كم من الأحداث الغريبة وغير المنطقية التي سمعنا بها منذ أمدٍ بعيد ، ولا يسعنا سوى البحث حولها طويلاً ثم تهدأ الأمور فجأة كما بدأت فجأة ، حيث نصل لمفترق طرق ، ليس به أي شعاع للنور ، أو الوصول إلى مفتاح هذا الحدث أو اللغز ، ومن بين العديد من الألغاز المحيرة ، بقصصها الشيقة والمثيرة ، نقف أمام طفليّ وولبت .
البداية ..
في إحدى أشهر الصيف الحارقة الهادئة ، وإبان موسم حصاد الزرع ، قام العديد من الفلاحين للاستظلال ببعض الأشجار ، ونيل قسط وافر من الراحة من أجل المعاودة لاستكمال العمل فيما بعد ، نحن الآن في انجلترا إبان العصور الوسطى ، في قرية وولبت تحديدًا ، تلك القرية التي اشتهرت لفترات طويلة باصطياد الذئاب ، فسُميت وولف بت ، ومع مرور السنوات ، تم اختصار الاسم إلى وولبت.
في أحد الأيام الحارة ، نظر بعض الفلاحون صوب أحد الكهوف التي يصطادون منها الذئاب ، ليشاهدوا ما لم تصدقه أعينهم ، طفلين صغيرين لونهما أخضر ! ، نعم ، كان الطفلين باللون الأخضر ، سرعان ما تخطى القرويون دهشتهم وقبضوا عليهما ، وذهبوا بهما إلى أحد كبار مالكي الأراضي بالقرية .
كان الطفلين ذو هيئة غريبة ، فبخلاف لون جلديهما الأخضر ، كان يرتديان ثيابًا غريبًا ، ويبكيان طوال الوقت ويتحدثان بلغة غير مفهومة ، بالطبع ظن الرجل الثري أن الطفلان قد صُبغا بشيء ما فأمسك بيد الفتاة محاولاً إزالة الصبغة ، ولكن لم يفلح ذلك فلم يتغير لون بشرتها بتاتًا وظلت كما هي .
ظل الطفلين في منزل القروي الثري ، وطوال فترة تواجدهما ظل الرجل يراقب ملامحهما ، ويتفحصها جيدًا ، تبدو تقاطيع وجهيهما مثل الأفارقة ، عدا أن عيناهما غائرة قليلاً ، وقدم الرجل لهما طعامًا ولاحظ اندهاشهما وأنهما لم يتناولا أي منه قط ، ظل الطفلين لا يتناولان سوى المياه فقط ! مما أثر على صحتهما وأدى إلى هزال شديد .
وفي أحد الأيام ذهب الفلاحون لتقديم محصول الفاصوليا الخضراء للرجل ، وما أن شاهدها الطفلان حتى هرعا إليها ، وأكلا منها في نهم شديد وسط دهشة الحضور جميعًا ، ولكن لسوء الحظ يبدو أن فترة الصيام المتصلة تلك ، قد أثرت على صحة الصبي الصغير ، فمات بعد مرور شهر على تواجدهما بالقرية .
ولكن ظلت الفتاة حتى نمت ، وعملت خادمة في المنزل الذي آواها ، وبدأ الرجل الثري في تعليمها اللغة الإنجليزية ، وما أن أتقنتها الفتاة حتى سألها الرجل في أحد الأيام ، عن هويتها الحقيقية وما أتى بها لقريتهم ، وما قالته الفتاة أثار دهشة الرجل حقًا .
فقد أخبرته أنها أتت من أرض لا تشرق عليها الشمس قط ، وأنها تعيش في غسق دائم ، وكل ما عليها باللون الأخضر ، ولا يأكلون أو يشربون سوى ما هو أخضر بلون كوكبهم ، وأن هناك نهر يفصل بين أرضها والأرض المضيئة على الجانب الآخر ، وعاشت الفتاة حتى صارت شابة ، وقيل أنها قد تزوجت ورحلت بعيدًا .
وقد نتساءل عن حقيقة القصة هذه ، والتي وردت بكتاب تاريخ الشئون الانجليزية ، للكاتب وليام أوف نيوبورج ، وهو راهب انجليزي نقل روايته في كتابه ، من واقع حديث بعض الشهود على تلك القصة ، ودونها أيضًا رالف كوجشيل ، مع بعض الاختلافات الطفيفة ، ولكنه أيضًا كان قد عاصر تلك الأحداث ، وحصل على معلوماته من الفلاح الثري بالقرية التي هبط بها الطفلين ، ووثق أحداثها بناءً على روايته.