في 15 إبريل عام 1912م ، اصطدمت السفينة الضخمة تايتنك بكتلة جليدية فغرقت ، وغرق معها 1513 شخصاً ، كان من بينهم الصحافي المشهور ويليام توماس ستيد ، الذي اشتهر بكتاباته حول المسائل الروحية ، وحركة السلام ، وغير ذلك من القضايا الاجتماعية ، وكان الناس قد عرفوا ستيد قبل نحو 30 سنة عندما شن حملة ضد الرقيق الأبيض في العاصمة لندن ، وطالب بتغيير القانون بغرض حماية الأحداث .
حملة لتغيير القانون :
ففي مطلع عام 1885م ، قصد أنصار حماية الأحداث الصحافي ستيد ، وطلبوا منه أن يساعدهم في حملتهم لتغيير القانون ، بغرض حماية الأحداث من الاعتداءات الجنسية ، كان القانون في ذلك الوقت ، يسمح للفتاة بالزواج وممارسة الجنس ، إن هي بلغت 13 سنة من العمر ، وكان بإمكان أي شخص وفقا لذلك القانون ، أن يتاجر بأعراض فتيات صغيرات بدون خشية من العقاب القانوني ، إن هو أثبت أن الفتيات جئن إليه بإرادتهن ، بدون غصب أو اكراه .
طالب أنصار قانون حماية الأحداث ، برفع سن الزواج إلى 16 سنة ، غير أن البرلمان رد هذا القانون عند عرضه عليه أكثر من مرة ، ورفض الموافقة عليه ، وعندما شرح أنصار القانون قضيتهم أمام ستيد وطلبوا مساعدته ، صمم على إثارة حملة لا تبقي ولا تذر تأييداً لذلك القانون .
الصحافي ويليام توماس ستيد:
ولد ستيد عام 1849م وكان متديناً ، وعندما بلغ 31 من عمره عمل في صحيفة ، بول مول غازيت ، ثم أصبح في عام 1883م رئيساً للتحرير ، وقد أثبت خلال بضع سنوات أنه صحافي قدير وجريء ومبتكر ، ابتدع أسلوب المقابلات والتحقيقات الصحافية .
التحقيق الصحافي :
ولكي يثبت كم هو سهل شراء طفلة بعمر 13 سنة ، قرر أن يقوم هو بنفسه بإجراء تحقيق صحفي حول ذلك الموضوع ، بين عائلات الطبقة المعدمة ، استعان ستيد بصاحبة ماخور تدعى ربيكا جاريت ، فذهبت إلى عائلة أرمسترونغ الفقيرة ، وعادت بابنتهم إليزا مقابل 3 جنيهات فقط لاغير .
أخذ ستيد الفتاة وخدرها ثم نقلها إلى بيت سيء السمعة ، تديره امرأة فرنسية تدعى مدام لويز مواري ، بعد ذلك نقل ستيد الفتاة إلى باريس دون أن تصاب بأذي ، وتركها هناك بعيدة عن الأنظار في عهدة مؤسسة خيرية ، تم كل شيء بسهولة ويسر ، وأثبت أنه بالامكان شراء أية فتاة ، ونقلها خارج البلاد بغرض الاتجار بها .
وظل ستيد يروي مسلسل قصة إليزا طوال أسبوعين ، في صحيفة تحت عنوان : تقدمة العذارى في بابل الحديثة ، وكانت التفصيلات حقيقية وموثقة بالصور ، وقد نجح في عرض المأساة الواقعية ، التي يشهدها عصرنا الحديث .
أثارت الحملة ضجة كبيرة في بريطانيا بين عامة الناس ، وسؤل وزير الداخلية في البرلمان ، حول إمكانية ملاحقة ستيد ، وتقديمه للمحاكمة بسبب نشره مثل تلك البذاءات والفحش ، كما أن مبنى الجريدة هوجم من قبل الغوغاء ، دون أن يعرف السبب في ذلك .
لقد تظاهر الجميع بالفضيلة ، و بالحرص على حماية الأخلاق ، في وقت كان عدد العاهرات في لندن ، اللواتي يسرحن ويمرحن بالشوارع يقدر بنحو 100 ألف ، لقد كشف ستيد خفايا العالم الفيكتوري وانحطاطه ، وحوّل هدوء ذلك العهد الزائف إلى جحيم ، بيد أن الأمور لم تجري كما خطط لها ستيد ، فقد أطلع الجيران جارتهم السيدة أرمسترونغ على المقالات ، فاحتجت ونفت أن تكون باعت ابنتها ، ثم رفعت دعوى على ستيد تطالبه فيها بإعادة ابنتها إليها .
محاكمة ستيد:
مثَل ستيد ومعاونوه أمام المحكمة في 23 أكتوبر عام 1885م ، بعد أن أرجع إليزا إلى عائلتها سليمة دون أذى ، وقد أصر على أن يتولى هو الدفاع عن نفسه ، غير أن قضيته بدت خاسرة منذ شهدت ربيكا جاريت ، بأنها أخذت إليزا من والدتها بحجة تشغيلها خادمة في المنازل ، كما أن الوالد لم يكن موافقا على الموضوع بعكس ما كان يظن ستيد ويكتب .
الحكم :
وهكذا صدر الحكم في 10 نوفمبر بإدانة ستيد نظراً لأنه أخذ فتاة من أهلها بطريق الاحتيال ، وشهر بها وبعائلتها في صحيفته ، كما أن القاضي عنف ستيد بعبارات قاسية عندما قال له : إنك شغلت الناس شهوراً ، بقصصك البذيئة ولوثت عقول الفتيان والفتيات الذين كنت تدعي حمايتهم ، كما وصف الحملة بأنها وصمة عار على جبين الصحافة ، ثم اصدر حكمه بسجن ستيد لمدة 3 شهور ، وبسجن ربيكا جاريت لمدة 6 شهور ، وبسجن لويز مواري لمدة 6 شهور مع الأشغال الشاقة .
نجاح الحملة في تغيير القانون :
لقد خسر ستيد يومها قضيته في المحكمة ، غير أن حملته نجحت ، وتم إقرار قانون حماية الأحداث في البرلمان ، بفعل مقالاته وتأثيرها ، وذلك في مطلع عام 1886م ، وحتى قبل خروجه من السجن .