يعد التراث الثقافي لبلداننا العربية ، من أرقى التراث عامة ، ويختلف فيما بيننا من دولة إلى أخرى ، تلك القصص التي ترويها الجدات للأحفاد ، في جلسة طيبة بينما تطعمهم من خير البيت كله ، وقصة البقرة الصفراء ، هي قصة جميلة من الفلكلور والتراث الكردي .
في قديم الزمان ، كان هناك رجلاً متزوجًا من سيدتين ، وأنجب من كلتاهما فتاتين ، وشاء القدر أن تنجبا في نفس الوقت ، فقامت الزوجة الأولى بتسمية طفلتها فاطمة ، وأطلقت عليها فاتو ، بينما سمت الزوجة الثانية طفلتها عائشة ، وأطلقت عليها عيشو ، لتنشأ الطفلتين في منزل واحد .
مرت الأيام وللأسف ، توفيت والدة فاتو لتتركها وحيدة ، تعيش برفقة زوجة أبيها ، التي تفضل ابنتها عنها في كل شيء بالطبع ، فكانت تمنح فاتو الأعمال المنزلية لشاقة كلها ، بينما تترك لعيشو المهام البسيطة والسهلة.
كذلك كانت ترسل أم عيشو الفتاتين ، إلى الحقل لرعي لحيوانات ، فكانت تضع لابنتها كل ما لذ وطاب من الطعام ، وتعطيها بكرة من الصوف ، صغيرة الحجم لتسليها أثناء مكوثها خارج المنزل ، بينما كانت تضع لفاتو بعض الخبز اليابس ، والبصل وتعطيها بكرة كبيرة من الصوف ، وتطلب منها أن تغزلها قبل العودة إلى المنزل .
وبالطبع بمرور الوقت ، بدأت عيشو تتورد كالزهور ، وتزداد جمالاً وبريقًا ، نتيجة الراحة بينما كانت المسكينة فاتو ، تفقد جمالها ورونقها من شدة الإرهاق والإجهاد ، وكانت فاتو تملك بقرة صفراء ، كانت ملكًا لوالدتها قبل وفاتها ، وكانت تحب فاتو كثيرًا ، فعندما تأتي المسكينة فاتو ، تقوم البقرة بضغط الحيوانات وحراستهم والعمل على راحة فاتو ، بينما عندما كان يأتي دور عيشو ، كانت البقرة تضرب الحيوانات وتجعلهم في حالة هروب ، وهياج دائم حتى لا تتذوق طعم الراحة.
كان بالقرية عجوز يملأ شعرها القمل ، وكانت عندما تمر بها فتيات القرية ، تطلب منهن أن يقمن بقتل القمل ، ولكنها كانت عندما تطلب ذلك من عيشو ، كانت الأخيرة ترفض القيام بتلك المهمة ، وتهين العجوز وتطردها ، بينما كانت تذهب لفاتو فترحب بها الفتاة في خجل ، وتقل لها تفضلي يا جدة ، فتنام العجوز على ساقيها ، وتدع لأمها بالرحمة.
بالطبع لاحظت العجوز اختلاف رد الفعل بين الفتاتين ، فقابلت عيشو في نهار أحد الأيام ، وقالت لها يا فتاة ، سوف تقابلين نبعان يتقاتلان ، أحدهما أبيض والآخر أسود ، اغتسلي بالأسود ولا تقتربي من الأبيض ، وسوف تزدادين دلالاً .
بينما قابلت العجوز فاتو ، وطلبت منها نفس الطلب بأن تخلصها من قملها ، فأتاها الجواب بالقبول ، فتمعنت في الفتاة ، وقالت لها سوف تقابلين نبعان يتقاتلان ، اغتسلي بالأبيض ولا تقتربي من الأسود ، وسوف تزدادين جمالاً ودلالاً .
وفي المساء كانت فاتو عائدة إلى المنزل ، فوجدت ما قالته العجوز فتركت الماء الأسود ، واغتسلت بالأبيض ومنذ ذلك الحين ، صارت جميلة وذات قوام أخاذ ، بينما وجدت عيشو ما أخبرتها به العجوز ، فتخطت الماء الأبيض ، واغتسلت بالأسود ، ومنذ ذلك الحين بدأت في الذبول ، ولاحظت أمها ذلك ، ولكن الفتاة أخبرتها أن البقرة تضرب الحيوانات ، فلا تستطيع عيشو أن ترتاح .
فكرت والدة عيشو وذهبت لوالدها ، وقالت له منذ أن ماتت أم فاتو ونحن لم نذبح شيئًا لروحها ، فأجاباها لديك كل الحق ، فلنذبح بعض الخراف إذًا ونوزعها ، على أهل القرية ، ولكن لحقته أم عيشو وأخبرته فلنذبح البقرة الصفراء ، فقد كانت الأحب إلى قلبها ، فاقتنع الوالد وقرر ذبح البقرة في اليوم التالي .
