خلّفت المدن القديمة العديد من الآثار ، التي مازالت تكتشف حتى يومنا هذا ، الأمر الذي يفصح في كل مرة عن حضارات قوية كانت موجودة ، ثم اندثرت لأسباب مختلفة ، علمنا بعضها وجهلنا الآخر ، ولكن المثير في الأمر هنا ، أننا كل مرة نزيح الستار عن حضارة قديمة ، أو مدينة مندثرة ، نكتشف ما لا يخطر على قلوبنا من علم ومعرفة ، وأشباح !
تقع مدينة ديرنكويو بمنطقة الأناضول في وسط تركيا ، وفي عام 1963م تم الإعلان عنها عندما تم الكشف عنها ، كمعلم أثري عملاق يقع تحت الأرض ، وهذا المعلم هو عبارة عن مدينة أثرية كاملة وضخمة مدفونة كاملة تحت الأرض ، ووفقًا للمعلومات التي تم بثها ، فإن تاريخ تلك المدينة الأثرية ، يعود إلى القرنين السابع والثامن قبل الميلاد ، ويعود سبب غرابتها إلى أنها مدينة مبنية بالكامل تحت سطح الأرض ، بطريقة غاية في التعقيد .
تعني ديرنكويو البئر العميق ؛ ويعود سبب تلك التسمية إلى ضخامة حجمها وعمقها الكبير تحت الأرض ، ونظرًا لعدم امتلاك القدماء ، لأية وسائل تكنولوجية أو آليات متطورة ، احتار العلماء كثيرًا في الكيفية الهندسية التي قاموا باستخدامها ، لبناء تلك المدينة العملاقة ، وهذا الأمر هو ما ساعد على اعتقاد السكان المحليون ، بأن الجن هم من بنوا هذه المدينة .
بناء المدينة :
مما لفت نظر العلماء إلى تلك المدينة ، هو طبيعة الصخور التي بنيت منها ، حيث تبين لهم بأن كافة الصخور التي شيدت منها المدينة ، هي صخور بركانية تكونت بفعل الرماد البركاني الناتج عن الانفجارات البركانية ، حيث شكلت تلك الصخور الطبقات الأرضية لديرنكويو .
وقد لاحظ القدماء الصلابة المتوسطة لتلك الصخور ، وهذا هو ما ساعد على كيفية الحفر بها ، وتشكيل المنازل تحت سطح الأرض وسهل مهمة بناء الأعمدة والدعامات باستخدامها .
يعلم الجميع أنه من الأمور الهامة لأي بناء ، هو الأساس ومدينة ديرنكويو كانت هي الأساس ذاته ، تحت الأرض مما جعلها متينة وصلبة ، تقي سكانها من المخاطر في حال حدوث أية اضطرابات فوق سطح الأرض ، دون أن يتأثر من بداخلها من سكان .
شُيدت المدينة على طبقات فوق بعضها البعض ، في إتقان مذهل جعل منها إمكانية استيعاب ، لآلاف الناس والسكان بطريقة مدهشة ، وتصميم فريد مقارنة بشح الأدوات اللازمة لتشييد مدينة مثلها آنذاك .
تقع ديرنكويو على عمق 85 مترًا تحت سطح الأرض ، وتتكون من أحد عشر طابقًا منهم من لم يُكتشف بعد ، والباقي عبارة عن غرف وممرات طويلة ، ذات أحجام وسعة مختلفة ، بالإضافة إلى وجود اسطبلات للخيول وأماكن أخرى تم تخصيصها للحيوانات الداكنة وغيرها ، واتساع المدينة يمكنه أن يحتوي أكثر من خمسين ألف شخص ، من رجال ونساء وشيوخ وأطفال !
وعن توفير كافة سبل الحياة بها ، تحتوي المدينة على أعمدة طويلة وعميقة توفر للسكان التهوية اللازمة ، والضوء اللازم للحياة بالإضافة إلى وجود ، غرف كاملة مجهزة بمستلزمات الطهي والطعام ، وغرف أخرى لتخزين كافة المواد الغذائية ، حيث ساعدت الحرارة المستقرة نسبيًا تحت سطح الأرض ، في الحفاظ على الأطعمة من التعفن .
كذلك تتوفر داخل المدينة بعض الآبار نقية المياه ، التي ساعدت على توفير المياه العذبة لهم ، وقد قام القدماء بفصل الآبار عن بعضها بحيث يمنعوا أن تطفو المياه على السطح وتغرق المدينة بشكل مفاجئ ، أو أن تتلوث المياه من الخارج بطريقة أخرى .
ويعود تاريخ بناء تلك المدينة إلى شعب الفريجانس ، الذين قاموا بتأسيس امبراطوريتهم في تلك المنطقة غرب الأناضول إبان فترة القرن الثامن قبل الميلاد ، وعقب اندثار امبراطوريتهم ، طوّر المدينة البيزنطيون خلال فترة حربهم مع الفرس ، واستخدموا مدينة ديرنكويو لحمياتهم من بطش الأعداء خلال فترات الحروب ، حيث احتوت المدينة على العديد من النقوش والأدوات التي تعود للفترة البيزنطية .