يعرف الجميع أن فرويد ، هو من تحدث بشأن عقدة أوديب ؛ وذلك عندما قام بتحليل شخصيات مرضاه ، فوجد فرويد أن أغلب مرضاه ، كانوا يميلون إلى امتلاك أحد الأبوين ، خاصة لمغاير لجنسه .

وبالمزيد من التعمق والقراءة والفحص ، توصل فرويد إلى أن هناك رغبة عارمة ، تٌولد مع الشخص ، وتلك الرغبة كانت موجودة منذ أمد بعيد ، نمت وتطوّرت وتوارثتها الأجيال تباعًا ،  منذ العصور والعهود القديمة ، حيث كان الجنس مباحًا ومشروعًا ، دون ضوابط أو معايير تحكمه .

فكانت الممارسة بين الأبناء ، والأبوين مباحة لأزمنة طويلة ، ومع التطوّر الحضاري ، ونزول الأديان ، تم تقنين تلك الممارسات ، وأصبحت تتم بضوابط محددة لا يمكن لأحد تجاوزها ، إلا أن فرويد اعتقد بأن تلك الرغبة لم تندثر بمرور الأزمنة ، فبقيت كامنة داخل النفس البشرية ، فنجد الطفل الذكر يميل بشدة إلى والدته ، ويغار بشكلٍ صارخ عليها من أبيه ، والعكس بالنسبة للفتاة الصغيرة .

أسطورة أوديب :
تعود القصة لأسطورة يونانية قديمة للغاية ، تروي أن أحد ملوك اليونان القدامى ، ظل هو وزوجته دون إنجاب أطفالاً لعدة سنوات ، ثم وبعد عدة أعوام رُزقا بمولود ذكر ، وكعادة لملوك في ذلك الوقت ، حمل الملك طفله وذهب به إلى المعبد ، من أجل التنبؤ بمستقبله ، فنبأته إحدى العرّافات بأن هذا الطفل ، سوف يكون وبالاً عليه ، ولابد له من التخلص منه فورًا .

لم يتردد الملك لحظة ، وبالفعل ذهب إلى أحد الرعاة لديه وطلب منه إلقاء الرضيع ، من فوق الجبل حتى يتخلص منه ، وأخذه الراعي وذهب به إلى قمة الجبل بالفعل ، ولكنّ نفسه لم تطاوعه لقتل الصغير ، فتوجه به إلى راعٍ يعمل معه ، وطلب منه التخلص من الطفل.

حمل الراعي الجديد الرضيع ، وذهب به إلى الملك الذي يعمل في خدمته ، وكان يعلم أن الملك وزوجته لم يرزقا أطفالاً ، فسرد لهما قصة هذا الرضيع ، ففرحا به كثيرًا وتبنياه ، وأطلقا عليه اسم أوديب .

ترعرع أوديب في منزل الملك الجديد ، حتى صار شابًا وسيمًا ، مفتول العضلات وقوي البنية ، وفي أثناء مروره في أحد الأيام قابل رجلاً مخمورًا ، قال له أنه لقيط ، فغضب أوديب بشدة وذهب لوالديه بالتبني ، يسألهما عن صحة تلك المعلومة.

أنكر الأبوين هذا الأمر بشدة ، وصرحا له بأن الرجل مخمورًا ولا يمكن تصديقه ، ظل أوديب مهمومًا وذهب إلى المعبد من أجل لقاء العرّافة ومعرفة مستقبله ، فأخبرته بأنه لابد أن يقتل أبيه ويتزوج هو من أمه ، ولكن أوديب ارتعب للفكرة .

وترك منزله حتى لا يؤذي والديه ، وبينما يسير أوديب في طريقه وصل إلى مفرق للطرق ، وأثناء وقوفه قابل رجلاً على عربة ، والذي كان هو أباه الحقيقي ، تنمر كل منهما للآخر بشأن إفساح الطريق ، ونشب بينهما قتالاً ، انتهى بمقتل الملك على يد أوديب ، وهو لا يعلم أنه قد قتل والده الحقيقي.

استكمل أوديب طريقه تجاه المدينة التي كان يتولى والده الحقيقي أمرها ، وأثناء الطريق قابل أبو الهول ، الذي كان يطرح على المسافرين أحجية ، فإذا أجابها لمسافر نجى ، وإذا لم يجب ، قتله أبو الهول بوحشية ، فطرح على أوديب سؤالاً فأجابه .

في هذا الوقت ساد الاضطراب بالمدينة ، نظرًا لعدم عودة الملك ؛ فقد قتله أوديب قبل قليل دون أن يعلم أنه قد قتل والده ، واتفق الحكماء بالمدينة على تنصيب أول شخص ينجٌ من أبو الهول ، وبذلك يصبح ملكًا عليهم .

بالفعل دخل أوديب إلى المدينة وتم تنصيبه ملكًا ، وتزوج من أمه الحقيقية دون أن يعلما بأنه ابنها ، وعقب ذلك اندلع الخراب في المدينة ، وصرّح الحكماء بأن اللعنة لن تذهب سوى بقتل من قتل الملك ، فأقسم أوديب بأن يتعقب هذا القاتل .

وبعد بحث مضنٍ لجأ أوديب لأحد السحرة يسأله من قتل الملك ، فرفض الساحر إخباره ، ومع إصرار أوديب وحدوث مشادة كلامية مع الساحر أخبره الأخير بأنه هو من قتله ، في هذا الوقت جاء رسول من المملكة الأخرى ليخبر أوديب بأن والده قد مات .

ففرح أوديب بأن نبوءة العرافة لم تتحق وأنه لم يقتل أباه ، فأخبره الرسول بقصته مع الراعي ، وعلمت هنا أمه بأنها قد تزوجت ابنها ، فشنقت نفسها ، ثم ذهب أوديب وفقأ عينيه جزاءً لنفسه على قتل أبيه ، وسار بعدها أوديب هائمًا في الوديان بعد ترك مدينته ، انتهت قصة أوديب ، ولم تنته دراسات فرويد حول الأمر ، في محاولة منه لكشف أسرار تلك العقدة التي تنشأ في الطفولة.

By Lars