تغيرت المقادير عبر التاريخ ، وصارت أمريكا هي الأقوى والزعيمة عقب الحرب العالمية الثانية ، وأصبحت تدعي أنها قد أتت لحماية الإنسانية وحقوق الإنسان على مستوى العالم ، ولكن الحقائق التي ظهرت أثبتت العكس من ذلك .
وتعج أمريكا بالقصص التي تقتص من حقوق البشر واحدًا تلو الآخر ، حيث استخدمت أمريكا في حربها مع فيتنام في فترة الخمسينات المنصرمة ، الأسلحة الكيميائية ، وحتى الآن يعاني العديد من أطفال فيتنام من تشوهات خلقية عدة ، لم يمح الوقت أثرها .
كما أن أمريكا هي من قامت بإلقاء قنابل نووية مدمرة على اليابان ، وراح ضحيتها أكثر من ربع مليون إنسانًا إبان عام 1945م ، ولم تتوقف تجارب أمريكا ضد الإنسانية ، فأخذت على عاتقها إجراء تجاربها المشينة على البشر أينما كانوا ، وإحدى تلك القصص يرويها أوتا بينغا الذي صار فأرًا لتجارب الأمريكان.
أوتا بينغا وتجارب أمريكا :
بدأت قصة أوتا بينغا في الكونغو عام 1904م ، عندما انصرف مع بعض أصدقائه إلى خارج قريته الصغيرة بحثًا عن الطعام ، تاركًا خلفه زوجة وطفلين صغيرين في انتظاره ، عقب خروج أوتا من قريته وتغيبه لفترة ما ، دخلت القوات الأمريكية القرية آنذاك وقامت بتدمير وقتل كل من فيها دون استثناء لنساء أو أطفال أو حتى شيوخ ، في واقعة تاريخية موثقة لعمليات القتل العشوائية التي قامت بها تلك القوات المحتلة.
وعاد أوتا بينغا إلى قريته ليجدها قد تساوت بالأرض ، وفقد عائلته في لحظة دون أية مقاومة منه ، فوقف لا يدري ما يفعل حتى تم أسره ونقله إلى معسكرات الاعتقال الأمريكية ، ليبدأ حياة العبودية لديهم .
حياة التجارب :
كان أوتا تعيس الحظ حقًا ، فبعد أن فقد عائلته وقريته وحياته في لحظات ، تزامن توقيت استغلاله في العبودية مع زيارة لأحد التجار الأمريكان ويدعى سامويل فيرنر ، هذا الرجل كان مغرمًا بنظرية داروين ، ولطالما عمل على إثبات أن الإنسان الأفريقي تحديدًا كان أصله قردًا ! وظل يبحث عن الأقزام الأفارقة من أجل أن يستعبدهم ويعاملهم مثل الحيوانات ، ويقوم بعرضهم في الأسواق على سبيل أنهم قردة ، وقد تطوروا حقًا إلى أنس عاديون .
وبالطبع كان بينغا هو المثال الحي أمام أعين سامويل في مهمته ، فقد كانت أسنانه مدببة بعض الشيء ، مثل باقي أفراد قبيلته التي ولد فيها ، وكان قصير القامة لا يتعدى طوله المتر والنصف ، بالإضافة إلى لون بشرته السوداء ، مما جعله صيدًا ثمينًا لهذا التجار المختل الأمريكي ، فاشتراه صامويل بثمن بخس لا يتعدى حفنة من الملح الأبيض ، وقام بحمله معه إلى مدينة سانت لويس الأمريكية.
معاناة بينغا :
تم وضع أوتا في أحد الأقفاص بحديقة الحيوان مثله مثل الحيوانات ، وإلى جواره قفص آخر يحتوي على قرد شمبانزي وأنواع أخرى من القردة ، وبدأت رحلة معاناة أوتا بداية من معاملته على هيئة حيوان وليس كونه إنسانًا .
وتم طمس هويته كاملاً حتى أنهم كانوا يقذفونه بالحجارة ، ويلقون عليه عصيّهم كما يفعلون مع القردة ، وعندما كان يحاول أن يدافع عن نفسه بشكل فطري ، كان الحراس يتحدون معًا ويقومون بضربه وإيذائه وصل إلى حد ربطه بالأرض داخل القفص ، فما كان منه سوى الصراخ والعنف الزائد نتيجة الإذلال والقهر ، ثم لم تعد تجد حديقة الحيوان من أوتا فائدة ، فقاموا بنقله من داخل القفص إلى ملجأ المضطهدين الأفارقة.
النهاية :
بعد انتقاله لمعسكر اللاجئين الأفارقة ، بدأ أوتا يتعلم اللغة الإنجليزية ، وعمل في أحد مصانع التبغ عقب وعود من الجانب الأمريكي بإعادته إلى موطنه ، فعمل بإخلاص وجهد شديد من أجل حلمه بالعودة إلى أرض الوطن ، والتخلص مون كابوس إقامته داخل سجون أمريكا ، ولكن لم يلبث حلمه أن مضى بعيدًا عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى ، وفقدان حلمه بالعودة إلى وطنه ، فقام أوتا بعمل احتفالية أطلق فيها النار على نفسه عن عمر يناهز الاثنان وثلاثون عامًا ، ممنيًا نفسه بوداع هذا العالم الأمريكي الشاذ .