اشتهر بالنصف مسجد ، فمنذ أن تم تشييده لم يكن من البداية مسجدًا خالصًا وإنما أقيم ليكون منارة حضارية ومنبعًا للانفتاح والتثقيف الحضاري على الأراضي الألمانية في عهد التنوير بها ، ولعل هذا العهد كان مرافقًا لفترة الانبهار بكل ما هو عثماني وتركي المظهر ، فيما يعرف بالتاريخ الأوربي باسم  Türkenmode.

وكان ذلك في فترة القرن الثامن عشر ، إبان فترة حكم الأمير الألماني كارل ثيودور ، وبدأت قصة بناء هذا المسجد عندما أراد الأمير كارل أن يجعل في قصره ، جانبًا يحمل الطابع التركي في طرازه على هيئة حديقة ، فتم إنشاء هذا المسجد بها ، ليصبح من أهم مساجد ألمانيا وأشهرها أيضًا.

قصة البناء :
مع بداية القرن الثامن عشر وخلال عام 1779م ، لم يكن المسلمون في ألمانيا بهذا العدد الحالي ، فتعدادهم لم يبلغ الألف مسلم حينذاك ، وكان أغلبهم قد دخلوا إلى ألمانيا باعتبارهم أسرى حرب ، وظلوا على ديانتهم المسلمة حتى عقب عقد معاهدة كارفلوجة للسلام في عام 1699م.

وكان هؤلاء الأسرى أغلبهم من الفرسان ، فقام الملك فريدريش فيليلهم بضمهم إلى جيشه  ، وكانت لهم أماكنهم الخاصة بالصلاة ، فلم يحتاجوا في هذا الوقت إلى مصلى خاص بهم في قصر شفتسينجن بهذا الوقت.

وتروي قصة بناء القصر أسطورة بشأن الأمير كارل ، الذي وقع في حب أميرة شرقية ، فقام بتشييد هذا المسجد من أجلها ، ليكون معبدًا لها ، وتقول رواية أخرى أنه قد أسلم عقب أن تزوجها وشيّد هذا المسجد الصغير إكرامًا لها.

ومن الملاحظ أن المسجد يفتقر إلى أبرز سمات المساجد المعتادة في العالم الإسلامي ، فلا يوجد به منبرًا للخطيب ، أو اتجاهًا واحدًا يحدد القبلة تجاه مكة ، وتزين جدرانه الحكم الشعبية المكتوبة باللغتين العربية والألمانية بدلاً من الآيات القرآنية ، كما جمع البناء أكثر من طراز معماري بين الأوربي الكلاسيكي ، والعثماني الفريد والمميز.

أعوام طويلة من البناء :
استغرق بناء المسجد أعوامًا طويلة وصلت إلى ستة عشر عامًا متصلة ، فالمهندس المعماري الألماني الذي تم تكليفه من جانب الأمير كارل ببناء هذا المسجد ، ويدعى نيكولاس دي ، لم يكن قد زار بلاد المسلمين من قبل .

وبالتالي شرع في بناء هذا المسجد على الطراز الإسلامي الذي قرأ بشأنه في الكتب والرسوم ، وكان أشهر ما اطلع عليه هو كتاب أصدره الألماني المعماري فيشر إيرلاخ ، والذي احتوى على العديد من التصاميم الواضحة للمسجد الحرام بمكة ، والمسجد النبوي في المدينة  ، وعددًا من المساجد الأخرى القابعة باسطنبول في تركيا .

كذلك جمع التصميم عددًا آخر لكنائس تم تصميمها بشكل أشبه بالمساجد ، مثل كنيسة Wiener Karlskirche الواقعة في النمسا ، وبعض المساجد العثمانية بها أيضًا ، وأغلب ما يشاع حول بناء هذا المسجد هو أن العديد من المعماريين المسلمين قد ساهموا في بنائه ، ولكن لا يخفى على أي زائر عربي ، الأخطاء الفادحة في الكتابة العربية والنقوش التي زينت جدران المسجد ، فالكثير من الحروف كتبت بدون نقاط ، وبعض الكلمات كتبت بحروف منفصلة عن بعضها  البعض مما أخل بالمعنى الأساسي للعديد منها.

وكما قلنا ، استغرق بناء هذا المسجد ما يقرب من ستة عشر عامًا ، وبلغت إجمالي تكلفته مائة وعشرون ألف جولدن ، هذا المبلغ الذي كان يمكن للأمير كارل في هذا الوقت أن يشيد به قصرًا آخر صغير ، ولذلك لا يخفى على أي زائر لحديقة القصر ، أن المسجد هو أفخم وأثمن معالمه ، حيث تضم الحديقة معالم حضارية أخرى مستوحاة من حضارات إفريقية ورومانية قديمة .

ليس بمسجد :
المسجد الأحمر كما اشتهر ، لم يستخدم في الواقع كمسجد إلا في مرات قليلة للغاية ، فبحسب الروايات الموثقة كان أول من استخدم هذا البناء للصلاة ، هم المغاربة الذين تم أسرهم إبان فترة الحرب الفرنسية الألمانية عام 1871م ، حيث كان منهم من يخضعون للعلاج في المشفى العسكري بالقرب من  شفتسينجن ، فتم السماح لهم بالصلاة داخل هذا المبنى دون ذكر أنه مسجدًا.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية وتحديدًا بفترة الستينات ، حضر آلاف العمال والطلاب إلى ألمانيا طلبًا للعلم والعمل ، فما كان منهم سوى المطالبة بإنشاء مكان لهم من أجل الصلاة بالأعياد الخاصة بالمسلمين ، فتم السماح لهم بإقامة صلاة عيد الأضحى المبارك عام 1961م داخل هذا المسجد  ، وتكرر الأمر لاحقًا عدة مرات ، حتى أن الملك حسين بن طلال الأردني قد زار هذا المسجد عام 1962م وأعجب به بشدة.

وبالعودة إلى عام 1927م ، كانت هناك مخططات لرابطة الطلاب المسلمين بألمانيا من أجل إنشاء جامعة إسلامية حرة لهم في ألمانيا ، فتم استخدام المسجد مقرًا لحلقاتهم الدراسية ، ولكن لم ينجح الأمر أو يستمر طويلاً  ، وبحلول عام 1977م استهدف البعض تحويله إلى مركز إسلامي يجمع كافة مسلمي ألمانيا ولكن لم ينجح الأمر كذلك.

ولم تقف المخططات الغريبة تجاه هذا المبنى قط ، فمن قبلهم خطط الأمريكان بعد انتصارهم بالحرب العالمية الثانية على الألمان ، إلى تحويل هذا المبنى إلى نادٍ ليلي!  من أجل إقامة حفلات الموسيقى خاصتهم والمعازف ، بالإضافة إلى استخدام الألمان نفسهم لهذا المبنى في بعض الأحيان لإقامة حفلات الأوبرا ، كما استخدم في مطلع القرن التاسع عشر لإقامة حفلات عروض الأزياء!

By Lars