وُلد جاك الصغير لأسرة فقيرة للغاية ، بإحدى القرى النائية ، وكانت عائلته مكونة من عشرة إخوة آخرين ، وكأنه لم يكن يكفيه أن يولد طفل جديد لعائلة فقيرة مثل هذه ، إلا أنه قد ابتلي أيضًا بجزء قليل من التأخر العقلي ، جعل من بقريته يلقّبونه بمعتوه القرية ، ويقذفونه بالأوساخ والقمامة ويعترضون طريقه جيئة وذهابًا ، ولم ترغب أمه في تركه وحيدًا ، فظلت ترعاه وسط إخوته دون استماع لنصائح من حولها بإلقائه في الطريق ، ليجد من يرعاه غيرها ، أو يتكفّل به.
موهبة فريدة :
كان جاك يتمتع بموهبة حباه الله إياها ولاحظها أهل القرية بمرور الوقت ، حيث كان الصغير يستطيع أن يتنبأ بموعد هطول الأمطار ، وأوقات حدوث المجاعات أو الفيضانات ، ومن سيموت مع ضرب المرض للقرية .
حتى أنه قد أفشى وأباح عن هوية سارق الماشية داخل قريته ، مما ساعده على العيش بين أهل القرية في سلام ، حيث بدؤوا جميعًا يكفّون عن مضايقته ، ثم بدؤوا في إعطائه مهام تناسب سنه وطاقته وجسده الهزيل ، ليستطيع أن يكسب قوت يومه.
وفي أحد الأيام وبينما كان يعمل جاك بالحقل ، حيث جعله أحد المزارعين يحرث بآلة الحقل التي يجرها ثور عجوز ، أو يزيل الروث المتجمع خلف الماشية وينثره بالحقل ، وكانت كلها مهام سيئة جدًا ولكن أحبها جاك نظرًا لأنها صدّت عنه مضايقات من حوله.
وفي أحد تلك الأيام وبينما كان يعمل جاك بالحقل ، شخص بصره فجأة لفترة طويلة نحو الشرق وظل واقفًا في صمت لفترة طويلة جعلت من حوله ينتبهون له ، ثم صاح فجأة لقد انتصرنا نصرُ عظيم ، يحيا الملك يحيا الملك ، تساءل الجميع عما يدور بخلد جاك ، فقال لهم أن هناك معركة حربية قد قامت بين هنري السابع وريتشارد الثالث ، وأن هنري قد انتصر وتم تتويجه ملكًا جديدًا.
بالطبع لم يصدقه أهل القرية ، فهم منغلقون على أنفسهم ولا يدرون ما يحدث بعيدًا عنهم ، ولا يعرفون مثل هذه الأخبار سوى ممن يأتون إليهم من قرى مجاورة ، أو إذا ما مرّ بهم خيّال على ظهر جواده بالمصادفة .
رغم عدم تصديق العديد من أهل القرية لتلك القصة بشأن الملك هنري ، إلا أن أغلب من بها قاموا بنقل تلك الرواية التي سردها عليهم جاك ، وعم الخبر أنحاء القرية ، وعقب مرور عدة أشهر وصل رجال الملك إلى القرية ليعلمونهم بنبأ اعتلائه للعرش ، ولكنهم فوجئوا بأن أهل القرية يعلمون بالمعركة وتفاصيلها ، وبالمزيد من التقصي والبحث علموا بوجود جاك الصغير ، وأنه هو من أخبرهم ، فعادوا إلى ملكهم يخبرونه بشأن الصغير المتنبئ.
عندما علم الملك بشأن جاك أمر رجاله بإحضار الصغير ، حتى يقوم باستجوابه واختباره فإن صدق الفتى سوف يكون ذو فائدة بلا شك ، وأما إن تبيّن أنه كاذب فسوف يقتله ويخلّص العالم من أكاذيبه.
وبينما كان رجال الملك في طريقهم إلى القرية ليأخذوا جاك معهم ، إذا بالفتى يطرق أبوا القرية ويطلب منهم أن يقوموا بتخبئته عن أعين رجال الملك ، فسوف يأخذونه إلى القصر ويعيش في بلاط الملك ، وسوف يموت داخل القصر .
