هل لديك علم أن الأدوات الجراحية التي يستخدمها الأطباء اليوم تعود لألف عامٍ مضت ، كانت الأدوات قديمًا خشنة وغير صقيلة ، فكانت بمثابة أمواس جزار غير متقدمة الصنع ، نرجع بالذاكرة معًا لحقبة الأندلس في القرن الثامن في زمن أبا القاسم خلف بن العباس الزهراوي ، مؤلف كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف .
كان هذا الكتاب بمثابة موسوعة طبية وضع بالكتاب عدة أبواب من بينها باب الجراحة ، وأشار للأدوات الجراحية حوالي مائتي أداة جراحية ، فقد كان مفهوم الأدوات الجراحية يعد مفهومًا ثوريًا لأنه حول الطب من عالم التأمل لعالم التجريب المحسوس .
بالعودة للزمن القديم نجد أن هذه الأدوات قد نقشت على جدران المعابد المصرية القديمة ، وكانت أول مقالة في التاريخ بمجال الطب بكتاب الزهراوي لكي تشرح كيفية استخدام هذه الأدوات وكيفية استعمالها ، فقد كان لها تصميم دقيق جدًا ولم يطرأ على معظمها أي تغيرات خلال ألف عام كاملة ، من الملاحظ لتاريخ الطب يعرف أن تلك الشروحات هي من أرست وأسست الجراحة في أوروبا وخاصة بعد ترجمة كتاب ابا القاسم .
ومع البحث الدقيق بلغت تلك الأدوات مبلغًا دقيقًا لتحقيق مستوى عال من الدقة العلمية ، فقد أرفق الزهراوي شرح بالصور لكل أداة من تلك الأدوات ، فنجده قد كتب عن أداة القشط المستخدمة في معالجة الناسور الخيشومي ، وعندما لا يشفي المريض يكون لا فكاك من بتر الورم لإخراج الصديد ، وبدأ يستعرض بالكتاب كيفية صنع الأداة الرأس الخشنة التي تُصنع من الحديد الهندي.
كما احتل موضوع الحصيات الإحليلية صفحات كثيرة ، وشرح أداة المشعب أو المثقب التي تستعمل لسحق الحصيات ، كان يأخذ قضيب فولاذي ذا طرف مثلث حاد مربوط بخيط قرب الحصاة لكي تنزلق إلى الوراء ثم يُدخل أداة القضيب بلطف حتى يحصل على الحصاة .
كانت تلك الأدوات من ابتكار الزهراوي نفسه ، وظلت تلك الأدوات مستعملة في أوروبا حتى تم تطوريها لشكلها الحالي ، وفي القرن الثاني عشر ادخل ابن زهر الطبيب الاشبيلي تعديلات على أدة القضيب الفولاذي فثبت في طرفها ماسة .
أيضًا وصف الزهراوي أدوات أخرى كالكلي وهي سكاكين حادة جدًا تستخدم لإجراء مختلف الشقوق مثل الصنانير ولها طرف دائري حاد ، وأدوات أخرى كانت تستخدم للإمساك بالنسيج ، وملاقط الولادة المستخدمة في التوليد ذات الطرف نصف الدائري كانت تستخدم لسحب الجنين من رحم الأم .
فالجراحة الحديثة هي نتاج متراكم لقرون طويلة من ابتكارات وإبداعات العلماء المسلمين الذين كرسوا حياتهم لإنقاذ حياة الآخرين ، فقد أحدث الزهراوي ثورة في عالم الجراحة بكتابه التصريف ، الذي قدم به شرحًا مفصلًا لأدوات الجراحة وجراحة الأسنان ، وأرسى من خلالها قواعد الطب العملي ، كما أنه ابتكر أدوات الخياطة التي أحدثت نقلة في عالم الطب العربي والإسلامي .