هناك العديد من الألغاز التي لم يعرف الإنسان لها حل ، ومنها أسطورة أطلانطس ، حُلم البشرية الضائع ؛ فمنذ أفلاطون إلى يومنا هذا ، ظهرت العديد من الروايات التي تتحدث عن قارة أطلانطس ، تلك القارة التي غرقت بين يوم وليله ، ولم يعرف لها أثر حتى الآن سوى روايات أفلاطون ؛ التي تم نقلها من خلال المشرع الأثيني صولون ، وسجلها أيضًا في كتاباته.

بداية الأسطورة :
اعتقد القدماء بوجود قارة كبيرة تحكم الأرض اسمها قارة أطلانطس ، وكانت مصدر القوة والحضارة بالعهود السالفة ، ولكنها غرقت فجأة ، فظلوا يتناقلون حكايتها إلى أن جاء أفلاطون ، والذي قام بتدوين كل شيء عنها .

قيل أن أطلانطس كانت تشبه الجنة فوق الأرض ، يوجد بها الفواكه والخضروات ، وشتى أنواع الماشية ، وتتفجر فيها الينابيع الدافئة والباردة ، وكانت تتمتع بالأرض الخصبة الغنية بالمعادن الثمينة ، والتي جعلت شعبها أغنى شعوب العالم ، وكانت لديها حضارة تفوق حضارات العالم القديم .

لقد أُعطى أهل أطلانطس من الخير الوفير ما يجعلهم سعداء ، وقد كانوا في أول عهدهم أناسا يتمتعون الأخلاق الطيبة ؛ فكانت تشبه المدينة الفاضلة التي طالما تحدث عنها أفلاطون في كتاباته .

إلى أن بدأ الفساد يتسرب إليهم ، ويقنعوا بكل ما لديهم من خيرات ، فاكتسحوا بجيوشهم منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ، وقاموا بالاستيلاء على مناطق كثيرة من القارة الإفريقية والأوربية ، إلى أن وقف الأثينيون أمامهم ؛ فعادوا من حيث جاؤوا ، خلف جبل طارق ، ولكن قبل أن يفرح الأثينيون بنصرهم ، وقعت كارثة كبيرة محت الجيش الأثيني وأغرقت الأطلانطس بأسرها .

ظلت هذه القصة تُروى جيلا بعد جيل ، لمدة أكثر من 9200 عام ، إلى أن تم تدوينها لأول مرة ، وتحولت من التراث الشفهي إلى التراث المكتوب .

كتابات أفلاطون :
كان أفلاطون أول من سجل هذه الأسطورة على الورق في محاورتين له هما (تيماوس) وهو فلكي من البلاد الإيطالية كان يتحاور كثيرًا مع أفلاطون ، و(كريتياس) وهو شاعر ومؤرخ وقريب من أفلاطون ، والذي ذكر في واحدة من تلك المحاورات ، أن هذه الأسطورة مأخوذة من السجلات المصرية القديمة .

فحينما زار صولون المشرع الأثيني مصر ، وذهب إلى سايس وهي مدينة بشمال الدلتا ، كان لها علاقات وثيقة بأثينا ، أخبره الكهنة المصريون بقصة أطلانطس ، فكان هناك امبراطورية أثينيه عظيمة منذ 9000 سنة ، وكانت تعاصرها في تلك الفترة إمبراطورية عظيمة أخرى تسمى أطلانطس ، وهي جزيرة كبيرة بحجم قارة .

كانت تقع خلف أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق) ، وكان حكام جزيرة الأطلانطس يحكمون جزيرتهم ، وأجزاء من أفريقيا وأوروبا حتى وصلوا لحدود مصر ، ولكن أثينا تمكنت من هزيمتهم ، وحدثت بعدها زلازل وفيضانات عنيفة ، تمكنت في يوم واحد من إغراق قارة أطلانطس بأعماق البحر .

ولهذا السبب فإن البحر في تلك الأجزاء غير قابل للملاحة والعبور ؛ لأن هناك طينًا ضحلًا بسبب وجود الجزيرة تحت سطحه ، ورغم هذه الروايات لم يعثر علي أي أثر بمصر ، يُثبت ذلك ؛ فلم يتم نقشها على جدران المعابد أو تدوينها بأوراق البردي .

وهكذا ظلت قصة أفلاطون هي المرجع الوحيد لأسطورة الأطلانطس ، وكل ما كُتب عنها من كتب ومقالات فيما بعد قائم على رواية أفلاطون الرواية الرئيسية.

