يروي خادم الخليفة هارون الرشيد ، أن الخليفة قد أرسله ثلاث مرات متتالية من أجل أن يقتل جعفر بن يحي البرمكي ، ويأتيه برأسه فكان الخادم كلما ذهب إليه ، عاد خاوي اليدين ؛ فكان البرمكي يقنعه بأن الرشيد قد أمره بما أمره به وهو سكران ولا يعي ما يقول ، حتى فاض بالرشيد فوبخ الخادم ونهره وقال له لئن لم تأتيني برأسه ، لأرسل لك من يأتيني برأسك ، فما كان منه سوى أن ذهب إلى البرمكي وعاد برأسه كما أمره الرشيد .
تفاصيل الليلة :
يُروى أن الرشيد كان قد أمر بقتل يحي البرمكي وجميع ولده ، فقام بحبسهم وأخذ أموالهم وضياعهم ، وعقب أن أتاه خادمه برأس جعفر ، قام بوضع الرأس على الجسر الأوسط ، ثم قام بتقطيع الجثة إلى أشلاء ووضعها على الجسرين الأعلى والأسفل ، وكان جعفر قد قُتل عن عمر يناهز سبع وثلاثون عامًا ، في أول ليلة من شهر صفر لعام مائة وسبع وثمانين .
وقد نكل بهم الرشيد تنكيلاً قاسيًا ، فنفي منهم من نفى وقتل من قتل ، وألبس الباقون ثوب الخوف والجوع ، في قصص مروعة شهد عليها التاريخ .
مكانة البرامكة:
يقال أن أصول البرامكة تعود إلى المجوس أي الأفغان حاليًا ، وهم أهل شرف ينتسبون إلى ملوك الطوائف ذوي القدر العظيم ، وكانوا يعبدون الأصنام ، حتى سمعوا بالكعبة وشعائر الطواف حولها ، وحال من يزورونها فقاموا بعمل معبد النوبهار الذي يضاهي قدسية الكعبة ، فنصبوا حولها الأصنام وعبدوها .
ومع بدايات دخول العهد الإسلامي ، خاصة في فترة ولاية الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، إبان فترة دخول العرب إلى خراسان ، حيث أسلم من خرسان من أسلم واعتنق الدين عن اقتناع ، فأدى هذا إلى شهرتهم إبان العصر الأموي ، وبلغوا مكانة قوية في العصر العباسي ، وخاصة في عهد هارون الرشيد .
بلغ البرامكة في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد من الثراء ، ما جعل عم الحليفة يحذر البرامكة من غيرة الخليفة ، حيث شيّدوا القصور فاحشة الثراء ، وتأنقوا في ملبسهم وعاشوا في بذخ شديد وترف بالغ ، وامتلكوا الكثير من الضياع وكأن البلاد قد صارت ملكًا لهم .
وبلغ البرامكة تلك المنزلة الفريدة في عهد الرشيد ، نظرًا لدفاع يحي البرمكي عن حق الرشيد في تولي الخلافة ، وذلك بعد أن خلعه شقيقه موسي الهادي من ولاية العهد ، ليتولى من بعده ابنه جعفر ، ولكن البرمكي نجح في عدم تحقيق تلك النية ، وكان هذا هو السبب الرئيس فيما تعرض له البرمكي من تعذيب وقسوة ، فقرر الرشيد أن يجعله وزيرًا ، حتى بلغ البرامكة أعلى السلطات في عهد الدولة العباسية .
انقلاب الرشيد على البرامكة :
تعددت الروايات بشأن النكبة التي قضت على البرامكة في عهد الرشيد ، ولكن الرواية الأقرب للصحة هي محاولة استئثار كل من يحي بن خالد وجعفر بن يحي البرمكي على مؤسسات الدولة ، وخيراتها الخارجية والداخلية ، حتى أن الرشيد عندما كانت يطلب شيئًا من بيت كان لا يصل إليه.
وعلى الجانب الآخر ، قام الفضل بن يحي الذي ولاه الخليفة على الجانب الرشقي ، بتكوين جيشًا بلغ قوامه خمسمائة ألف جنديًا ، من أجل حماية البرامكة من بطش الخليفة ، وهو ما أعده المؤرخون انقلابًا على السلطة .
بالإضافة إلى قيام جعفر البرمكي بالإفراج عن يحي بن عبد الله العلوي ، وهو الأمر الذي أغضب الرشيد بشدة وأثار سخطه ضد البرامكة ، حيث مال البرامكة إلى البيت العلوي كثيرًا ، أثناء محاربة الرشيد لهم وللشيعة ، إلى جانب شائعات كثر انتشرت بشأن زندقة البرامكة واتهامهم بإفساد الملك ، والتي قال فيها المؤرخون أن تلك الشائعات قد انطلقت نتيجة الحقد على ما وصلوا إليه من امكنة رفيعة في الدولة ، وفي الثراء أيضًا .
ولم يفصح الرشيد عن الأسباب الحقيقية التي جعلته يفعل ما فعل بالبرامكة ، وظل يقول أنه لو علمت يمينه السبب الذي جعله يفعل بهم ما فعل ، لقطعها .