سمعت فاتو ما حدث ، وظلت تبكي طوال الليل ، وذهبت إلى بقرتها الصفراء وتحدثت إليها ، فأخبرتها البقرة سوف يكون لحمي علقمًا لهم ، ولكنني سوف أكون طيبة لك ، فكلي مني ما شئت ، ولا تنسي أن تضعي عظامي في حفرة في الغابة ، وانتظري بضعة أيام ، وانظري داخل الحفرة .
ذُبحت البقرة ولكن كان طعم لحمها مر ، ولاحظت أم عيشو أن فاتو تأكل بنهم شديد ، فقالت تلك الفتاة لا تعرف طعم الطعام الطيب ، جمعت فاتو العظام ووضعتها في الحفرة ، ثم أتت بعد بضعة أيام لتجد داخل الحفرة ، كنوزًا من مجوهرات ثمينة ، والذهب والفضة والألماس ، فخشيت عليهم وتركتهم داخل الحفرة كما هم .
عقب مرور بضعة أيام ، أعلن ابن الأغا (كبير القرية) الأصغر أنه سوف يتزوج ، ولذلك بدأت فتيات القرية يتجهزن من أجل لقائه ، فقامت زوجة أبيها ، بمنح عيشو أثمن وأجمل الثياب ، بينما طلبت من فاتو ألا تخرج في هذا اليوم ، وتجلس للقيام بالأعمال المنزلية .
أنهت فاتو أعمال المنزل سريعًا ، ثم نهضت وارتدت أجمل ثيابها ، وارتدت بضعة مجوهرات ثمينة من حفرتها ، فبدت كسندريللا وذهبت إلى الحفل ، وهناك حاولت فاتو ألا تصطدم بزوجة أبيها وعيشو ، ولكن الأخيرة رأتها وقاتلت لأمها فاتو هنا بالحفل ، فنظرت أمها ولكنها قالت هذه ليست هي ، فاتو نحيلة وليست بكل هذا القدر من الجمال الفاتن ، فاعترضت عيشو ولكنها اضطرت للصمت أمام كلمات أمها.
لاحظت فاتو ما بدا على عيشو من ارتباك ، وملاحقتها لها بنظراتها ، فخشيت من زوجة أبيها أن تعاقبها ، فخرجت تركض من الحفل وهي مرتعبة ، وتنظر خلفها كل لحظة حتى تطمئن ، أنها ابتعدت عن زوجة أبيها ، وأثناء ركضها بتلك الطريقة ، كان ابن الأغا الأصغر يتجول بالقرية ، فاصطدما ببعضهما ، ونظر ابن الأغا إلى حسنها ، ولكنها ارتبكت وأكملت ركضها نحو المنزل .
كان ابن الأغا قد هام بفاتو عشقًا ، منذ أن وقعت عليها عينيه ، وتحدث إلى أمه أنه يجب أن يعثرا عليها ، وإن تطلب الأمر أن يبحث في كل منازل القرية ، وبالفعل قام ابن الأغا بما فكر ، وكان آخر منزل بالقرية هو منزل فاتو .
دخل ابن الأغا إلى المنزل وهو يمني نفسه برؤيتها ، وظلت زوجة أبيها تقول له ، ابنتي عيشو جميلة ولن تجد في مثل جمالها ، ولكن ابن الأغا بعد أن رآها أبلغها أنها ليست هي من يبحث عنها ، وأصر على رؤية الفتاة الثانية التي تعيش بالمنزل ، فقالت زوجة الأب أنها نحيلة وبغيضة ، فأصر ابن الأغا على رؤيتها ، وما أن وقعت عيناه عليها حتى عرض عليها الزواج ، ووافقت فاتو بخجل جم ، وبدأ ابن الأغا يتجهز للزواج في اليوم التالي.
في يوم العرس قامت زوجة الأب بوضع فاتو داخل غرفة حقيرة ، وألبست ابنتها عيشو ثياب العرس ، ووضعتها داخل الهودج ، وكلن الديك صاح أن فاتو في الحفرة وعيشو في الهودج ، امتقع وجه الأم الكاذبة والمخادعة ، فانتبه لحضور لما يقوله الديك ، فتوقف الغناء وسألوه عن مقصده ، فروى لهما قصة فاتو وعيشو كاملة ، وبالفعل ذهب الجميع وأخرجوا فاتو من محبسها ، وألبسوها لباس العروس ، وعادت عيشو وأمها إلى المنزل تجران أذيال الخيبة .