المسجد هو ذلك المبنى المهيب ، الذي يحمل قدسية خاصة ، تبرز علاقة العبد بربه ، ويطرب له البدن عند رؤيته ، ويحفل تاريخنا بعدد كبير من المساجد الأثرية عتيقة الطراز ، والتي شهدت في عمارتها وزخارفها أثناء البناء ، خاصة في الدول غير العربية ، الكثير من القصص أثناء إقامتها ، وعددًا من الأحداث التاريخية كذلك ، وتلك بعض القصص منها.

قصة بناء مسجد كأني أكلت :
يقبع هذا المسجد الصغير ، في تركيا وتحديدًا بمنطقة الفاتح في العاصمة اسطنبول ، هذا المسجد الذي يعود تاريخه إلى العهد العثماني ، في فترة القرن الثامن عشر ، ولتسميته بهذا الاسم الغريب قصة ، قام بروايتها الكاتب العراقي أورخان محمد علي ، الذي روى أن منطقة الفاتح كان يعيش بها ، أحد الرجال الورعين والتقاة ، ويدعى خير الدين أفندي .

وكان هذا الرجل يخرج كل يوم إلى السوق ، ويتمشى به ، فإذا ما أراد أن يأكل فاكهة أو لحمًا ، فإنه يقول في نفسه كأني أكلت ، ثم يتوجه صوب صندوق له ، كان قد وضعه ليخرج فيه ثمن ما طابت له نفسه ، واشتهاه من طعام وشراب ، ومرت الأيام وحجم لمال بالصندوق يزداد شيئًا فشيئًا ، حتى استطاع أن يبني هذا الرجل مسجدًا صغيرًا ، ثم توفاه الله  ، فأطلق الناس على المسجد اسم كأني أكلت ، نسبة لهذا الرجل الذي كانوا يعرفون جميعًا قصته .

وكان من وجهة نظر نائب المفتي ، في منطقة الفاتح التي يقع فيها المسجد ، أن قصة خير الدين أفندي ، تحث الجميع على لزهد في الدنيا ، فهي إلى زوال ، وأن التجارة الحقيقية هي التجارة مع الله ، وكذلك الحث على عدم التبذير في الدنيا ، لأمور استهلاكية كثيرة نفعلها ، ولهذا كان هذا المسجد عبرة للجميع .

وجدير بالذكر ، أن مسجد كأني أكلت ، يمكنه أن يحوي مائتي مصلي ، وكان قد تعرض هذا المسجد للاحتراق إبان فترة الحرب العالمية الأولى ، ثم خضع لعمليات ترميم في عام 1995م ، ليتغير شكله عما كان عليه .

قصة بناء مسجد كوبيه، المسجد الصامد أمام المحن :
يقبع هذا المسجد في مدينة كوبيه ، في مقاطعة أوساكا اليابانية ، ويعد هذا المسجد هو الأول الذي يتم افتتاحه ، في اليابان بوجه عام ، وكان قد تأسس عام 1935م ، وتم الإنفاق على إنشائه عن طريق التمويل ، بحملات تبرع أقامها المسلمون باليابان عام 1928م .

خاض هذا المسجد تحديدًا ، عددًا من التحديات والمحن التاريخية ، وكانت أول محنة يمر بها، إبان الفترة التي تعرضت فيها كوبية للقصف الجوي الأميركي ، إبان فترة الحرب العالمية الثانية ، والذي تسبب في تدمير المدينة كاملة ، ولكن لم يصب المسجد آنذاك ، سوى ببضعة شقوق على جدرانه الحجرية الفخمة ، مع تحطم عشوائي للزجاج بنوافذه ، حيث كان الجنود اليابانيون ، قد لجئوا إليه للاحتماء به ، خاصة أنه كان يحوي سردابًا أسفله ، ضم الكثير من الأسلحة والذخيرة ، بطبيعة الحال عندما هاجمت الحرب الدولة ، وتساقط الضحايا .

ولم تكن تلك الكارثة الوحيدة ، التي خاضها مسجد كوبيه ، بل عانى مرة أخرى من زلزال اليابان الذي ضربها عام 1995م ، وسمي بزلزال هانشين أواجي الكبير ، وهو ثاني أكبر زلزال ضرب اليابان ، نظرًا لما تسبب فيه من خسائر ، وتحديدًا في مدينة كوبيه ، حيث تساقطت الكثير من المباني ، بينما صمد مسجد كوبيه ، مما زاده قدرًا وهيبة فوق هيبته لدى اليابانيين .

By Lars