كانت فكرة التخلص منه جديدة عليّ تمامًا ، فطوال سنينه معي كنت أتلذذ برؤيته ، أطرب لسماع صهيله الأنيق ، أسعد لحظات حياتي قضيتها معتليًا صهوته المكتنزة ، ممسكًا بشعره الأسود الطويل ، وهو يعدو حتى لا تكاد تميز ساقيه الأماميتين من ساقيه الخلفيتين ، وحيث لا شيء سوى حفيف الريح ، في لأذن وهمهماته المتقطعة ، الحق قول : كان حصانا ولا كل الأحصنة .
حصان حرب حقيقي :
أتساءل دومًا في نفسي : أعشق هذا الرابض في قاع النفس أم كومة نار؟ ألهذا الحد أهون ؟ أي مرار ! أي دمار ! أظل أكابد اخفاقات الأحلام المنسية وهذا المعشوق المخلوق يسلبني حتى أبسط أحلامي ؟ وآه من أحلامي ، فلطالما حلمت طوال رفقتي معه أن يسير الخبخب ولو لمرة واحدة في حياته ، مرة واحدة من أجلي ، طلبت منه ذلك وألححت بإصرار ، لكنه كان يرفض ، كان يري أن هذه مشية العشاق وهو حصان حرب حقيقي ، لا يجدر به أن يفعل ذلك .
خوض المعارك :
كان ينتشي لرؤيتي بملابس الحرب شاهرا سيفي المقوس الطويل ، وقد تدلى الدرع من يدي الشمال إلى الأرض ، فيروح ويصهل ويهمهم هازا رأسه إلى أعلى وإلى أسفل ، ضاربًا الأرض بقدمه اليسرى حتى لشككت أكثر من مرة بأنه يكرهني ، وإلا لما يدفعني لخوض المعارك والغزوات ومبارزة الصناديد العتاة ؟
الحب والكره :
أليس لأنه يريد لي الهلاك ؟ فإن كان يحبني كما يصور لي أفلا تبدو مفارقة أن يمتزج الحب والكره ، حتى لا يعود في مقدوره التمييز ؟ أن يكرهني لدرجة الحب ، أو يحبني لدرجة الكره مثلا ؟ ولكن أليس الحب والكره على طرفي نقيض في مفهومنا كبشر ؟ وهل تختلف المعادلة في مفهومه لأنه ليس من جنس البشر ؟ كنت كلما جرحت في غزوة من الغزوات ينكب على جرحي يلعق الدماء التي تتفجر حتى لا يكاد لا يدع قطرة منها تسيل ، كان في منظر فمه يبدو قبيحًا مقززًا ، الحق الحق أقول : أنه كان حصانًا عصيا على الفهم حتى أني لم أدرك كنهه حتى هذه اللحظة .
طريق اللاعودة :
حتى عقدت العزم وأسرجته للريح ، كانت عيناه السوداوان الواسعتان ترمقاني بأسي ، حتى تساءلت في داخلي : ترى هل كشف سري ؟ ولكن كيف وأنا لم أنبس ببنت شفة ؟ وفي محاولة مني لطمأنته ربت على رقبته بلطف فأشاح رأسه إلى الاتجاه الآخر ..
أسمعته كلمات الحب الرقيقة كعهدي به ولكنه هز رأسه يمينا ويسارًا غير آبه ، والحقيقة أنني كنت أسيطر ، على الموقف تمامًا ، ومن المؤكد أنه لم يكن يملك الدليل على ما أضمره له بالفعل سوى احساسه بأنه في طريق اللاعودة هذه المرة ، ومادام لا يملك الدليل فهو متأرجح بين الشك واليقين ، فلأدعه هكذا ، فقد يوبخ نفسه على أفكاره السوداء وهواجسه الشيطانية تلك حتى يأتيه اليقين ، والحقيقة أن اليقين لم يأته قط ، كنت واهماً تمامًا ولم أدر حتى الآن كيف تسللت اليه نواياي هذه ، فطوال وجودنا في البرية كانت حركاته تدل على نزق وطيش .
اتجاه وادي الأفاعي :
حتى أنني لم أره في مثل هذه العصبية طوال سنيني معه ، كان يطول الأرض يدكها بحوافره دكا حتى لتكاد تسمع لصداها رنينا ، وفي لحظة رعب حقيقي أدركت أنه يصارع نفسه تحت شمس الصحراء الملتهبة ، والعرق يتصبب من جلده البني المائل للحمرة ، وفجأة خرج من الطريق واستدار نحو تلال الظلمة ودار هناك دورتين كاملتين ، ثم راح يعدو باتجاه وادي الأفاعي .
شربة ماء أخيرة :
كان النهار قد قارب الانتصاف حيم توقف عند السن الصخري ، ترجلت مددت يدي إلى السرج ، فككته وأنزلته من على ظهره ، تناولت قربه الماء وسلكت طريق الأفعواني أسفل الوادي ، باتجاه عين الماء ، وقلت في نفسي : أسقيه شربة ماء أخيرة .
النهاية :
كان الطريق جدا منحدرة وقد رصعتها نباتات الشوك والعليق التي شقت طريقها بين الصخور ، كنت في أغلب الأحيان أجدني مضطرًا إلى الالتصاق بعجيزتي الى الأرض لأنزلق بكلتا قدمي تاركا يدي لتسندا جزعي من الخلف ، وأثناء ذلك كنت أحس به واقفًا عند حافة السن الصخري ينظر إليّ ، يراقبني ، لا أدري بماذا تحدثه نفسه ولكنه كان يراقبني بالتأكيد ، كان كل ما يمكن لعقلي أن يفسره حينها أنه أدرك أنها النهاية .
صلدًا كالصخور :
النهاية لكل شيء ، كنت أحس ذلك الأسى والحزن الذين يجيشان في نفسه ولكني كنت صلدًا حقًا كالصخور ، التي انزلق عليها ، غير متردد في أن أثأر لكل معاناتي معه ، لكل سني شبابي المفجوع الذي سلبها مني عشقه الدموي ، لكل طعنه وشمت جسدي الذي شاخ ، لكل لحظة رعب ارتجف لها قلبي الجريح ، وحين وصلت عين الماء طمست وجهي حتى أذني وطوحته في الهواء ، لأطفئ جمرة اشتعلت في فؤادي .
الحصان :
رششت الماء فوق رأسي ورقبتي وطرحت القربة في العين لتمتلئ ، استرقت نصف نظرة باتجاهه ، لم أشعر بوجوده ، كررت الأمر ، لقد اختفى تماما ذلك الظل الذي كان يرقبني منذ قليل ، استدرت باتجاهه فلم أره ، صعقت ، حملت القربة وهي لم تكد تمتلئ وأسرعت متسلقا باتجاهه ، كنت أسرع ، أسرع ، أسرع ، وما بين اللهاث والانزلاق والتشبث أصبحت في الوادي بعد حين ، كان اختفى تماما ، تلاشى في زوايا الصحراء وكثبانها الرملية ، حملت قربة الماء والسرج ورافقت إحدى القوافل التجارية في طريق العودة إلى المدينة ، الحق الحق أقول : كان حصنا يجب أن يموت ، ولكن يبدو للموت وجوها متعددة !.
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…