وقعت أحداث قصتنا في عام 1828م  بألمانيا ، في أحد أيام العطلة الرسمية ، حيث وقف اسكافي عجوز يترقب الطريق ويشعر بالضجر هذا اليوم ، الذي لم يطل به أي شخص عليه لطلب أية خدمات ، وأثناء حملقته بالطريق يمينًا ويسارًا ، لم فتى بدين بعض الشيء ، يسير في إرهاق شديد وتعب كبير كأنه قد تناول الكحول لتوه .

أسرع إليه الرجل ليرى إن كان بحاجة لبعض الماء ، وسأله إلى أين هو ذاهب ، ففاجأه الفتى بإجابة واحدة لا يقل غيرها (أريد أن أصبح فارسًا مثل أبي) ، احتار العجوز فوقف ينظر إلى الفتى طويلاً ، ويعيد عليه السؤال ولا يتلق سوى نفس الإجابة المحيرة في كل مرة .

هنا لاحظ العجوز أن الفتى يحمل ظرفًا وعليه اسم النقيب المسئول عن السرية الرابعة ، فأخذ الفتى من يديه واتجه به نحو بوابة المدينة ليسأل الجنود عن القائد ، وعرف أنه يدعى فون ويسنك ، فأرشده الجنود إلى منزله وكان قد حل الظلام ، جلس العجوز مع الفتى في انتظار القائد الذي كان لسوء حظهم ، في مهمة بالخارج مع سريته ، قام الخدم بتقديم الطعام والشراب لهما ، واندهشوا جميعهم عندما لفظ الفتى الطعام ولم يشرب سوى الماء ويأكل الخبز فقط .

عاد القائد إلى منزله ولم يتعرف إلى الفتى الغامض ، فكان يراه لأول مرة في حياته وعندما أراد أن يسأل الفتى عن هويته لم يجب الفتى سوى بجملته المتكررة السابقة للعجوز ، هنا فتح القائد الظرف ليجد رسالتين ، كان فحوى إحداهما قد كتبها رجل ، قائلاً أنه رجل فقير لديه عشرة أطفال ، وأن هذا لافتى عندما كان رضيعًا ، سلمته أمه له كي يعيله ويقوم بتربيته مع أبنائه ، ولأنه كان بالكاد يملك قوت يومه ، حبس الطفل بالمنزل طوال حياته ، وقد قام بتعليمه مبادئ القراءة والكتابة وأن الفتى سوف يكون خادمًا مخلصًا له ، ويرغب في أن يضمه القائد لسلاح الخيالة لكي يصبح مثل أبيه ، فإذا لم يرد الاحتفاظ بالفتى أو يشنقه.

أما الرسالة الثانية كانت قد كتبتها سيدة ، قائلة بأن الطفل اسمه كاسبر وأن زوجها كان أحد جنود السرية التابعة للقائد فون ويسنك ، وأنها لن تستطع إعالة طفلها ، لذا طلبت من أحد معارفها الاعتناء بالطفل ، حتى يبلغ السابعة عشرة من عمره ، ثم يسلمه للقائد ويسنك حتى يضمه إلى سلاح الخيالة .

لم تزد الرسالتين القائد ويسنك إلا اندهاشًا وبالطبع مسألة ضم الفتى إلى سلاح الخيالة ، كان دربًا من الخيال فالفتى يكاد أن يكون متخلفًا ، وقام بتسليمه إلى محققو الشرطة الذي لم يستطيعوا أن يصلوا منه إلى أية معلومة ، فقرر أحدهم وضع ورقة وقلم أمامه ، فلم يكتب سوى أنه (كاسبر هاوزر).

انتقل كاسبر إلى رعاية عائلة السجان أندرياس ، وكان ودودًا للغاية ولا يعاني أية أمراض ، قصير ممتلئ قدميه مسطحتان ، ولا يأكل سوى الخبز الأسمر والماء فقط. حتى ظن البعض أنه قد ولد في البرية وقامت الحيوانات بإرضاعه ، ولكن هذا الحديث لم يكن صحيحًا .

وكان كاسبر شاب مراهق ولكن بعقل وتفكير طفل ، ومع مرور الوقت استطاع كاسبر أن ينطق ويتكلم ، وتدريجيًا بدأ يتحدث عن نفسه ، فقال أنه كان يعيش في غرفة طوال حياته لم ير الشمس قط ، كانت الستائر دائمًا منسدلة ولا يدخل الضوء للغرفة أبدًا ، ولا يأكل سوى الخبز الأسمر والماء ، الذي كان يتغير طعمه أحيانًا وما أن يرتشف القلي منه حتى يغيب في نوم عميق ، ولا يستفيق إلا ووجد نفسه قد تحمم وبدل ثيابه وقُصت أظافره.

وفي أحد الأيام دخل إلى غرفته رجل غامض ، غطى وجهه وبدأ في تعليمه المشي والكلام ، ولم يحفظ سوى جملته الشهيرة أريد أن أصبح فارسًا مثل أبي ، تلك الجملة التي حرص الرجل على تعليمه إياها ، ثم اصطحبه إلى نورينبرغ في رحلة لثلاثة أيام ، وتركه مع رسالتيه أمام أبواب المدينة ، ثم اختفى .

بعد ذلك ، تولى رجلاً رعاية كاسبر، وقد أدهشه مهاراته المتعددة التي تنمو سريعًا يومًا بعد يوم ، كان هذا الرجل فيلسوفًا ودارسًا لعلم النفس ، فوضع كاسبر في عدة اختبارات وظل يدون ملاحظاته حوله طوال فترة رعايته له ، وفي أحد الأيام قال كاسبر أن أحد الأشخاص قد هاجمه وأراد أن يقتله ، ولم يستطع سوى أن يجرحه وهنا لم يصدق الكثيرون واقعية الحادث ، فلم يكن هناك شهود على الحادث وقيل أن كاسبر أراد جذب انتباه الصحافة ، التي كانت قد غابت عنه لفترة طويلة عقب انتشار قصته.

وقيل أن كاسبر هو ابن دوق سلالة بادن الذي قيل أنه قد مات عقب ولادته ، ورجح الكثيرون أنه هو كاسبر وقد قام عمه بابتداع قصة وفاته حتى لخلو له تولي العرش إلا أن آخرون نفوا هذه الرواية .

بعد ذلك انتقل كاسبر لرعاية رجل أكثر قسوة وضراوة من سالفة ، وهو مدرس صعب المراس يدعى جورج ماير ، وكان علاقتهما متوترة وغير هادئة ولا تطاق ، وفي أحد الأيام قال كاسبر أنه قد استدرجه أحد الأشخاص ، ليشاهد أوراقًا تثبت صحة نسبه ، ولكنه بادرة بطعنه في جانبه الأيسر ونزف بشدة ، إلى أن فارق الحياة عقب مرور ثلاثة أيام ، ولم تثبت صحة نسب كاسبر لأحد ولا أحد يعرف حقيقة قصته إلى الآن .

By Lars