قتل العديد من الملوك على مر التاريخ أفرادًا من العائلة المالكة ، فعلى سبيل المثال قطع هنري الثامن ملك إنجلترا رأس زوجتين من زوجاته والعديد من أبناء عمومته ، كما صممت كليوباترا على قتل اثنين من الأشقاء ، كان واحدًا منهما هو زوجها أيضًا ، وقد أمر أتاهوالبا أخر إمبراطور في الإنكا ، بإعدام أخيه غير الشقيق الذي كان بالسجن الإسباني .

ولكن حتى تلك العائلة المالكة ربما كانت أفعالها ليست مروعة بقدر ما فعل القيصر الروسي بطرس الأكبر ، الذي قام في عام 1718م بتعذيب ابنه الأكبر حتى الموت ، بتهمة التآمر ضده ويُعرف بطرس الأول باسم بطرس الأكبر ، وهو الذي قام بإحضار روسيا إلى العصر الحديث ، خلال فترة توليه منصب القيصر من عام 1682م حتى وفاته في عام 1725م .

حيث نفذ مجموعة متنوعة من الإصلاحات التي شملت تجديد التقويم الروسي والأبجدية ، والحد من استقلالية الكنيسة الأرثوذكسية ، حتى أن بطرس فرض ضريبة على اللحى ، كجزء من جهوده لجعل الروس ينظرون ويتصرفون مثل الأوروبيين الغربيين ، وفي الوقت نفسه بنى بطرس الأول أول سلاح بحرية حقيقي في روسيا .

وقام بتحديث الجيش وفاز بسلسلة من الانتصارات العسكرية على الأرض التي غزاها من السويد خصمه الرئيسي ، كما أسس مدينة سان بطرسبرج ونقل العاصمة هناك من موسكو ، وقد تمرد الملك بطرس بالكامل تقريبًا ضد الثقافة السياسية التقليدية في بلدية موسكو ، كما يقول جوناثان دالي أستاذ التاريخ الروسي في جامعة إلينوي بشيكاغو .

وعلى الرغم من استياء بطرس الأكبر من بعض الأوضاع ، نشأ ابنه الأكبر وولي عهده ألكسي بتروفيتش بشكل مختلف ، كانت والدة ألكسي  ايودوكسيا على حد سواء ورعة ومحافظة ، ورغم ذلك عندما كان ألكسي يبلغ من العمر ثماني سنوات ، تركها بطرس وأجبرها على الذهاب إلى الدير ، ومنذ ذلك الحين تم رعاية ألكسي إلى حد كبير من قبل عماته .

وعلى الرغم من أنه تلقى دروسًا في عصر التنوير في اللغات الأجنبية والرياضيات ، ودرس في الخارج في ألمانيا مثل العديد من أطفال الملوك الأوروبيين ، لم يتبع ألكسي والده الذي قضى الكثير من حكمه بعيدًا عن القتال مع العثمانيين والسويديين ، والسفر في جميع أنحاء أوروبا الغربية وبدلاً من ذلك كان ألكسي محاطًا بحاشية موسكو .

التي كانت تؤمن بتقليد الغرب ودور أكبر للكنيسة الأرثوذكسية والأرستقراطية ، كما يشرح بول بوشكوفيتش ، أستاذ التاريخ في جامعة ييل ومؤلف كتاب ” بطرس الأكبر: الكفاح من أجل السلطة”1671-1725م ، وعندما كان ألكسي مراهقًا تم وضعه للعمل بشكل أساسي في قسم اللوجستيات بجيش والده الملك كما يقول بوشكوفيتش ، حيث شملت مهامه جمع الطعام والمجندين وإرسالهم إلى الأماكن المناسبة  .

كما كان مكلفًا أيضًا بالدفاع عن موسكو خلال غزو السويد الفاشل لروسيا في عام 1708م ، وكما يقول بشكوفيتش خلال تلك السنوات لم نشعر بأن هناك مشكلة بين ألكسي ووالده بطرس الأول ، ولكن بدأ هذا يتغير حوالي عام 1711م ، عندما تزوج ألكسي من أميرة ألمانية تدعى شارلوت ، وعلى الرغم من أنها كانت سعيدة مع زوجها في البداية ، إلا أن شارلوت سرعان ما وجدت نفسها وحيدة ومعزولة  .

وشكت بعدم رغبة الكسي العاطفية والإفراط في شرب الخمر ، وقد ماتت من مضاعفات ما بعد الولادة وذلك بعد ولادة طفلهما الثاني في عام 1715م ، وفي ذلك الوقت بدأ ألكسي علاقة غرامية مع أحد أقاربه وهي أفروسينا فيدوروفا ، وفي هذه الأثناء كان ألكسي لا يزال يعارض زواج والده ، ولم يحضر حفل زفاف الملك بطرس وزوجته الثانية كاترين عام ١٧١٢م  .

كان ألكسي على عكس أبيه الملك يعاني من الضعف فقد كان خجولًا ، وأقل تأثيرًا جسديًا من الملك بطرس الأول ، وكان يشكو باستمرار من سوء حالته الصحية ، ويقال إنه أصاب يده عن قصد بدلاً من الخضوع لأحد مطالب والده ، وقد انشقت العلاقة بين الأب وابنه إلى الأبد في أكتوبر 1715م ، عندما كتب بطرس رسالة إلى ألكسي يشعره فيها بافتقاره إلى البراعة العسكرية ، ويهدده بحرمانه من الخلافة وأنه قد ينحي أحد الأعضاء عديم الفائدة  .

