى “كوا فو” ، وهو رجل صيني كان يعيش في قبيلة أخذت نفس اسمه ، حيث أنه كان زعيمهم ، وقد كانوا يعيشون في أعمق الغابات الموجودة في أحد الجبال الشامخة بالبراري الشمالية ، وكان أهل تلك القبيلة يتميزون بطيبة قلبهم وشجاعتهم واجتهادهم في الحياة .
وفي أحد الأعوام كان الطقس حارًا للغاية ، لدرجة أن الشمس كانت ترسل أشعتها بشكل مباشر وقريب من الأرض ، وهو ما أدى إلى كارثة ، حيث أن الأشجار قد احترقت ، كما أن الأنهار جفت من المياه ، وحدثت المصيبة الكبرى بموت معظم أفراد قبيلة كوا فو نتيجة لتلك الحرارة الشديدة ، وهو ما تسبب في حالة حزن شديدة في قلب الزعيم كوا فو ، والذي كان لازال على قيد الحياة (هناك بعض الأقوال تخبر بأن كوا فو هو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة) .
وتحول حزن كوا فو إلى حالة من الغضب الشديد من الشمس ، وهو ما جعله يقرر ملاحقتها وإخضاعها كي تكون تحت أمر الإنسان ، وبالفعل قام كوا فو بالتوجه ناحية مشرق الشمس بعد أن ودعّ من تبقى من أهل قبيلته ، وكانت الشمس في ذلك الوقت تتحرك بسرعة شديدة ، ولكن كوا فو أصرّ على متابعتها مهما كانت المشاق والصعوبات .
مرّ كوا فو في طريقه بالعديد من الجبال ، وتمكن من تجاوز الأنهار ، وحينما شعر بالتعب نفض التراب الموجود داخل حذائه على الأرض ، مما تسبب في تكوين تل ترابي ضخم في موضع التراب الذي خرج من حذائه ، ثم قام بالتقاط ثلاثة أحجار حتى يصنع موقدًا ليطبخ عليه طعامه ، فأصبحت تلك الأحجار ثلاثة جبال ضخمة .
واصل كوا فو رحلته الصعبة كي يلحق بالشمس ، حتى بدأ يشعر بالثقة حينما اقترب منها ، وبالفعل تمكن أخيرًا من الوصول إلى هدفه الذي سعى إليه ، حيث أمسك الشمس بيديه واحتضنها (وهناك بعض الأقوال التي تقول أنه قام بمبارزتها حتى هزمها ) ، ولكنه شعر بالعطش الشديد ، حيث أن حرارة الشمس كانت شديدة عليه ، كما أنه شعر بالتعب والألم .
جرى كوا فو باتجاه النهر الأصفر ثم شرب كل ما به من مياه ، ثم هرول باتجاه نهر وي خه الذي شرب مياهه هو الآخر ، غير أنه ظل يشعر بالعطش الشديد ، وهو ما جعله يتجه ناحية البحيرات الواسعة الموجودة في اتجاه الشمال ، ولكن نهايته كانت قد اقتربت ، فشعر بالألم والقلق على أهل قبيلته ، وهو الأمر الذي جعله يقوم بإلقاء عصاه الخشبية ، والتي أنبتت في مكان سقوطها أشجارًا من الخوخ .
مات كوا فو ولكن أشجار الخوخ قد بقيت لتظلل على المسافرين وتخفف عطشهم طوال العام ، حتى ظلت روح كوا فو تعيش داخل المجتمع الصيني حتى الوقت الحالي ، لتصبح أسطورته واحدة من أشهر الأساطير التي ذُكرت في الأشعار والأعمال الأدبية ، على الرغم مما تحتويه من خرافات كبيرة لا يمكن تصديقها ، إلا أنها مثلّت قوة الإرادة لدى الشعب الصيني .