إني خيرتك فاختاري مابين الموت على صدري *** أو بين دفاتر أشعاري اختاري الحب أو اللاحب فجبن ألا تختاري ، من أروع الكلمات التي كتبها الشاعر الرائع نزار قباني وتغنى بها الفنان المبدع كاظم الساهر .
من هنا نبدأ حكاية الشاعر الكبير الذي ملأ الدنيا بقصائده عن الحب وتغزل بالمرأة ، وكتب عنها ما لم يكتبه غيره من الشعراء وغنا له كبار المغنيين بالعالم العربي ، حتى أصبحت أشعاره في المرأة عالمًا خاصًا من الرومانسية والحب ، عندما تقرئها أو تسمعها تشعر وكأنك تسبح في بحر من الحب النابع من مشاعر هذا الشاعر العبقري .
وللمرأة قصة كبيرة مع الشاعر المبدع نزار قباني الذي ولد عام 1923م بمدينة دمشق السورية ، حيث كان عمه شاعرًا أيضًا يسمي بأبو خليل القباني وكان أبوه أيضًا محبًا للشعر ، وكان نزار منذ صغره موهوب بالفطرة فقد برع في فن الرسم حتى سن 12 عامًا ، وانتقل حبه للموسيقي بعد ذلك إلى جانب حبه للشعر إلا أن الشعر سيطر عليه كليًا .
حيث ترك العمل بالسلك الدبلوماسي بعد أن تخرج من كلية الحقوق وعمل به ، واصدر أول ديوان شعري له عام 1944م بعنوان : ( قالت لي السمراء) ، واستمرت دواوين الشاعر الكبير تتوالى بعد ذلك ، وكان كل ديوان بها ينصف المرأة ويدافع عنها بعنفوان حبه الجارف للمرأة حتى سمي (بشاعر المرأة ) .
ويقال أن سبب دفاعه وحبه للمرأة بهذا الشكل هو حادث وقع في أسرته وأثر في حياته كلها ، وهو حادث انتحار أخته الكبرى وصال وبالرغم من إخفائه لقصة أخته حيث أخبر الجميع أنها ماتت بسبب داء في القلب ، إلا أنه كتب في مذكراته الخاصة تلك المقولة التي كشفت السر الدفين بحياة نزار قباني :
تلك صورة أختي وهي تموت من أجل الحب ، محفورة في لحمي ولا زلت أذكر وجهها الملائكي وابتسامتها الرقيقة وهي تموت ، ويقول نزار قباني عن هذا الحادث أيضًا : وأنا في الخامسة عشرة من عمري كان هذا الحادث المروع الذي جعلني أتدفق في مشاعر الحب بكل طاقتي ، وهناك قصتان لتلك الحادثة الأليمة التي وقعت لأخت نزار قباني الرواية الأولي لنزار نفسه :
وهي أن أخته وصال كانت على علاقة عاطفية بشاب ، وكان هذا الشاب يريد أن يتزوج بها ولكن العائلة لم توافق على هذا الشاب ، لأنه لم يكن على مستوى العائلة الاجتماعي ، وحاولت العائلة أن تجبرها على الزواج من رجل أخر من نفس المستوى الاجتماعي وهذا جعل وصال تقدم على الانتحار يأسًا من ضياع حبها وبالفعل ضحت بنفسها من أجل حبها وكان هذا في عام 1938م .
الرواية الثانية للكاتبة السورية كوليت خوري التي كانت تجمعها علاقة عاطفية بنزار قباني ، وقد أخبرت الجميع أن رواية نزار ليست حقيقية ولكن الحقيقة هي أن وصال أخت نزار أقدمت على الانتحار ، لأن الشاب الذي أحبته تركها وتزوج من فتاة أخرى وليس بسبب عدم موافقة أهلها على الزواج منه ، وقالت كوليت أنها تعرف هذا الشاب الذي تزوج من فتاة أخرى .
ومن المصادفات العجيبة والغريبة أن إحدى بنات هذا الشاب أحبت شابًا هي الأخرى لكنه هجرها وتزوج من غيرها ، فانتحرت لتكرر نفس مأساة وصال قباني مع أبيها ، وسواء كانت إحدى هذه القصص حقيقية أو لا فالحقيقة أنها بالفعل انتحرت ، وأن هذا ترك جرحًا غائرًا ظهر في أشعار الشاعر الكبير ، حيث كان يقول في إحدى لقاءاته : ربما تكون كتاباتي تعويضًا لما حرمت منه أختي من حب .
ولم تكتفي معاناة نزار مع المرأة عند هذا الحد فقد عانى من محنة أخرى ، وهي موت زوجته بلقيس التي أحبها بجنون ، تلك الزوجة التي ظل يطاردها 7 سنوات إلى أن تزوجها ، وعاشا معًا حياة جميلة إلى أن توفيت في حادث تفجير سفارة العراق ببيروت عام 1981م ، وقد رثا زوجته بكلمات حفرها التاريخ كان يقول فيها :
سأقول في التحقيق **** كيف أميرتي اغتصبت
وكيف تقاسموا فيروز عينيها *** وخاتم عرسها
وأقول كيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب
سأقول في التحقيق *** كيف سطوا علي آيات مصحفها الشريف ***وأضرموا فيه اللهب
سأقول كيف استنزفوا دمها ***وكيف استملكوا فمها *** فما تركوا به وردًا ولا تركوا عنب
وهكذا استطاع نزار أن يسطر مأساته ببراعة أدبية منقطعة النظير ، وحفر لنفسه مكانًا في نفوس القراء لم يصل له أحد بعد ، فشعر نزار قباني يبحر بنا دائمًا إلى عالم جميل من الرومانسية المفرطة التي لا تنتهي مع مرور الزمن .