لقد كان لنظم الشعر والبوح به مكانة كبيرة عند العرب ، لأنهم أهله لغة وثقافة وكان الشاعر فيهم له وزنًا ومكانةً كبيرة خاصة في بلاط الأمراء والملوك ، فبكلمة واحدة كان الشاعر يملك المال والسطوة ، وبكلمة أخرى كان يصير منبوذًا طريدًا خارج البلاط .

والفرزدق من الشعراء المشهود لهم في عصره ، فقد كتب شعره في المدح والهجاء على حدٍ سواء ولكنه يعد أحد الشعراء الذين اشتهروا أكثر بالهجاء ، فقد كان يتبارى مع جرير والأخطل في نظم الشعر والتفاخر بنسبه وقومه وصفاته ، فكان كل شاعر منهم يأتي بأبيات على نفس الوزن والقافية ويهجو فيها الأخر متفاخرًا بنفسه ومستعرضًا بلاغته وشعره .

وكان شعر الفرزدق يتصف بفخامة الكلمات وقوة الألفاظ ، لذا اعتبره المؤرخون أفخر شعراء العرب لأنه كان ذو نسب رفيع يمت لسادات القبائل بصلة كبيرة ، وكان لديه اعتزاز كبير بالنفس جليًا في كل قصائده وأبياته .

من هو الشاعر الملقب بالفرزدق ؟
نظم هذه الأبيات الشاعر الأموي همام بن غالب بن صعصه الذي كان يكنى بأبي فراس ولقب بالفرزدق لضخامة وجهه وتهجمه ، والفرزدق هو العجين الذي يسوى منه الخبز ، ولد الفرزدق بالبصرة عام 641م وكان أبوه من سادات العرب في الجاهلية ، فقد كان سيد بني تميم ، أما أمه فهي ليلى بنت حابس أخت الصحابي الجليل الأقرع بن حابس الذي كان له شأن كبير آنذاك .

ولد الفرزدق بالبادية فنهل من صفات أهلها قوة الشكيمة ، وحدة الطباع والشرف والعزة الممزوجة بالتعالي ، والبلاغة في البيان وحسن اللفظ وقوة المعاني الأمر الذي ساعده على العيش متنقلًا بين الخلفاء الأمراء يمدح بعضهم ويذم البعض الأخر.

كان الفرزدق شديد الوله بحب آل بيت رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان دائمًا يجاهر بحبه من خلال القصائد التي ينظمها فيهم رضوان الله عليهم أجمعين ، ولعل أبياته في مدح علي بن الحسين هي خير مثال على ذلك ، والتي بسببها غضب عليه هشام بن عبد الملك وأمر بتحديد إقامته بين مكة والمدينة فهجاه قائلاً :

أتحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأساً لم يكن رأس سيّدٍ * وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها .

قصة ومناسبة إلقاء البيت :
أثناء حكم عبد الملك بن مروان خرج ابنه هشام للحج وطاف بالبيت ، ثم حاول جاهدًا أن يصل إلى الحجر الأسود لكي يقبله فلم يستطع بسبب التزاحم الشديد حول الكعبة ، فنصب لنفسه مجلسًا ومكث عليه مع جماعة من أعيان الشام وهو ينظر إلى جموع الناس المتزاحمة .

وبينما هو كذلك أقبل على البيت الحرام رجل من آل بيت رسول الله وهو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فطاف بالكعبة ولما انتهى تنحى له جموع الناس لكي يصل للحجر ويستلمه بيديه ، فتعجب الجلوس مع هشام بن عبد الملك وسأله أحدهم قائلًا : من هذا الرجل الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟

فقال هشام : لا أعرفه وكان الفرزدق حينها حاضرًا فقال أنا أعرفه ، ثم استطرد وأنشد تلك الأبيات التي أغضبت هشام بن عبد الملك وبسببها أمر بحبسه بين مكة والمدينة ، وتقول الأبيات :

هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ * وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ * هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ * بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه * العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ

By Lars