عرف الإنسان القديم ممارسة الوخز بالإبر منذ 5000 سنة مضت ، فقبل اكتشاف المعادن استخدم الأطباء الصينيون إبرًا من الصوان والعظم والقصب ، وكان اكتشاف مفعول الوخز بالإبر صدفة عندما لاحظ الأطباء الصينيون أن جرحى الحرب المصابون بسهام الخيزران كانوا يشفون من أمراض طالما عانوا منها قبل إصابتهم بتلك السهام .

وبدراسة حالات عديدة كتلك تمكن الأطباء من تحديد قنوات تحت الجلد ، تكمن فيها القوى الحيوية التي تتحكم بصحة الجسد ، وقد تم تدوين تلك الخبرات قبل نحو 1500 سنة في كتاب بعنوان Yellow Emperor’s Book of Internal Medicine ، ويتكون هذا الكتاب من 34 مجلد ويشتمل على حوار مطول بين الإمبراطور هوانغتي وطبيبه الخاص تشاي باي حول خلاصة المعلومات المعروفة لأسباب الأمراض وعلاجها.

وتفترض المعلومات الموجودة في ذلك الكتاب أن الصحة الجيدة تظهر في روح الحياة (تشي) التي هي عبارة عن توازن بين قوتين متكاملتين هما (الين) و(اليانغ) ، ويقال أن الين هي قوة مائية أنثوية لطيفة داخل البدن تقابل قوة اليانغ الذكرية الخشنة ، والمرض في الفلسفة الصينية هو اختلال الاتزان بين هاتين القوتين .

أما الروح تشي فتسري في جسم الإنسان خلال 12 زوج من القنوات الممتدة على جانبي الجسد ، بحيث يرتبط كل زوج بعضو حيوي كالقلب والأمعاء الدقيقة والمثانة والرئتان وغيرهما من باقي أعضاء الجسم.

وعلى امتداد كل قناة عدد من نقاط الضغط ، أو البوابات التي تتحكم بجريان تشي (الروح) حيث يتم وخز الإبر ، وعمليات الوخز هذه قد تزيد من تيار الين أو اليانغ لتحقيق التوازن بين القوتين ، وبالتالي تحقيق الصحة والعافية ، فأمراض الكلية على سبيل المثال ترتبط بنقاط في باطن القدم ، واضطرابات القلب لها أكثر من 12 بوابة تمتد من الصدر إلى الأطراف الأصابع .

وفي بعض الحالات عندما تفشل الإبر في إحداث الشفاء يتم تزويد طرف الإبرة بخلاصة أعشاب تساعد على سرعة الشفاء ، وهناك طريقة حديثة تزودها بنبضات كهربائية خفيفة ، ولقد حاولت السلطات الطبية عبر العصور منع العلاج بوخز الإبر باعتباره طبًا زائفًا ، وليس الشفاء الذي ينتج عنه سوى أمر نفسي .

والجدير بالذكر أن الوخز بالإبر كان فعالًا في الطب البيطري مع الحيوانات حيث تم شفاء بعض الكلاب المصابة بالشلل عن طريق وخزها بالإبر كما أن الكتب القديمة أشارت إلى علاج الفيلة وشفاء أمراض العظام لدى الحيوانات عن طريق الوخز بالإبر ، فقد عرف الشرق الوخز بالإبر منذ قرون ولكن أوروبا لم تعرفه إلا منذ 300 سنة فقط عن طريق بعثة تبشيرية يسوعية ، ولم يحظ بالاهتمام إلا عام 1939م عندما قام الدبلوماسي الفرنسي العالم سولي دي موران بكتابة مرجع من خمسة مجلدات حول طرق الوخز بالإبر.

أما في الصين نفسها فقد تقلب حظ هذا النوع من العلاج بين القبول والرفض ففي عام 1822م أعلنت السلطات الصينية الوخز بالإبر عمل بربري ومنعت ومزاولته ، ولكنه ظل يمارس في المناطق النائية وازدهر مرة ثانية ، ثم تم منعة مرة أخرى عام 1922م بعد فشله في إيقاف الطاعون الذي انتشر في منشوريا نتيجة تفشي التيفوس والدوسنطاريا .

وفي عام 1959م أعلن الأطباء الصينيون أن بإمكانهم تخدير المريض بغرس إبرتين فقط في مكانين مختارين بدقة تحت الجلد قبل إجراء العمليات الجراحية الخطيرة أو عمليات الولادة ، واليوم يستخدم التخدير بوخز الإبر في نحو 10% من حالات المرضى الذين يتعرضون لعمليات جراحية ، وهؤلاء لا يفقدون وعيهم ، فهم يشعرون بالمشارط والملاقط وهي تعمل في أجسادهم ولكن بدون أي ألم .

كما أن أطباء الأسنان الصينيون أخذوا يتحدثون عن إيقاف الألم بمجرد الضغط بأصابعهم على نقاط حيوية معينة ، هناك في الصين أكثر من 100 نوع من العمليات الجراحية المختلفة تستخدم فيها طريقة الوخز بالإبر لمنع الإحساس بالألم .

وقد ثبت نجاح هذه الطريقة بنسبة 75% من الحالات التي استخدمت فيها ، كما أن الوخز بالإبر يستخدم اليوم في علاج الحالات النفسية والاضطرابات العاطفية ، وفي التغلب على الخوف والقلق ، الأمر الذي جعل الأوربيون ينظرون إلى ذلك العلاج نظرة أكثر جدية ، ويجرون البحوث للوصول إلى سر فعالية هذه الطريقة في منع الإحساس بالألم.

By Lars