تعد معلقة عمرو بن كلثوم واحدة من أشهر خمس معلقات في الأدب الجاهلي ، ورغم كبر حجمها تناقلها العرب على ألسنتهم حتى وردت إلينا ، والمعلقة تتكون من مائة بيت عربي فصيح قالها الشاعر في حضرة عمر بن هند ملك الحيرة إثر خلاف وقع بينهم .

من هو عمرو بن كلثوم :
هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ، وأمه هي  ليلى بنت المهلهل المعروف بالزير سالم ، وهو شاعر وفارس له شأن كبير ، أما أبوه كلثوم بن وائل فكان من سادات قومه في قبيلة تغلب ، وكانت قبيلته من أقوى القبائل العربية في ذلك الوقت .

ولد عمرو بن كلثوم في شمال الجزيرة العربية في بلاد ربيعة 525 ميلادية ، وعاصر عمرو بن هند (554م-570م) وأيضًا النعمان بن المنذر 580م-602 م، ويُحكى أنه ساد قومه وهو في الخامسة عشر من عمره حيث تحلى بصفات بنو تغلب كالفروسية والخطابة والشجاعة ، كلها صفات أهلته لتولي زمام الأمور في قومه .

قصة المعلقة :
أما عن قصة المعلقة  التي أنشدها عمرو بن كلثوم فتعود لما فعله معه عمرو بن هند ملك الحيرة ، حيث كان يضرم الحقد بدخله على عمرو بن كلثوم لما رأه فيه من تباه وفخر وشموخ ، وذات يوم بينما كان يتواجد عمرو بن هند في مجلسه ألقى على حاشيته سؤالاً غريبًا .

حيث قال لهم : أخبروني يا رجالي الأوفياء .. هل يوجد في هذا الكون من هو أعز مقاماً وأشد أنفة ، وأعظم قدراً مني ؟ تفاجأ الحضور من غرابة السؤال ، ولكن لخوفهم من بطش الملك المغرور كانت الإجابات تحمل في طياتها بعض النفاق حيث قال جمع منهم : لا أيها الملك العظيم ، لم نََرَ ولم نسمع عن ملك أعز منك شأناً وأعظم قدراً .

فغير الملك سؤاله لسؤال أخر : هل تعلمون أو تتخيلون أن أحداً من العرب ـ أينما كان ومهما بلغ شأنه ـ تأنف أمه من خدمَة أمي ؟ ثم استدرك طالبًا من حضوره إجابة صادقة وعدهم أنه لن يضر صاحبها .

وكان من بين الحضور رجلاً شجاعًا وجريئًا معروف بين الناس بصدق حديثه وثقة مصادره ، وقف في حضرة الملك وقال : نعم أيها الملك العظيم نعرف من تأنف أمه أن تخدم صَاحَبة الفضيلة والعزة أمكم ، فصَاح الملك عمرو بن هند، والشرر يتطاير من عينيه ومن هو ذا ؟

فقال الرجل : عمرو بن كلثوم أيها الملك العظيم ، فتغير وجه الملك حين سمع اسمه فقد كان يعرفه جيدًا ورآه في خلاف وقع بين بنو بكر وقبيلة تغلب ، حيث ألقى عمرو يومها جزءًا من معلقته وهو يفتخر على خصومه دون أن يعير لوجود الملك أي وزن ، وذلك ما جعل الملك يومها يحكم لبنو بكر وينصرهم على التغلبيين .

وبعدها سأل عمرو بن هند الرجل قائلاً : لماذا تعتقد أن أم هذا الشاعر تأنف من خدمة أمي ؟ فقال الرجل : لأن أباها مهلهل بن ربيعة شاعر وفارس لا يشق له غبار ، وعمها كليب وائل أعز العرب وفخرهم ، أما بعلها فهو كلثوم بن مالك أفرس العرب ، وابنها هو عمرو بن كلثوم سيد قومه وفارسهم المغوار .

بعد انتهاء المجلس اختمرت في ذهن عمرو بن هند فكرة غريبة وهي دعوة عمرو بن كلثوم وأمه ليلى بن المهلهل لوليمة في قصره مدعيًا أن أمه تحب بنت المهلل وتود إكرامها ، وكان بينهما صلة قرابة من بعيد فكلتاهما كانت تقرب لامرئ القيس .

قبل عمرو بن كلثوم دعوة الملك عمرو ورحل في موكب من الخدم والحشم مع أمه ليلى بنت المهلهل ومعهما ثلة من فرسان القوم الأشداء ، فهكذا يسافر أسياد القوم قديمًا ، وكان عمرو بن هند قد وضع خطة لإذلال بنت المهلهل ونجلها بن كلثوم ، حيث طلب من أمه أن تأمر الخدم بالانصراف ، وتجعل ليلى أم عمرو بن كلثوم هي من تقوم بالخدمة ، حيث طلبت منها أثناء جلوسهما على الطعام أن تناولها الطبق الذي أمامها .

وبنت المهلهل لم تعتد على ذلك فقد كان لديها من الخدم والحشم ما يفعل لها هذا ، فلم تفعل ما طلبته هند ولما أصرت عليها صاحت ليلى : وأذلاه .. يا لتغلب ، فسمع صوتها ولدها عمرو الذي ثارت حفيظته ووثب إلى سيف معلق بالرواق فضرب به رأس عمرو بن هند وهو ينشد معلقته التي اعتبرها النقاد من أفضل المعلقات وقالوا عنها : لو وُضعت أشعار العرب في كفة وقصيدة عمرو بن كلثوم في كفة لمالت بأكثرها .

By Lars