كانت كل ليلة في مدينة لندن الصاخبة تقام عروض السيرك والحيوانات ، ومن بينها فقرة الأسد ، ولكي يستطيع الناس مشاهدة تلك العروض ، كان لابد أن يدفعوا بعض النقود ، أو يقدموا الكلاب والقطط كطعام لتلك الحيوانات المفترسة.
وذات مرة أراد شخص مشاهدة العروض ، فأحضر معه كلبًا وجده هائمًا في الشارع ، ودخل به العرض ، فسمحوا له بالمشاهدة ، أما الكلب فألقوه عند قدمي الأسد في قفصه المحصن كطعام له .
فما كان من الكلب المسكين إلا أن ضم ذيله إلى جسده ، وقبع في ركن من أركان القفص منتظرًا ما سيحدث له ، فاقترب منه الأسد وأخذ يشتممه ، فشعر الكلب بالاطمئنان ورقد على ظهره ، ورفع أرجله ، وأخذ يهز ذيله ، وهنا مسح الأسد على الكلب بكفه الأمامي ، ثم تركه وشأنه.
فقفز الكلب من رقدته ووقف على رجليه الخلفيتين أمام الأسد ، كأنه يود تحيته ، مما جعل الأسد يبادله النظرات ، وبعدها أخذ ينظر يمنة ويسارًا ، ولم يمس الكلب بسوء ، وحينما ألقى الحارس قطعة اللحم للأسد قضم جزءًا منها ، وترك جزءًا للكلب.
منذ ذلك اليوم أصبح الكلب والأسد صديقان لا يفترقان ، يتقاسمان الوقت والطعام سويًا ، ويأنس كل منهما بالأخر ، وفي يوم من أيام العروض حضر شخص ما ، وتعرف إلى الكلب الموجود بالقفص ؛ فقد كان مالكه من قبل ، وفقده في مرة من المرات ، وبحث عنه فلم يجد أثره .
طلب الرجل من صاحب السيرك الإفراج عن كلبه ، وإعطاءه له ، فوافق الرجل ، ولكن ملك الغابة لم يوافق ؛ فقد زمجر الأسد وثار غاضبًا حينما حاولوا نزع وليفه منه ، وأخذه للخارج ، ولم يستطع أحد عن يتجرأ على دخول قفص الملك ، وإحضار ذلك الكلب ، فصرفوا الفكرة من رأسهم ، وانصرف معهم صاحب الكلب حزينًا .
وبعدها عاش الكلب مع الأسد في قفص واحد لمدة عام في سعادة وهدوء ، ولكن أصيب الكلب بمرض خطير ، جعله يموت ، فامتنع الأسد حينها عن الطعام ، وأخذ يشم الكلب ويلعقه بلسانه ، ويتحسسه بكفه كما كان يفعل معه وهو حي ، ولما أدرك الأسد أن الكلب لن يتحرك بعد الآن ، ولن ينبح ثانية ، ولن يشاركه الطعام أو اللعب أخذ يلف حائرًا كمن فقد ابنه أو زوجه ، وظل يزمجر طوال اليوم ثم رقد خائرًا بالقرب من جثة الكلب التي لم يستطيعوا إخراجها من القفص ، لأن الأسد لم يسمح لهم بذلك.
ظل الأسد يضرب جنبيه بذيله ، ويعض أسوار القفص ، ويضرب رأسه في الأرض ؛ حزنًا على صديقه الوحيد في ذلك السيرك الموحش ، فجأة وجد نفسه وحيدًا بلا رفيق ، يقتسم معه الحياة ، فجأة شعر أنه مات ، وأخذ يزهد الحياة شيئا فشيئا ؛ فخشي عليه صاحب السيرك أن يصل إلى ذات المصير .
ففكر أن يحضر له كلبًا أخر يعوضه عن غياب صديقه الأوحد ، ولكنه رفض وجود الزائر الجديد ، واحتضن جثة الكلب بأرجله ، وظل راقدًا بجوارها لمدة خمسة أيام ، وفي اليوم السادس وجدوه ميتًا داخل القفص ؛ وهكذا مات الأسد الوفي حزنًا على فراق صديقه الكلب ؛ ليعطي بني البشر درسًا لا ينسى في الوفاء والإخلاص ، فالحيوانات أصدق كثيرًا من بعض من يعيشون على هذا الكوكب من بني الإنسان.