منذ مشي الانسان الأول منتصب القامة على سطح هذه الأرض وهو يتطلع نحو السماء ويتساءل : هل توجد حياة هناك ؟ ومنذ آلاف السنين والإنسان يتخوف من وجود حضارات أكثر تقدماً ورقياً من حضارتنا خارج الأرض ، ولقد صور كتاب الخيال العلمي كائنات مخيفة وحيدة العين خالها ملاين القراء وكأنها حقيقة سيكشف عنها المستقبل .
الحياة في كواكب أخرى :
في مجرتنا وحدها أكثر من 100 ألف مليون قمر ، خمسها على الأقل مثل شمسنا ، ووفقاً لما يقوله عالم الفلك البروفيسور أرشيبالد روي ، فإن نصف هذا الخمس ، 10 آلاف مليون نجم ، لكل منه كواكب تدور حوله ، ويحتمل أن توجد فيها الحياة .
وفي خمسينيات هذا القرن وصف عالم الفلك الفيزيائي الأميركي ، الصيني الأصل والمولد سو شو هوانغ ، والذي يعمل في أحد جامعات إلينويز نمط الحياة التي يحتمل وجودها في كواكب مجرات أخرى غير مجرتنا وقال : بأنها ينبغي ألا تكون حارة جداً ، حتى لا يتبخر الماء فيها ، وينبغي ألا تكون باردة جداً حتى لا يتجمد الماء فيها ، فإذا ما توافر جو كهذا فإن وجود حياة هناك أمر محتمل ، حيث لا يوجد سبب منطقي يمنع ذلك .
الحلم والاتصال :
ولطالما حلم الانسان بالاتصال بسكان العوالم الأخرى في الفضاء ، ولعل أول محاولة كانت عندما أخذ الانسان بعد اكتشاف النار يشعل الحرائق فوق التلال ، غير أن اشعال النار لا يكون أكثر من دليل على الانذار بوجود خطر ، ولذلك فإن المحاولة الأولى كانت بعد اختراع صموئيل مورس للتلغراف الكهربائي عام 1836م .
المحاولات الأولى للاتصال بالفضاء :
ولما كان من المتعذر إرسال إشارات مورس ، التي تحتاج إلى أسلاك كهربائية إلى الفضاء ، فقد اتجه التفكير إلى إرسال تلك الاشارات باستخدام الأشعة الضوئية من مصدر ضوئي ، أو باستخدام أشعة ضوء الشمس التي تعكسها مرآة ضخمة .
وكان المخترع الفرنسي شارل كروس أول من فكر في استخدام مرآة ضخمة لعكس أشعة الشمس من الأرض إلى المريخ ، على أمل الاتصال بسكان المريخ بعد تحريك المرآة إلى الأمام والخلف .
بيد أن كبر حجم المرآة كان يحول دون تحريكها ، ثم من يضمن أن سكان المريخ ، إن وجدوا سوف يفهمون الرسالة ويردون عليها ؟ ولذلك عندما مات كروس في باريس عام 1888م ، ماتت الفكرة معه.
اقتراح آخر وموقف إديسون :
اقترح فيما بعد المهندسون العاملون مع المخترع الأمريكي طوماس إديسون فكرة أفضل ، فنادوا بعمل طوق عملاق طول ذراعه عشر أميال ، وتعويمه فوق سطح بحيرة ميتشغان بعد تزويده بالمصابيح الكهربائية التي توصل إديسون إلى اختراعها حديثاً .
واقترحوا إضاءة المصابيح لمدة عشر دقائق وإطفاءها لمدة عشر دقائق ، وتكرار هذه العملية كإشارة إلى سكان الفضاء بأن على سطح الأرض حضارة متقدمة تحاول مخاطبتهم ، بيد أن إديسون بعناد رفض تجربة الفكرة بحجة أن منازل نيويورك وشوارعها أحوج إلى العشرة آلاف مصباح التي تحتاجها التجربة ، وهكذا ماتت الفكرة أيضاً في مهدها .
الاتصال بالفضاء بين الخيال والعلم :
ظلت الفكرة تراود عقول الناس ومخيلتهم في القرن التاسع عشر ، كان بعضهم يتشوق إلى تنفيذ الفكرة ، بينما كان البعض الآخر يصاب بهلع عندما يفكر بإمكانية نجاحها ، وفي عام 1898م كتب كاتب روايات الخيال العلمي هـ . ج . ويلز قصته المفزعة ، حرب العوالم .
التي تحدث فيها عن غزو الأرض من قبل سكان المريخ بأسلحة مميتة ، وظل الأمر محصوراً في مجال الخيال والروايات الخيالية ، وكان البعض يتخوف من تحقيق الفكرة ونجاحها ، وكان حسب رأيهم سيلفت الانتباه إلى كوكبه ويعرضه لاحتمالات الغزو بالفعل .
الصحافة والاتصال بالفضاء :
ومع ذلك أعلن ناشر إحدى الصحف في باريس عن جائزة مقدارها 100 ألف فرانك ، لمن يستطيع الاتصال مع أية كائنات حية غريبة تعيش في مجرتنا ، باستثناء المريخ ، غير أن أحداً لم يفز بالجائزة ، بل وتلقى الناشر رسائل عديدة من مواطنين عاديين يطلبون منه عدم تشجيع فكرة الاتصال بالغرباء في الفضاء الخارجي ، وبإلغاء الجائزة .