وصف أطلانطس :
يقول بوسيدون في محاورته الثانية أن بوسيدون إله البحر أحب فتاة من بني البشر تدعي كليتو ، وتزوجها ، وأنجب منها عشرة من الذكور كان يحكمون الجزيرة ، في شكل اتحاد ملاك يرأسهم الابن الأكبر ، وكان اسمه أطلس فسميت أطلانطس نسبة لاسمه.

كثر بعد ذلك سكان الأطلانطس ، وظلوا يعمروها ويبنوا فيها القصور ، والمعابد والموانئ والأرصفة ، وقد رسم أفلاطون صور زاهية للعمارة والهندسة ; حيث كانت المعابد والقصور المبنية من الأحجار الملونة البيضاء والحمراء والسوداء.

كما كان هناك معبد لبوسيدون وهو عبارة عن عمارة هائلة مغطاة بالفضة ، وأعمدتها من الذهب ، وسقفها من الداخل مكسو بالعاج والذهب والفضة والنحاس المتوهج كالنار .

وكانت المباني بأطلانطس جميلة تتخللها النافورات الدافئة والباردة ، وتكثر بها الحدائق ، والحمامات العامة ، وحمامات الملوك ، وكان هناك ساحات للرياضة ، وأخرى للخيول .

وكان الملوك العشرة الذين يحكمون أطلانطس ، يتجمعون في معبد أباهم بوسيدون ، كل خمس أو ست سنوات للتشاور في شئون الحكم ، وإقرار العدل ، وكانوا يسجلون أحكامهم في ألواح من الذهب .

ولكن بمرور الزمن فقد الأطلاسيون حبهم للفضيلة ، فصاروا جشعين ، ومحبين للسيطرة ؛ فأدرك زيوس رب الأرباب  أن جنسًا نبيلًا قد دب فيه الفساد ، فقرر تطهيرهم ، وهنا تنقطع قصة أفلاطون عن الأطلانطس ؛ فلم يعد إلى تكملتها بعد ذلك أبدا .

البحث عن أطلانطس :
منذ كتب أفلاطون عن القارة المفقودة ، والمسكشفين لم يكفوا عن محاولاتهم في البحث عن هذه القارة الضائعة ، فكان الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون ، يظن أنها نفسها القارة الأمريكية التي اكتشفها كولومبس حديثًا .

وكتب فيلسوف سويدي كان يعيش في القرن السابع عشر أن أطلانطس هي نفسها السويد ، ولم يقتصر الأمر على هذا ، فكثير من الباحثين كرس حياته للبحث عن سر أطلانطس .

ولكن معظم النظريات كانت تضع أطلانطس في اليابسة وليست تحت سطح البحر كما أشار أفلاطون ، ولعل السبب وراء هذا هو تأخر ظهور معدات الاستكشاف تحت الماء ، فلم تكن الطائرات والغواصات قد ظهرت بعد ، ولكن بعد ظهور تلك المعدات بدأ الاهتمام يتركز حول وجود أطلانطس في المحيط الأطلسي ، بداية من مدخل جبل طارق إلى سواحل البحر الكاريبي.

علم الأطلنطيولوجي :

يعد الكاتب الأمريكي ايجناتيوس دونيللى من أهم الباحثين عن أطلانطس ، حتى لُقب بمؤسس علم الأطلنطيولوجي ، حيث نشر عام 1882م كتابه الشهير أطلانطس ، وعالم ما قبل الطوفان ، وأكد فيه رواية أفلاطون وفسرها وتتلخص نظرية دونيللي في 13 نقطة رئيسية وهي :

