قصص الجدات القديمة لها رونقها وطبعها الخاص ، ونذكر جميعًا أننا عندما كنا صغارًا كنا نسمع منهن ، بأن من يفتعل المشاغبات سوف تأتي النعوشة لتمتص رأسه ، وما بين النعوشة وأم أربعة وأربعين وغيرها من المسميات متداولة في وطننا العربي ، نجد قصصًا أسطورية من التراث الشعبي تروي لنا بعض الحكم.

النعوشة هي طائر يشبه طائر البومة في مظهره ، ولكنها أكبر حجمًا ولها ريش أكثر كثافة  ، بالإضافة إلى منقارها الطويل وجناحيها المميزان ، وتتمتع بصوت مخيف للغاية أشبه بصراخ أحد الأشخاص في ظلمات الليل الحالك ، ويطلق عليه الناس لقب الدليل ، حيث يستدلون على وجودها عند سماعهم لهذا الصوت ، فيتخذون حذرهم.

الأسطورة :
النعوشة أسطورة تونسية قديمة قد الأزل ، لا أحد يعلم متى ظهرت إلى حيز الوجدان للشعب التونسي ، ولكن ما يميزها هو أن تناقلتها الأجيال واحدًا تلو الآخر وترسخت بأذهان الجميع من أبناء الشعب التونسي ، حتى صارت من أشهر الأساطير بها.

وتقول أشهر رواية لتلك الأسطورة ، أنه كانت هناك امرأة في الزمن الغابر شابة جميلة ، حرمت من الإنجاب ، فقد كانت كلما حملت بطفل أجهضته ؛ فزوجها كان مزارعًا عنيف الطباع وشديد القسوة  ، وكان يحمل زوجته مالا تطيق وفوق قدرتها ، فما كانت تحمل بطفل حتى يجبرها زوجها على الذهاب للفلاحة ، بالإضافة إلى واجباتها المنزلية مما جعلها تعاني من الوهن والضعف الشديد مثلها مثل نساء تلك الفترات القديمة ، التي لم يكن بها أية أدوات تساعد المرأة على القيام بأعباء منزلها بشكل أكثر راحة.

عقب أن اشتد عود الطفل ، وصار صبيًا جاءت أمه في أحد الأيام وطلبت منه إحضار غربال من أحد جيرانهم ، وكانت المنازل متباعدة إلى حد ما في هذا الوقت ، وأوصته أمه بعدم الابتعاد كثيرًا عن المنزل ، وألا ينشغل باللعب ويضيع الوقت ، فقد كانت تحبه حبًا جمًا فلم لا وهو طفلها الوحيد.

انطلق الصبي الصغير ليأتي بما وعد أمه به ، وأثناء عودته لمح عصفورًا جريحًا يطير ويقف كل خطوة ، فأخذ الصغير يركض خلفه بعد أن رمى الغربال جانبًا ليلحق بالعصفور ، ولكن كان كلما هم بالإمساك به طار العصفور بعيدًا ، حتى انتبه الصغير لتأخره فعاد ليحمل الغربال ويسلك طريقه للمنزل مرة أخرى.

كان القلق ينهش في قلب الأم التي أخذت تنظر إلى الطريق في رعب ، فقد تأخر الصغير واقترب موعد عودة زوجها من الحقل وهي لم تعد الطعام بعد ، وما أن لمحت الصغير قد أتى حتى أخذ الشرر يتطاير من حدقتيها ، وأخذت تضربه ضربًا مبرحًا ، وهو يبكي ويعتذر ، إلى أن فارق الحياة بين يديها ولم تدري ما فعلت سوى بعد أن وجدته بين ذراعيها جثة هامدة.

أخذت الأم تصرخ وتبكي ، وفي تلك اللحظة بدأ ينبت لها جناحان كبيران ، وكسا جسدها ريش كثيف وتحول أنفها إلى منقار حاد طويل ، وتحولت إلى طائر عرف فيما بعد باسم النعوشة ، وانطلقت بعيدًا نحو الصحارى والوديان.

وقيل أن الطفل الصغير قد عاد إلى الحياة مرة أخرى ، بعد أن مسخت والدته وصار هو الآخر طيرًا صغيرًا ، أسماه الناس بكشاف النعوشة ، والذي كان يذهب ليخبر الجميع بقدومها قبل أن تأتي ، حيث كانت تردد وهي منطلقة بأنها سوف تلاحق الصبية حتى يصيروا رجالاً ، وسوف تلاحق الفتيات حتى يصيروا نساء.

وتهاجم النعوشة الأطفال المشاغبون ليلاً ، أو ممن يغفل عنهم أهله فتذهب إليهم ليلاً وتهاجمهم وتمتص أدمغتهم عبر الأنف بمنقارها ، ولحماية الأطفال من النعوشة يجب على الأهل أن يعلقوا غربالاً أمام باب المنزل أو قرب رأس الطفل.

By Lars