قد يبدو للقارئ من أول وهلة أن ما سنتحدث عنه سيكون سيئ معتم ليس فيه بادرة أمل ، ولا بارقة ضوء ، وبالفعل هذا حقيقي فالعصور الوسطي في أوروبا كانت تمتلئ بالجهل في الأمور الثقافية والطبية ، وانحدار التفكير ، وانعدام الانجازات ، والوقوع في براثن السحر والدجل ، كما تميزت بالتعنت والالتزام الديني الشديد ، وتعاظم الدور الذي تلعبه الكنيسة بالإضافة إلى تفشي الجهل ين العامة والحكام أنفسهم .
ولذا أطلق عليها العالم الايطالي فرانسيسكو بتراركا هذا المصطلح عصور الظلام ، ويقصد بها الفترة التى وقعت ما بين القرن الخامس الميلادي حتى القرن الخامس عشر الميلادي ، وتقدر تقريبًا بألف عام ، وسيكون لنا في هذه العصور عبرة لنتأكد أن الظلام مهما طال فلا يمكن أن يدوم ، فأوروبا الآن تختلف كليًا وجذريًا عن أوروبا الأمس ، وسنتعرف على مدى انتشار الجهل في تلك العصور ليكون لنا فيها عبرة نعتبر بها.
الطب في العصور الوسطى :
بالطبع لم يختلف الطب كثيرًا عن الشعوذة و الخرافة في تلك العصور ، فقد مات الكثيرين جراء تلك الطرق العقيمة المتبعة في الطب فعلى سبيل المثال :-
علاج مرض البواسير :
البواسير هي عبارة عن بعض الأوعية الدموية الموجود في القناة الشرجية ، والتي تنتفخ بصورة مؤلمة وتلتهب ، وتتحرك من موضعها ، قديمًا كان طبيب العصور الوسطى يقوم بشقها بألة حاد حتى يتدفق منها الدم ثم يكويها بالنار بواسطة سيخ حديدي ملتهب ؛ كل هذا دون أي تخدير ، فتخيل مدى الألم الذي يشعر به المريض .
علاج حصوه المثانة :
لا أعلم من هو سيئ الحظ الذي قدرت له الإصابة بمثل تلك الحصوه ، فقد كان الطبيب يدس بيديه خطافًا معدنيًا معقوف داخل مجرى البول ؛ ليحاول إنزال تلك الحصوه القابعة مكانها ، وقد تخرج وتترك خلفها ألاما مبرحة لا تزول بسهولة ، ويعاني من جراءها المريض .
علاج الصداع المزمن :
حينما تصب بالصداع الشديد قد تشعر أن تريد أم تخبط رأسك في الحائط ، أو تضرب بيديك على رأسك لعل الألم يزول ، ولا تتوقع أن هذا ما كان يفعله أطباء العصور الوسطى ، لا تتفاءل كثيرًا ، فهم دائمًا لديهم المزيد ؛ فقد كانوا يقومون بنقب الجمجمة ! ، والنقب عبارة عن قطع دائري في الجمجمة ، وكان يتم بواسطة أله معدنية لها مثقاب ، وبالطبع كل هذا دون مخدر موضعي ، ومن عجائب فعلهم أنهم كان يحتفظون بالجزء المقطوع لاعتقادهم بقدرته على طرد الأرواح الشريرة.
العلاج بالهيروين :
لا تتعجب في عصور مثل هذه من الطبيعي أن يكون العلاج هو المرض نفسه ، فقد كانوا يعالجون السعال لدى الأطفال بجرعات من الهيروين المستخلص من الأفيون ، وبدلًا من أن يشفي هؤلاء الصغار من مرض وقتي مثل السعال ؛ صاروا مدمنين مدى الحياة.
علاج المرض النفسي :
لعل أكثر المرضى بؤسا في هذه العصور هم المرضى النفسين ، والذين صاروا فئرانا للتجارب خلال تلك الحقبة الزمنية ؛ فمن أبشع طرق علاج الأمراض النفسية والعقلية هي إدخال قضيب بجوف العين وصولا للدماغ ، وذلك ليستأصلوا منه بعض الأجزاء اعتقادا أنها تزيل الكهرباء الزائدة في المخ.
ثقافة النظافة في العصور الوسطى :
لا عجب أن أوروبا كانت مرتعًا للعديد من الأمراض الفتاكة التي حصدت أرواح الكثيرين ، فقد كانت علاقتهم بالماء علاقة شرب فقط ، فالاستحمام عندهم لم يكن أمرًا ضروريًا ولا يتم إلا بندرة شديدة ، والصابون لم يعرفوه إلا من العرب ، ولعل من أغرب الحوادث التي تدل على ذلك هو قسم الملكة إليزابيث الثانية أنها لن تغير ملابسها الداخلية حتى ينجح الحصار التي شنته على إحدى المدن ، وهكذا ظلت الملكة طوال ثلاث سنوات دون أن تغير ملابسها ، وقد ماتت جزاء وفائها بهذا القسم !
ولم يكن هناك عمال نظافة ليقوموا بمهمة تنظيف الشوارع ، ولم يتبرع السكان أنفسهم للتنظيف ، فتبرعت الخنازير بذلك وأخذت تلملم فضلات البشر ، ولكنها تركت فضلاتها عوضًا عنها ، فانتشرت الأمراض ، ومات الكثيرون من جراء ذلك .
أما الجنود في العصور الوسطى ؛ فهم على عكس ما يبدون على شاشات التلفاز ، فقد كانوا يرتدون الدروع الحديدة لفترات طويلة تجعل عرقلتهم أمرًا مثيرًا للاشمئزاز ، رائحة الحيوان البري قد تكون أفضل منهم كثيرًا ، كما أن جسدهم تملأه البثور والتقرحات نتيجة ارتداء الدروع وعدم تعرضهم للمياه والشمس.
كانت هذه لمحة صغيرة من حياة البشر في العصور الوسطي ، ولكن ورغم الجهل والتخلف وانتشار الخرافات ، استطاعت أوروبا أن تصبح من أعظم بلاد العالم وأكثرها نظافة وجمالًا متخلصة من إرثها القديم من التخلف والجهل .