–أنها كانت توجد في المحيط الأطلسي في مواجهة مدخل البحر المتوسط .
–أن وصف أفلاطون لهذه الجزيرة والحضارة القائمة فيها ليس قصة خيالية ، وإنما تاريخ حقيقي .
–كانت أطلانطس هي المكان الأول الذى نشأت به الحضارة .
–أصبحت أطلانطس أمة قوية كثيفة السكان ، خرجت منها هجرات كثيرة عمرت العالم .
–كل أساطير الشعوب التي كانت تشير إلى جنة قديمة أو عصر ذهبي ، كانت تشير إلى الأطلانطس .
–أن الإلهة التي أشار إليها أفلاطون في محاوراته ما هم إلا ملوك وملكات وأبطال أطلانطس القديمة والأحداث كلها حقيقية ولكن مشوهه .
–أن ديانة مصر القديمة ويبرو ، هي نفسها الديانة الأصلية لأطلانطس ، وهي عبادة الشمس .
–أن أقدم مستعمرة أقامتها الأطلانطس ، خارج حدودها هي مصر حيث كانت حضارتها صورة طبق الأصل من حضارة أطلانطس.
–كان اهل أطلانطس أول من استخدم الحديد والمعادن .
–أن الأبجدية الفينيقية التي هي أم الأبجديات مأخوذة من الأبجدية الأطلانطسية .
–أن أطلانطس هي المهد الأصلي للشعوب الأرية والسامية والتورانية والتي تتشارك جميعها في ذكرياتها عن أسطورة الطوفان .
–أنها اختفت نتيجة لانقلاب طبيعي عنيف أغرقها بمن فيها تحت الماء.
–أن عددًا قليلًا من سكانها استطاع النجاة بالسفن أو القوارب ، ونقل تفاصيل الكارثة إلى باقي الشعوب .

ظهور الأطلانطس :
هناك من يرى أن الأطلانطس قصة حقيقية ، وهناك من يرى أنها خيال محض صنعه أفلاطون بنفسه ، ولكن هناك بعض الشواهد التي تحدثت عن ظهور بقايا جزيرة غارقة ، ربما كانت هي الأطلانطس .

ففي عام 1968م أعلن اثنان من الطيارين المحلقين فوق جزر البهاما ، أنهما شاهدا ما يشبه أبنية حجرية تبرز من المحيط بالقرب من سطح الماء ، وجاء هذا بعد نبوءة الوسيط الروحي الشهير ادجار سايس الذي تنبأ عام 1940م بظهور أجزاء من جزيرة أطلانطس الغارقة في عام 1968م أو 1969م وحدد موقعها بالقرب من جزر البهاما .

كما قام الباحث الأثري دكتور تشارلز بيرليتز بعدة أبحاث تحت الماء ، ووضع كتابًا أكد فيه وجود أطلال غارقة كأنها مدينة كبيرة بالقرب من جزر الكاريبي .

ومن بين المشاهدات الأخرى التي عُثر عليها في تلك المنطقة جدران عمودية ، وأقواس وأهرام تحت سطح البحر ، على بعد عشر أميال من جزيرة أندروس ، إحدى جزر البهاما ، كما عُثر على سور ممتد بالقرب من فنزويلا ، طوله 100 ميل في أعماق المحيط .

ولكن الجيولوجيين أعلنوا أن كثير من هذه الموجودات ، يمكن أن تكون مكونات طبيعية ، مع العلم أن سور الصين العظيم يمتد لآلاف الأميال وهو من صنع البشر .

ويقول برليتز أن الروس اكتشفوا في قاع البحر بالقرب من كوبا ، مجموعة من المباني تغطي عشر أفدنة ، ولكن لا يمكن الجزم رغم تلك المشاهدات ، بوجود القارة الضائعة أطلانطس ؛ فمازال البحث جاري عنها ، ولم يتوقف منذ القدم .

ظهر اتجاه  جديد للبحث عن القارة الضائعة  في بحر ايجة ، حيث أن أعمدة هرقل التي ذكرها أفلاطون في كتاباته ، كانت تعبير يطلق أيضا على جبلين يقعان على الشاطئ الجنوبي لبلاد اليونان في مواجهة جزيرة كريت ، ولكن كل هذا يفتقر الدليل الحاسم ، وهو أن يعثر على بقايا من عمائر الحضارة الغارقة  تحت مياه حوض ثيرا .

وفي غرق الأطلانطس عبرة كبيرة ، وهي أن الحضارات العظيمة يمكن أن تغرق بين ليلة وضحاها كما حدث في الطوفان الذى أصاب قوم سيدنا نوح عليه السلام .

وما حدث لقوم عاد الذين بنوا القصور الفارهه والأسوار المنيفة ولم يكن لحضارتهم مثيل ،  وأبادهم الله سبحانه وتعالى جزاءً لما كان يفعلون ، بقوله الكريم في الآيات من سورة الفجر{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} الآيات 6-8.

ولعل ظهور الأقمار الصناعية ، والتقدم التكنولوجي الهائل سيكشف لنا عن سر هذه القارة ، وهل وجودها  كان حقيقة تاريخية أم أنها  فقط محض أسطورة من الأساطير اليونانية .!

By Lars