بداية القرن ومحاولة الاتصال بالفضاء :
وشئنا أم أبينا ، فنحن بدأنا الاتصال بالفضاء الخارجي منذ اختراع موجات الاتصال اللاسلكي في مطلع هذا القرن ، كما أن موجات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني تتسرب إلى الفضاء الخارجي ، وصحيح أن مثل هذه الموجات كلما ابتعدت تضعف ، غير أن ممكن تقويتها وإعادة استقبالها إذا افترضنا وجود حضارات متقدمة في الفضاء الخارجي ، كما أن هناك مشكلة أخرى ظلت تبحث عن حل ، هي : لو فرضنا أن سكان الفضاء بثوا إلينا موجاتهم اللاسلكية فعلى أية موجة سنلتقطها ؟
الاتصال بالفضاء وموجات الراديو :
في عام 1943م طلع علينا عالم الفلك الهولندي هندريك كرستوفل فان دينهولست بحل معقول لتلك المشكلة ، قال بأن ذرات الهيدروجين يمكنها إن غيرت طاقتها بفعل المؤثرات الكونية ، أن تبث طاقة لاسلكية ضعيفة على موجة الراديو 21-سنتيمتر ، ولو فرضنا أن سكان الفضاء يعرفون هذه الحقيقة مثلما نعرفها يصبح عندئذ من السهل تبادل الاشارات اللاسلكية بيننا وبينهم على هذه الموجة .
أول اتصال رسمي بالفضاء الخارجي :
ولقد تمت أول محاولة اتصال رسمية بالفضاء الخارجي عام 1960م ، عندما قام عالم الفلك الأمريكي الكتور فرانك دريك بتوجيه قرص هوائي ضخم ، قطره 85 قدماً ، للمرصد الوطني في جرين بانك بغرب فرجينيا ، نحو النجمين TAU CTIK ، EPSILON ERIDANI وقد اختار هذين النجمين لقربهما منا على بعد 11 سنة ضوئية .
وأطلق على مشروعه الاسم الرمزي OZ MA ، وقد أبقى أمر هذا المشروع سراً خشية أن يتعرض لسخرية النقاد أو يتهم بتبذير الوقت وإساءة استخدام معدات المرصد ، وطوال ثلاثة أشهر ظل الدكتور دريك ينتظر سماع أية إشارات قادمة من الفضاء ، قبل أن يعلن أمام زملائه بأنه يعتقد بوجود حياة متقدمة على بعد معقول من كوكبنا .
رسالة في زجاجة للفضاء :
أما في عام 1972م فقد قام علماء مشروع بيونير بقذف رسالة في زجاجة إلى الفضاء الخارجي ، ورسموا عليها خريطة لموقع الأرض مع صورة لامرأة ، ورجل رافعين اليد كتحية ، ومع الإشارة إلى الاتصال بالأرض على موجة 21- سنتيمتر ، وبعد أربع سنوات أعلن العلماء عام 1976م ، أن رسالتهم لم تأتي بنتيجة ، وربما أنها قد تكون أصبحت إحدى النفايات السابحة في الفضاء .
محاولة تحية سكان الفضاء بأكثر من لغة :
هذا وكان الكاتب العلمي إيان ريد باث قد شك في استجابة وفهم سكان الفضاء لمعنى صور الرجل الرافع اليد بالتحية ، فأخذ صورة مماثلة وعرضها على مجموعة قردة ريسوس في قفص ، فظنت القردة أن الرجل سوف يهاجمهم لذلك ارتدت إلى الوراء وانزوت في ركن القفص الخلفي .
ولذلك عام 1977م وضع رسالة ثانية في الفضاء الخارجي ، محملة بأشرطة فديو ، وأصوات العصافير والحيوانات الأخرى ، وبعبارات التحية بخمس وخمسين لغة مختلفة .
توقف المشروع :
لقد توقف مشروع OZMA وذهب طي النسيان غير أن تطلع الانسان إلى مخاطبة سكان الفضاء لم ولن تتوقف ، فهناك اليوم عدة جهات في أمريكا وسواها من البلدان مازالت تسعى لتحقيق تلك الفكرة ، من بين هؤلاء مؤسسات كبيرة وصغيرة وأفراد مثل : NASA و SETI و META ومخرج فيلم E.T الفنان ستيفن سبيلبيرغ ، وقد أخذ بعض المؤسسات يستعين بالكمبيوتر ويخصص قنوات استقبال إذاعي تصل إلى 70 ألف قناة مشروع SETI .
طول مدة التواصل :
غير أنه يجب أن لا ننسى شيئًا واحداً ، هو أن الاشارة يمكن أن تستغرق من 20 : 30 سنة للوصول من الأرض إلى الفضاء ، ونحتاج غلى مثلها حتى نتلقى الاجابة ، كما أن سكان الفضاء ربما كانوا قد تلقوا أخبارنا عبر الموجات اللاسلكية .
ووجدوا أنها مليئة بالمآسي والحروب أو العروض التليفزيونية السخيفة ، ومهازل الانتخابات الرئاسية فترفعوا عن مخاطبتنا ، وأحجموا عن الرد على رسائلنا أو الاحتكاك بنا !!