أوقف فنسنت مانسفيلد ، كبير مصوري الجريدة المسائية في روتردام ، سيارته السوداء في الميدان الرئيسي بمدينة ايندهوفن الهولندية ، سحب مفتاح الكونتاكت ، ثم ضغط زرا سريا خلف التابلوه ليقطع الكهرباء عن أجزاء السيارة ، وأغلق بابها بالمفتاح ، وكانت هذه عادته كلما خرج من سيارته ، خوفًا من لصوص السيارات.
الظاهرة الخارقه للطبيعة :
لكن ماحدث لسيارته يوم 13 سبتمبر عام 1934م ، جعله يتذكر جيدا هذا التاريخ ، ويتذكر معه كل الزملاء في جريدته ، ومعهم رجال الشرطة في ايندهوفن ، ففي ذلك اليوم 13 سبتمبر ، قادت سيارته نفسها مختفية في ذلك المكان ، وتم العثور عليها بعد عدة ساعات على بعد ثلاثين ميلا من المكان ، الذي تركاها عنده ، وفي مدينة أخرى تدعى تلبورج ، عثروا عليها مغلقة ، وأزرار قطع الكهرباء على حاله ، وبلا بصمات على عجلة القيادة !!
السيارة :
لقد كان المكان من ايندهوفن لـ تلبورج مسرحاً لأحداث مرعبة ، حيث اندفع المارة لينجو بحياتهم ، من وجه سيارة تسير بسرعة جنونية ، ولا سائق أمام عجلة القيادة ، ولقد أثارت قصة سيارة فنسنت مانسفيلد ، شك وريبة بعض الناس ، كما أثارت سخرية البعض الآخر ، لكنها بقيت بعد ذلك ، لغزًا عميقًا لا يجد له أحداً.
تحريات الشرطة :
في بداية الأمر ، نظر إلى المسألة باعتبارها سرقة عادية لسيارة ، ومع تزايد تحريات الشرطة ، تضاعفت التعقيدات وتوالت المفاجآت .
المفاجأة الأولى :
ففي يوم الجمعة 13سبتمبر ، قاد مانسفيلد سيارته الجديدة ، التي لم يزد عمرها عن عامين ، والتي يعتني بها عناية خاصة ، ويمضي عطلة نهاية الأسبوع في تنظيفها وتلميعها ، حتى لتبدو وكأنها تمضي أول أيامها على الطريق ، قاد مانسفليد السيارة من روتردام إلى ايندهوفن ، لالتقاط بعض الصور في حفل افتتاح محطة طاقة كهربائية جديدة .
وكان من المفروض أن يسلم الصور صباح اليوم التالي ، فلم يجد داعياً للانصراف المبكر بعد أن انتهى من تصوير المشروع ، وبقي يشارك في الغداء الرسمي لحفل الافتتاح ، سعيدًا بانتهاء مهمته ، وبالوجبة الشهية التي انتهوا من تناولها ، مضى مانسفيلد في الثالثة والنصف ظهراً ، إلى الميدان الذي ترك فيه سيارته ، وكانت المفاجأة الكبرى عندما وجد مكان السيارة خالياً .
بلاغ رسمي للشرطة:
ذهب إلى مركز الشرطة ، وتقدم ببلاغ رسمي عن سرقة السيارة ، وظل إلى أن انتهت التحريات المبدئية ، وكان خلال هذا يطمئن نفسه ، ويقول : ربما رفعت الشرطة السيارة ، لإشغالها الطريق العام ، وربما بلغ عنها حارس السيارات الموجود في المكان بعد أن تأخر تسلمها وطلب رفعها ، لكن الشرطة تأكدت من أن أياً ، من الجهات الرسمية لم ترفع السيارة من مكانها ، واعتبروها مسروقة ، وغادر مانسفيلد مركز الشرطة حزينًا على سيارته ليركب القطار عائداً إلى روتردام .
المفاجأة الثانية :
وفي الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم ،كان عامل الطريق بيتركروملن ، يقوم بتسوية الحشائش بمنجله على جانبي الطريق العام ، على بعد عدة أميال خارج ايندهوفن ، عندما رأى سيارة فرنسية سوداء ، تندفع في الطريق ثم تنحرف عند أحد المنحنيات ، متجاوزة العلامات البيضاء في وسط الطريق ، ومتجهة ناحيته مباشرة .
