قضت حملات المغول المتعاقبة على الخلافة الإسلامية في العراق ، وكادوا أن يقضوا على الخلافة الإسلامية بأكملها ، لولا أن واجههم قطز وهزمهم في معركة عين جالوت الشهيرة ، وفي المقابل حكم المغول الهند بوصفهم إمبراطورية مسلمة ، فسيطرت على منطقة شبه الجزيرة الهندية ، وحكم بالعدل والقوة ، فما قصة تحول المغول من قبائل رعوية أتت من أقصى شمال الصين وهم أعداء للإسلام ، إلى إمبراطورية مسلمة ؟
كان المغول يعبدون الأوثان والشمس والكواكب وغيرها ، ويتبعون أكثر من ديانة في نفس الوقت ، وكانت أشهر الديانات التي عرفوها هي ديانة الشامانية ؛ التي تميزت بالاعتقاد في وجود عالم موازي تحكمه الشياطين والجان ، ويمارس الكهنة ممن يعتنقون تلك الديانة السحر ، مدعين أنهم يستطيعون علاج المرضى ومعرفة الأحداث القادمة وغيرها من الأمور .
وبحلول الأعوام الأولى من القرن الثالث عشر ، تولى قائد مغولي جديد ولاية كافة القبائل المغولية وجمعها تحت مظله واحدة ، بذكائه وحنكته السياسية وهذا القائد هو جنكيز خان. وبدأ جنكيز في توحيد تلك القبائل من خلال سن قوانين صارمة يتبعونها جميعًا ، من أجل زيادة نفوذه في مملكته التي يحكمها .
وفي نفس الوقت كانت هناك إمارة إسلامية قوية تتوسع في القارة الآسيوية ، هي الدولة الخوارزمية والتي كانت تقع تحت قيادة علاء الدين محمد الخوارزمي ، والمعروف باسم محمد شاه خوارزم .
وفي عام 1026م سيطر جنكيز خان بكامل قوته على منغوليا ، وتمكن محمد شاه من بسط سيطرته على أفغانستان ، وبحلول عام 1207م تحقق له كامل السيطرة على سمرقند لينال التحدي أمام جنكيز خان ، حيث أرسل الأخير له مرسالاً لعقد بعض العلاقات التجارية ولكن محمد شاه قتل الرسل الذين بعثهم له جنكيز خان ، نظرًا لظنون الأمراء بأنهم ليس رسلاً وإنما جاسوسًا أرسلهم جنكيز خان ، مما دفع جنكيز خان للقيام بغزو الدولة الخوارزمية والتي انتهت فعليًا عام 1231م .
توفى جنكيز خان عام 1227م عقب قيامة بتوسعة مملكته ، والتي حازت على عدد من البقاع أكبر من الإمبراطورية الرومانية ، وجرى تقسيم المملكة على أبنائه الأربعة جوجي خان ، وجغطاي خان وأوقطاي خان ، وتولي خان .
تولى الابن الأكبر جوجي خان حكم القوقاز ، وتملك عددًا من أجزاء روسيا ، والذي تعود بداية المغول إلى الإسلام لابنه الرابع بركة خان ، الذي تزعم القبيلة الذهبية .
بركة خان :
تحول بركة خان إلى الديانة الإسلامية في عام 1252 هجرية ، ويعود الفضل في تلك الخطوة كما روى المؤرخون بأن بركة خان كان صديقًا لأحد شيوخ الصوفية ، وهو الشيخ نجم الدين كبري أشهر شيوخ الصوفية آنذاك والذي لقب بصانع الأولياء ؛ نظرًا لكثرة شيوخ الصوفية الذين تخرجوا من تحت يديه .
ويعد إسلام بركة خان على يد الشيخ نجم الدين ، أحد العلامات الفارقة في تاريخه حيث قتله المغول إثر اجتياحهم لدولة خوارم ، وهو يقبض بكلتا يديه على شعر أحد رجال المغول ، وهو يتلقى الطعنات في جسده ، رافعًا رأسه للسماء قائلاً إن شئت فاقتلني بالهجر أو بالوصال .
وجدير بالذكر ، أن بركة خان قد اعتنق الديانة الإسلامية في الوقت الذي كان فيه المغول يشتهرون بعنفهم وكرههم الشديد للإسلام ، والمسلمين حيث هاجمهم بشدة ابن عمه هولاكو خان ، الذي تمكّن من اقتحام بغداد في عام 1258م .
وقد حاول هولاكو خان إقناع شقيقه مونكو خان بمهاجمة بغداد والاستيلاء على دولة المسلمين بها ، سارع بركة خان أيضًا بإقناع شقيقه باتو بأن المسلمين لم يقدموا يد الشر ، وأن بيه وبينهم معاهدات وعلاقات تجارية ومراسلات ، فاقتنع باتو وذهب إلى مونكو وأقنعه بإيقاف الحرب مع المسلمين ، فظل هولاكو خان مترقبًا حتى توفى باتو ثم بدء في شن الهجوم على المسلمين مرة أخرى .
عقب معركة عين جالوت وانهزام المغول على يد قطز ، وتولي الظاهر بيبرس للحكم ، حدث تواصل بينه وبين بركة خان ، فأقنع المزيد من جنوده بالدخول إلى الإسلام ، ولكنه دخل في حرب جديدة مع ابن عمه هولاكو خان ، إثر إثارته لعدد من المشاكل والمشاغبات بين قادة المغول .
أثناء حرب بركة خان مع هولاكو ، استعان الأخير بعدد من القوات المسيحية الأرمينية والصليبية ، وتزوج ابن بركة خان ويدعى أباقاخان من ابنة امبراطور القسطنطينية والذي توفي عن عمر صغير ، فتولى شقيقه أحمد تكودار الحكم ودخل في الدين الإسلامي ، وبالتالي كان تكوادر ثاني من يسلم في عائلة جنكيز خان .
تلى ذلك ثورة أرغون ابن شقيق أحمد تكوادر عليه ، حيث أراد تدبير قتله للتخلص منه وخلافة العرش بديلاً عنه ، ونجح في ذلك بالفعل ، وعاد المسيحيون لاسترداد مكانتهم في عائلة جنكيز خان ، وأخذوا في اضطهاد المسلمين من العائلة ، وتم إقصائهم عن كافة المناصب التي شغلوها في القضاء والمالية .
وظل من خلفوا أحمد تكودار على وثنيتهم ، إلى أن دخل غازان أحد الأحفاد وكان قد تولى الحكم ، إلى الدين الإسلامي بحلول عام 1295م ، وجعله دينًا رسميًا بالدولة في فارس .