وافد المحرق هو: وافد البراجم واسمه عمار بن صخر التميمي ، ثم البرجمي ، والبراجم خمسة من أولاد حنظلة ، بن زيد مناة بن تميم ، وهو قيس وكلفة وظليم وغالب وعمرو ، وسموا البراجم لتبرجهم ،أي : تجمعهم فشبهوا ببراجم الكف ، والمحرق باسم الفاعل هو عمرو بن هند الخمي ، وهو المراد هنا .
الثلاثة المحرقون ملوك العرب :
والمحرقون من ملوك العرب ثلاثة : الحارث بن عمرو الغساني وهو أول من حرق من ملوك العرب ، فقد حرق العرب في ديارهم فهم يدعون آل محرق ، وإياهم عنى حسان ، رضي الله عنه ، بقوله :.. ولدنا بني العنقاء وابن المحرق .. فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما ..
المحرق الثاني :
والثاني امرؤ القيس بن عمر اللخمي جد عمرو بن هند ، وهو المراد بقول الأسود بن يعفر : ماذا أؤمل بعد آل محرق .. تركوا منازلهم وبعد إباد .. وقول النابغة الجعدي ، رضيّ الله عنه : نداماي عند المنذر بن محرق .. أري اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا ..
المحرق الثالث:
والثالث عمرو بن هند هذا ، وهند أمه وهو ابن المنذر بن ماء السماء ، وماء السماء أيضا اسم أم المنذر ، فهند أم عمرو هي بنت الحارث بن عمرو المقصور بن حجرآكل المرار الكندي ، وماء السماء أم المنذر بن أمريء القيس بن عمرو بن أمريء القيس بن عمرو بن عدي بن نصر اللخمي ، وقيل في نسبة غير هذا ، وكان عمرو بن هند هذا يقال له مضطر الحجارة لقساوته وشدة بأسه .
سر التسمية :
وسمي محرقًا لأنه حرق مائة من بني تميم ، وقيل سمي به لغير ذلك ، وكان من خبر تحريقه لبني تميم أنه كان عاقد طيئا أن لا ينازعوه ولا يفاخروه ولا يغزوه ولا يغزونهم ، ثم انه غزا اليمامة فمر في رجوعه بطيء ، فقال له زرارة بن عدس الدرامي والد حاجب صاحب القوس : أبيت اللعن أصب من هذا الحي شيئًا.
قال له : ويلك إن لهم عقدًا ، قال : وإن كان ، فلم يزل به حتى أصاب نسوة وأذوادًا ، فقال في ذلك عارق الطائي وهو قيس بن جروة : ألا حي قبل البين من أنت عاشقه .. ومن أنت مشتاق إليه وشائقه ..
إلى أن قال :
فهبك ابن هند لم تعقك أمانة .. وما المرء إلا عقدة ومواثقة ..
فأقسمت جهرًا بالمنازل من منى .. وما خّب في بطحائهن درادقة ..
لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم .. لأنتحين العظم ذو أنا عارقه ..
غضب وتوعد وحلفان بالقتل :
فلما بلغه شعره غضب وتوعده وحلف ليقتلنه بلغ ذلك ، عارقًا فقال أبيات يقول فيها :
أيوعدني والرمل بيني وبينه .. تبين رويدًا ما أمامة من هند ..
غدرت بعهد كنت أنت احتذيتنا .. عليه وشر الشتيمة الغدر بالعهد ..
ولما بلغ عمرو بن هند شعره هذا غزا طيئًا وأسر أسرى من بني عدي بن أخزم رهط حاتم الطائي الجواد فوفد عليه وأطلقهم له .
الغلام والقتل بغير عمد :
وكان المنذر بن ماء السماء قد أرضع ابنًا له في تميم اسمه مالك وقيل اسمه أسعد ، عند زرارة بن عدس ، فشب فيهم وخرج ذات يوم للصيد فأخفق ، ولم يصب شيئًا فمر بإبل سويد بن ربيعة من بني درام وهو زوج ابنة زرارة بن عدس ، ولدت له تسعة أولاد ذكور ، فأمر أسعد بن المنذر بناقة من إبل سويد فنحرت ، وأكل من شوائها ، وسويد نائم فلما انتبه شد على الغلام فضربه بعصى على رأسه فقتله ، وشرد سويد ولحق بمكة ، فحالف بني نوفل بن عبد مناف بن قصي ، وكان طيء تطلب عثرات زرارة بن عدس وبني أبيه ، فلما بلغهم ما فعلوا بأخي الملك قال عمرو بن ثعلبه الطائي :
من مبلغ عمرا بأنّ .. المرء لم يخلق صبارة ..