برد فعل غريزى ارتمى العامل على الأرض مبتعداً عن طريق السيارة ، فرآها تصعد على الطريق المزروع ، ثم تنحرف ثانية ثم تعود الى الطريق العام ، نهض العامل كروملن وهو ينفض ملابسه ، وأخذ يكيل الشتائم لذلك السائق المجنون المستهتر ، والجانب الغريب في البلاغ الذي قدمه الى البوليس ، ما قاله من أنه عندما نظر إلى السيارة من الخلف ، لم يكن بين زجاجها الخلفي والأمامي ما يظهر للعين في مكان السائق .
وقد سجل كروملن رقم السيارة ، واتصل من منزل قريب تلفونياً بالشرطة ، وعلى الفور تم الاتصال لاسلكيًا بسيارة شرطة المرور ، التي تقف في ذلك الطريق ، على بعد عشرة أميال من مدينة تلبورج .
المفاجأة الثالثة :
وكان شرطي المرور واقف على جانب الطريق ، مترقب وصول السيارة التي جرى الابلاغ عنها ، وفجأة اندفعت السيارة السوداء ، مارة بسرعة خارقة ، حتى أن الشرطي عندما تحرك بسيارته ليطارد السيارة السوداء ، لم يجد لها أثراً في الطريق ، وقد تضمن التقرير الشرطي عن السيارة ما يلي : أما أن سائق السيارة صغير الجسم بدرجة بالغة ، أو أن السيارة كانت تسير بدون سائق .
متابعة المفاجآت :
وفي القرية التالية ، للنقطة التي كانت تتمركز فيها سيارة الشرطة ، تقافز بعض أهل القرية الذين كانوا يعبرون الطريق متجهين إلى محطة الأتوبيس ، واندفعوا هاربين بأنفسهم من وجه سيارة سوداء كانت تنهب الطريق بشكل جنوني ، وعندما وصلت إليهم سيارة الشرطة ، كانت السيارة السوداء قد اختفت عن الأعين .
شهادة أخرى :
وعلى بعد عدة أميال أخرى ، تدافع قطيع من البقر ، كان يساق في طريق فرعي ، عندما اخترقته سيارة سوداء ، مسرعة لم تحاول الإبطاء من سرعتها ، هكذا قال الفلاح الذي يرعى القطيع ، كما أضاف هو أيضًا أن أحداً ، لم يكن يجلس على عجلة القيادة .
ملاحقة السيارة :
وأخيراً ، التقت الشرطة بالسيارة السوداء ، عند قرية صغيرة تدعي فيسر ، ضاعف قائد سيارة الشرطة هانز مندرز من سرعته حتى أدرك السيارة الهاربة ، معتزمًا التضييق عليها حتى يضطرها إلى الخروج عن الطريق والتوقف على الحشائش على جانب الطريق .
شهادة أخرى للشرطة :
وعندما كانت السيارتين تسيران متوازيتين ، نهض الشرطي الذي كان يجلس بجوار السائق ، قليلًا لينظر إلى قائد السيارة المهووس ، وقال بعد ذلك في شهادته الرسمية : أنا على استعداد لأداء أغلظ الأيمان على أنه لم يكن هناك أحد على مقعد السائق !!
السيارة السوداء المجنونه:
حاولت سيارة الشرطة أن تسد الطريق على السيارة المندفعة ، ولكن السيارة السوداء اندفعت فجأة ، متطوحة ناحية سيارة الشرطة ، وجعلتها تدور حول نفسها ، بعد أن انفجر أحد الاطارين الخلفيين ، وقد استطاع الشرطي قائد السيارة ، أن يوقفها بعد ذلك دون أن يصاب أحد ممن بها ، بينما كانت السيارة السوداء ، تنهب الطريق حتى اختفت عن الأنظار .
العثور على السيارة :
وفي الساعة 3.30 ، عثر أحد رجال الشرطة على سيارة مانسفيلد ، في شارع من شوارع مدينة تلبورج ، يغطيها التراب ، وقد ظهرت عدة اصابات حديثة إلى جوانبها ، وعندما جرى فتح السيارة ، كان المفتاح الكونتاكت مغلقاً وكذلك زر قطع الكهرباء ، مازال في مكانه الذي كان عليه ، لكن كانت السيارة خالية تماماً من البنزين .
تسليم السيارة :
قامت الشرطة بعدة تحريات وتحقيقات ، لكن بدون جدوى ، وعندما تسلم فنسنت سيارته بعد ذلك ، أسرع ببيعها لتاجر سيارات مستخدمة ، ومنذ ذلك التاريخ ، وحتى توفي فنسنت مانسفيلد عام 1950م ، لم يحدث أن قاد مانسفيلد سيارة .