منذ فجر التاريخ ، نلحظ وجود الأضرحة على مستوى العالم ، وعلى اختلاف الثقافات بين الشعوب كافة ، تلك الأضرحة التي نالت اهتمام من بنوها سواء أكانت لأمراء أم ملوكًا ، أو شعراء وغيرهم ، ممن اعتنى الكثيرون بتخليدهم ، فازدادوا مبالغة في في الإسراف على بعض القبور ، أكثر مما أنفقوا في حياتهم وهم على قيدها ، وأحد تلك الأضرحة الفخمة هو ضريح موسولوس .
كانت الإمبراطورية الفارسية قديمًا تمتد من حدود مصر والأناضول من الغرب ، وحتى حدود الهند من الشرق ، وكان الشاه الفارسي المسئول عن إدارة تلك الإمبراطورية الواسعة ، عن طريق تعيين ملوكًا محليين يدعون ستراب ، تكون وظيفتهم هي تولي مسئولية المملكة التي تقع تحت عاتقه ، مع تعيين رجال في البلاط يرفعون تقاريرًا دورية للشاه بشأنهم .
ومن بين تلك الممالك التابعة للإمبراطورية الفارسية الأخمينية ، مملكة تدعى كاريا وهي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من تركيا ، ولكنها تتميز بقدر عال من الاستقلال رغم تبعيتها مثلها مثل غيرها من الممالك الأخرى للشاه الفارسي .
في عام 377 قبل الميلاد ، تولى الملك موسولوس على رأس مملكة كويا خلفًا لوالده ، وكان موسولوس متزوجًا وفقًا لتقاليد هذا العصر من شقيقته أرتمزيا ، وظلا يحكمان مملكة كاريا لفرتة ناهزت الأربعة وعشرين عامًا ، ازدهرت خلالها المملكة بشكل كبير .
شهدت كاريا توسعات هائلة في المعمار والتوسعة الحدودية أيضًا ، للأراضي المتاخمة للمملكة كذلك ، ولكن على الرغم من تبعية ملوك كاريا للفرس إلا أنهم كانوا على عداء مع الإغريق .
ولكن الملك موسولوس وشقيقته الزوجة ، كانا معجبان بشدة بالثقافة الإغريقية العريقة ، ولم يخفيا ذلك ، بل تعمدا تأسيس العديد من الأبنية الفاخرة ذات الطراز الإغريقي الواضح ، مستعينين فيها بعددٍ من المعماريين الإغريق الذين تم جلبهم من اليونان إلى مملكة كاريا .
توفى الملك موسولوس بحلول عام 353 قبل الميلاد ، وحزنت رفيقته الملكة أرتمزيا التي تولت حكم مملكة كاريا من بعده بشدة ، حتى أنها أصبحت لا تتجول خارج القصر إلا لمرات قليلة للغاية .
واجهت في تلك الفترة مملكة كاريا بعض الهجمات العسكرية ، حيث كان الملك موسولوس قد جهز جزيرة رودوس لضمها إلى مملكته وهزمهم في إحدى المعارك ، وعندما بلغهم خبر وفاته أعدوا العدة من أجل الهجوم على كاريا ، من أجل الثأر لتلك الهزيمة التي مناهم بها الملك موسولوس من قبل .
قاموا الرودسيون بإرسال عددًا من سفنهم الحربية نحو كاريا ، وما أن علمت الملكة أرتمزيا بقدومهم حتى أخفيت سفن كاريا الحربية ، فدخل الرودسيون الجزيرة ووقعوا في الفخ المنصوب لهم ، وظنوا أن الجيش الكاري قد فر من مواجهتهم ، إلا أن تلك الأحلام قد تبددت سريعًا عقب هجوم سفن كاريا عليهم وإحاطتهم من كل صوب ، فاستسلم الرودسيون فورًا دون مقاومة .
ثم قامت أرتمزيا بإرسال رجالها على سفن الرودسيون وهم يرتدون ملابس الأسرى العسكرية ، فظن أجل روديوس بأن جنودهم قد عادوا منتصرين ، وسرعان ما تم إسقاط رودوس مرة أخرى في قبضة الجيش التابع لمملكة كاريا بكل سهولة .
ومن أجل تخليد ذكرى زوجها الراحل ، قامت الملكة أرتمزيا بتشييد ضريحًا ضخمًا ، يكون شاهدًا لهذا الزوج العظيم وأيضًا تمهيدًا لدفنها إلى جواره بضريح يليق بهما كقائدين على مملكة كاريا .
وتم بناء ضريح ضخم للغاية ، على إحدى التلال الواقعة على مشارف العاصمة هاليكارناسوس والذي تم تشييده فوق منصة عالية من الحجارة الكبيرة المميزة ، طُرّزت جوانبها الخارجية على هيئة تماثيل للآلهة ، وعند كل ركن لها تم نحت تمثال على هيئة محارب ، بالإضافة إلى الدرج المصنوع من الرخام ، وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي تبرز عظمة بناء هذا الضريح ، حتى أنه قد تم احتسابه واحدًا من عجائب الدنيا السبع .
عقب تشييد الضريح بعامين ، توفيت الملكة أرتمزيا وعلى الرغم من عدم اكتمال الضريح آنذاك ، إلا أن رماد جثتها هي وزوجها قد تم تكريمها في مراسم مهيبة ، وتم دفن الرماد في الضريح ، حيث استمر البناءون فيما بدؤه تخليدًا لذكرى الملكين الراحلين .