.. وحوادث الأيام لا .. يبقى لها إلا الحجارة ..
.. ها أن عجزة أمه .. بالسفح أسفل من أوارة ..
.. تسقي الرياح خلال كشــ ..ــــحيه وقد سلبوا إزاره ..
.. فاقتل زرارة لا أرى .. في القوم أوفى من زراره ..
تحريض بقتل الأخ لأخيه :
ومعنى الأبيات تحريض عمروبن هند على قتله أخيه ، يقول له : إنك لم تخلق حجرًا حتى لا تؤثر فيك الحوادث فخذ بثأر أخيك آخر ولد ولدته أمك ، والعجزة بكسر العين وقد تضم آخر ولد الرجل .
بكاء وقتل :
فلما بلغ الشعر عمرو بن هند بكى حتى فاضت عيناه ، وبلغ الخبر زرارة ففر وركب عمروبن هند في طلبه فلم يقدر عليه ، فأخذ امرأته وهي حبلى ، فقال : أذكر في بطنك أم أنثى ؟ قالت : لا علم لي بذلك ، قال : ما فعل زرارة الغادر الفاجر؟ فقالت : إن كان ما علمت الطيب العرق ، السمين المرق ، يأكل ما وجد ، ولا يسأل عما فقد ، لاينام ليلة يخاف ، ولا يشبع ليلة يضاف ، فبقرها وذهب .
وافد المحرق :
ثم إن قوم زراره قالوا له : والله ما قتلت أخا الملك ، ولا يضرك أن تأتيه وتصدقه الخبر ، ففعل فقال : جئني بسويد ، فقال له : قد لحق بمكة ، قال على ببنيه التسعة وأمهم بنت زرارة ، فأتاه بهم فقتلهم جميعًا وزرارة ينظر ، ثم إن عمرو بن هند أقسم ليحرقن مائة من بني دارم ، فخرج يريديهم وجعل على مقدمته عمرو بن ثعلبة الطائي صاحب الشعر المتقدم .
فوجدوا القوم قد نذروا بهم ، فأخذوا منهم ثمانية وتسعين رجلاً بأسفل أوارة من ناحية البحرين ، فضربت للملك قبة بهذا الموضع وأمر بأخدود فخدت وأوقدت فيها النار ، فلما تلظت قذف بهم فيها فاحترقوا .
الحمراء بنت ضمرة :
ومر رجل منهم فاشتم رائحة القتار ، فظن أن الملك قد اتخذ طعامًا ، وكان شاغبًا فعرج على النار مع المساء ، وجاء يوضع به بعيره حتى أناخ أمام قبة الملك ، فقال : ما جاء بك ؟ .. قال : الطعام فلم أذق طعامًا منذ ثلاثة أيام .
قال : ممن أنت ؟ قال : من البراجم ، قال : عمرو بن هند : إن الشقي وافد البراجم ، فأرسلها مثلاً وأمر به فقذف في النار وأقام عمرو لا يرى أحدًا فقيل له أبيت اللعن لو تحللت بامرأة منهم فقد حرقت تسعة وتسعين رجلاً ، فدعا بامرأة منهم من بني حنظلة ، فقال : من أنت ؟ قالت : أنا الحمراء بنت ضمرة بن جابر وأنشدت : .. إني لبنت ضمرة بن جابر .. ساد معدًا كابرًا عن كابر ..
ذكر الشعراء للقصة في أشعارهم :
فقال عمرو : أما والله لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفتك عن النار ، قالت: أما والذي أسأل أن يضع وسادك ، ويخفض عمادك ، ما قتلت إلا نساء أعلاهن ثدى وأسفلهم حلى ، فقذفوها في النار ، وقد ذكرت الشعراء هذه القصة في أشعارها ، من ذلك قول الأعشى :
.. وتكون في الشرف الموا .. زي منقرا وبني زرارة .. أبناء قوم قتلوا .. يوم القصيبة من أوارة ..