بالطبع ضحك أهل القرية منه ، ومن حديثه بشأن أنه سوف يعيش في بلاط الملك ويموت جوعًا ، فكيف لشخص أن يعيش في مكان كهذا ويموت جوعًا ، وبالطبع لم يعره أحدهم أي اهتمام حتى حضر رجال الملك بالفعل وأخذوا الصغير معهم.
عندما علم الملك بقدوم رجاله مع جاك ، قام بإخفاء خاتمه الخاص ليختبر قدرات الفتى التي سمع بها ، وما أن رآه حتى وجده فتى صغير رث الثياب وسيء الرائحة ، وتبدو عليه أمارات البلاهة ، فندم قليلاً على قراره بإحضاره ولكنه رغب في اختبار قدرات الفتى ، فسأله عمن سرق خاتمه ، فتمعن به الفتى الصغير قليلاً مما أثار توتر الملك ؛ حتى قال له الفتى بأن الخاتم لم يسرق وإنما الملك أخبأه بنفسه في مكان ما ، وهو يستطيع أن يجلبه له ، فأخبره الملك أن يأتيه بالخاتم ، ففعل الصغير وسط دهشة الملك وحضوره.
سُرّ الملك كثيرًا بوجود جاك لديه في القصر ، واستغله في معرفة الجواسيس بين حاشيته ، ومن هم جواسيس أعدائه ، ومعرفة أي المعارك سوف ينتصر بها بأقل خسائر ممكنة ، وأيها يجب عليه أن يتجنبها ، وكان جاك مصيبًا في أغلب تنبؤاته إلا أنه أحيانًا ما كان يخطئ أيضًا ، ويذهب ضحية خطأه شخص ما ولكن الملك كان مسرورًا بما يصل إليه.
النهاية :
جاء الموعد المشؤم حيث انطلق الملك في زيارة لمملكته تستغرق عدة أشهر ، وطلب من الخدم أن يرعوا جاك مع التشديد عليهم جميعًا بعدم إيذائه ، فلم يكن من الممكن أن يصطحبه معه حتى لا يعلم أحدهم سره ويؤذيه ، كما أن الطفل يصعب عليه البقاء نظيفًا لفترة طويلة من الوقت ويحتاج لرعاية دائمًا ، فموهبته كانت تتسبب له في الكثير من حالات الانفعال والعصبية الشديدة.
لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن ، فمع غياب الملك وتكرار النوبات العصبية التي تصيب جاك ، ضاق الخدم ذرعًا به وقرروا أن يضعونه في غرفة بالغرف العليا من القصر ، ويقدمون له الطعام والشراب لحين عودة الملك ، وبالفعل اقتادوا الصغير إلى غرفة بأعلى القصر وأغلقوا عليه القفل مع وعد بالصعود لإطعامه ، ولكنهم أهملوا في أداء واجبهم نحوه وتم نسيانه تمامًا.
ظل الصغير يضرب بيديه وقدميه ويطرق الباب ، مرارًا وتكرارًا حتى ظن من يسكنون حول القصر بأن من يصرخ ويتأوه بهذا الشكل أرواح عالقة قد عادت إلى القصر ، وهم لا يعرفون أنها روح حية تتألم .
عاد الملك إلى قصره سأل عن جاك الصغير ، ولكنه لم يتلق جوابًا فأمر بتفتيش المكان كله خشية أن يكون أحدهم قد اختطفه ، ومع البحث وبالوصول إلى الغرف العليا بدأ الحرس يشمون رائحة كريهة ، تزداد كلما اقتربوا من الأعلى ، وبالفعل عندما فتحوا الباب وجدوا جثة الصغير ملقاة خلف الباب ، واقفًا وكأنه كان يطمع في إلقاء آخر ما لديه من صرخات قبل الموت ، وكانت الجثة قد تحللت بمرور الوقت عليها ، وحدث ما تنبأ به الصغير من قبل ، فقد مات داخل القصر جوعًا.