ويمنح التاج لشخص أخر أكثر من ابنه غير المستحق ، وقد كان  الملك بطرس يأمل في تأنيب ألكسي ، كي يخيفه لكنّ ألكسي المأساوي تطوع بدلاً من ذلك بالتخلي عن إدعائه للعرش ، قائلاً إنه يشعر بأنه غير صالح للخدمة وأن القيصر يجب أن يكون “رجلًا أكثر نشاطاً مني أنا” ، وعلى الرغم من تأكيدات ألكسي بأنه لا يريد أي شيء يتعلق بالحكومة ، إلا أن بطرس كان قلقًا من أن خصومه سوف يحتشدون حول ابنه .

بعد كل شيء كما يشير دالي ، صار ألكسي متحالفًا مع العديد من المصالح والقوى داخل المجتمع ، والنخبة السياسية الذين عارضوا تغييرات بطرس الجذرية ، لذلك أمر بطرس الأول ابنه ألكسي إما بالسعي للخلافة أو أن يصبح راهبًا ، فوافق ألكسي على دخول الدير لكنه بدلاً من فعل ذلك ، اقترض مالاً وفرّ من البلاد متخفيًا ، برفقة أفروسينا التي تنكرت في زي ذكر ، مع ثلاثة من الخدم وظهر بعدها في فيينا بالنمسا ، في نوفمبر 1716م  .

ووضع نفسه تحت رحمة إمبراطور هابسبورغ تشارلز السادس ، الذي كان متزوجًا من أخت زوجته المتوفاة شارلوت ، ويشرح بوشكوفتش أن هروب ألكسي تساريفيتش وضع النمساويين في وضع معقد ، فمن ناحية لم يكن تشارلز السادس يرغب في إثارة قتال مع روسيا ، لكن من ناحية أخرى شعر بأنه مُلزم بمساعدة زوج أخت زوجته ألكسي .

ولم يكن من محبي بطرس الأول ، وكانت لا تزال النمسا قوة كبرى في القرن الثامن عشر كما يقول بوشكوفيتش ، وهم لا يحبون حقيقة أن بطرس بهزيمة السويديين والتحالف مع الدنمركيين والبروسيين ، أصبح عاملاً في سياسة ألمانيا الشمالية ، وفي نهاية المطاف قرر تشارلز السادس أخذ ألكسي وأخفاه أولاً في قلعة بجبال الألب ، ثم في وقت لاحق نقله لقلعة تطل على نابولي .

لكن لسوء حظ أليكسي تمكن عملاء بطرس من تعقبه ، وفي سبتمبر عام 1717م سلموا رسالة لوالده بطرس ، فاستهزأ بها لـ “عصيانه” لكنه وعد أمام الله ألا يعاقبه طالما عاد إلى روسيا ، وقبل هروبه حذره أحد المقربين قائلًا : تذكر إذا أرسل والدك شخصًا ما لإقناعك بالعودة ، فلا تفعل ذلك وإلا سوف يقطع رأسك علنًا ​​، ولكن تجاهل ألكسي هذه النصيحة الهامة وعاد على مضض إلى روسيا في أوائل 1718م  .

وسقط على ركبتيه أمام بطرس وتوسل للمغفرة ، كجزء من المشهد العام الذي حُرم فيه من الملك ، وطالب بطرس بعد ذلك بأن يطلق ألكسي على شركائه ، الأمر الذي أدى إلى تعذيب العشرات من مساعدي ألكسي ، وتم إعدام عدد قليل منهم في حين تم إعدام الآخرين أو سجنهم ، حتى أن بطرس اتخذ إجراءات ضد زوجته السابقة ووالدة ألكسي إيودوكسيا ، وحصرها في دير ثان أكثر بعدًا ، وقام بتعذيب حبيبها بوحشية حتى الموت .

وفي هذه المرحلة كان يبدو أن ألكسي لا يزال يأمل في حياة هادئة مع أفروسينا في الريف ، ولكن حتى انتهى هذا الأمر بشهادتها ضده ، وبعد ذلك تم سجن ألكسي وتقديمه للمحاكمة ، وتعذيبه فكما تقول معظم المصادر أنه تعرض للجلد 25 مرة في 19 يونيو 1718م ، وأنه عندما بدأ التعذيب مرة أخرى بعد خمسة أيام ، اعترف بالتآمر لموت والده وبعدها مات ألكسي متأثرًا بجراحه .

وعند البحث من خلال الأرشيف في بلدان متعددة ، رأى بوشكوفيتش أن ألكسي تآمر على الأقل إلى حد ما ضد بطرس الأول ، فكما يقول بوشكوفيتش : “كان هناك نوع من التفاهم مع النمساويين لدرجة أن ألكسي قد يكون قادرًا على قيادة نوع من الثورة ضده ، وقد حاول السويديون بالمثل تجنيد ألكسي ، لكن هذه الخطط لم تنطلق أبدًا .

وما هو أكثر من ذلك أن بوشكوفيتش لم يجد أي علامة على أن معارضي بطرس في روسيا كانوا متورطين في ذلك ، ويقول بوشكوفيتش: كان هناك الكثير من الناس الذين كانوا يأملون أن يحدث هذا ، لكنهم لم ينظموا أي شيء ، وعلى أية حال حتى من خلال المعايير الدموية في نزاعات العائلة المالكة ، فإن قسوة بطرس تبرز على أنها فريدة من نوعها ، فكما يقول دالي : على حد علمي لم يكن هناك أي ملوك أوروبيين آخرين أشرفوا على تعذيب أطفالهم .

By Lars