المطر يهبط بغزارة وكأن الله يصب غضبه على رؤوس البشر ، والبرق يضيء السماء بوميض ابيض ، فتظهر الغيوم المتكاثفة والأشد سوادًا من السماء ، يتبعه صوت الرعد الشبيه بالطرق على تنكة الصدئة ، حتى القمر .. قد اختبأ وراء الغيوم خوفًا من ثورة السماء .
يوم عاصف ماطر :
الريح تعصف بعنف ، محاولة احناء رؤوس الأشجار الممتدة على جانبي الطريق على الأرض ، وأعمدة النور تنشر ضوءها الباهت على سطح الرصيف ، فتظهر خيوط من خلاله ، أما أضواء الشقق فهي صفراء هادئة تبعث الدفء لدى رؤيتها .
قطرات المطر :
كان يسير غير مبالي بقطرات المطر ، التي تطرق رأسه الحليق ، ثم تنسل إلى رقبته متجاوزة قبة معطفه ، حتى أنه اعتاد الشعور ببرودة الماء المتسلل من حذائه المثقوب لينخر أصابع قدميه ، كلما سار في هذا الشارع تداعب ذاكرته رائحة دافئة فيسرع خطاه ، ويدفعه الشعور بالفرح إلى القفز فوق برك الماء ، ولكنه سرعان ما يشعر بالملل لكثرة وصعوبة تجاوزها جميعًا ، فيبدأ يخبط قدميه فيها ، محاولاً استثارتها قدر الإمكان ، وما أشد روعة هبوط قدميه إلى الماء بعنف فيتطاير ، محدثًا فجوات تزول فور صعود قدمه .
الفرن :
خلا الشارع إلا من بعض المارة المسرعين والذين كلما تجاوزوه أداروا رؤوسهم ، بحلقوا به ، ابتسموا وضحكوا ، مد لسانه لأحدهم ، وتابع طريقه ، وهو يلوح بيديه محاولاً إبعاد المطر ، فكر : كلكم سعادين ملونة !!
داعبت الرائحة الدافئة أنفه بمهارة ، وأقحمت نفسها في ثيابه فتوقف ، كانت واجهة المحل أمامه كبيرة مضيئة ، تبعث الدفء ورائحة السكر ، راقب الناس المزدحمين من خلال الزجاج ، وألصق وجهه به ، راقب الفرانين ، والأهم من ذلك كله : فتحة الفرن .
قطعة الحلوى :
ورأي كيف يخرجون صينية الكنافة محمرة ، حلوة ساخنة فسال لعابه ، وظل يراقبها إلى أن تشجع ودخل ، ظل في البداية مختبئًا خلف الجميع إلى أن رآه الفران فابتسم : جمال ماذا تريد ؟ أشار بيده نحو الكنافة . أنا..أنا.. ، وبينما كان الفران منشغلاً بتقطيع الحلوى ، كان الجميع يبتسمون ، مد الفران قطعة حلوى لجمال فخطفها منه ، ورفه يديه إلى رأسه عدة مرات شاكرًا ، وخرج .
سعادين ملونة ، التهم القطعة مستمتعا بحلاوتها وسخونتها ، متلمظًا ، محاولاً الاحتفاظ بطعمها لدقائق أطول وكان سعيدًا ، ولكنه فجأة تذكر الأولاد الذين يضايقونه لاستمرار ، يركضون وراؤه ويصيحون : ياجمال يا مجنون .. ياجمال يا مجنون .
الجنون والسعادين الملونة :
بعضهم يظهر براعة في رمي الأحجار باتجاهه ، والبعض الآخر يظهر شجاعة حين يتجرأ على الاقتراب منه ، وشده من ثيابه ، يتفاخرون بذلك ويضحكون : ياجمال يامجنون ، ياجمال يامجنون .. مجنون ، مجنون ، مجنون ، ويدوي الصوت في أذنيه فيركض صائحًا : يا ملعونون ، كان المطر توقف ، ولكنه استمر بالقفز فوق برك الماء ، وعندما شعر بالملل بدأ ينزل قدميه فوق الماء بعنف ليتطاير ، يلوح بيديه إلى أن أحس بأنهما جناحان ، فحاول الطيران وهو يفكر بالسعادين الملونة .