في إحدى ليالي الشتاء ، رقدت جثة امرأة شبه عارية ليس عليها ما يسترها ، سوى قميص بالكاد يغطى صدرها ، وتبين من الفحص المبدئي ، أنها امرأة ثلاثينية ، عرفها بعض شهود العيان ، بأنها مومس تعمل في أحد شوارع ، مدينة دالاس .
كانت تلك المرأة قد ماتت إثر طلقة نارية ، اخترقت رأسها من الخلف ، وبدا أن المجرم كان حريصًا على عدم ترك أي أثر خلفه ، فاستخدم واقيًا ذكريًا ، كما أن القاتل يبدو أنه يتمتع ، ببنية جسدية متميزة ، فالمسرح الذي وُجدت فيه الجثة ، كان نظيفًا للغاية ، وهذا يعني أن القاتل ، قد نقلها من مكان ارتكاب الجريمة إلى المكان الذي وجدت به ، هنا كان تشريح الطب الشرعي هو الحل لهذا اللغز.
جاءت نتائج التشريح صادمة ، ويبدو أنه لم ينتبه أحد لتلك النقطة ، بسبب أن الجثة كانت مغمضة العينين ، فالجثة كانت بلا أعين ، انتزعها القاتل بلا رحمة ، ولكن باحترافية أيضًا ، فهو قد يصنف ضمن العاملين بالمجال الطبي ، قد يكون جراحًا متمرسًا ، أو عمل لفترة بالمجال الطبي ، حيث انتزع القاتل العينان من محجريهما دون أن يُتلف القرنية ، بعد أن فصل الأعصاب الست التي تربطها بمكانها ، كما انتزع العصب البصري دون أن يتلف الجفن .
هنا علم رجال التحقيقات ، أنهم قد يكونون أمام قاتل متسلسل ، يحصل على تذكار من جسد ضحيته ، وبالتالي سوف يكرر فعلته ، ولأخذ الحذر ، بدأ المحققون في التعرف على السفاحين ، ممن يعملون بتلك الطريقة ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، وظل السؤال الأهم يراودهم ، ألا وهو: من هو سفاح العيون ؟
تشارلز ألبرايت :
ولد تشارلز لأم مجهولة ، قيل فيما بعد أنها كانت طالبة جامعية ، هجرها عشيقها بعد أن علم بخبر حملها ، فاضطرت لإيداع تشارلز بأحد دور الأيتام ، وعقب ثلاث أسابيع كانت عائلة ألبرايت ، قد تبنته .
كانت أمه بالتبني ، تخشى عليه كثيرًا ، وكانت تعمل معلمة إلا أن سلوكها تجاه تشارلز ، كان ينم عن أمراض نفسية عميقة ، فقد كانت تجعله يرتدي ثياب الفتيات ، بدلاً من الصبية ، وكانت صارمة جدًا بالتعامل معه ، مما تسبب في عزلته ، بسبب عقابه على أتفه الأخطاء .
وعند بلوغ تشارلز الحادية عشر عامًا من عمره ، لاحظت أمه اهتمامه بمسألة اصطياد الحيوانات ، والاحتفاظ بها بطريقة أشبه بالتحنيط ، فقامت بإرساله لأحد المختصين ، لتعليمه فنون التحنيط ، وكان أكثر ما أثار تشارلز هو رؤيته للعيون ، الزجاجية التي توضع مكان الأعين الحقيقية ، حتى أنه عندما حاول سرقة البعض منها ، لشدة شغفه تم طرده من المحل .
تم ضبط تشارلز متلبسًا بجرائم سرقات ، وعمليات سطو مسلح وهو بعمري الثالثة عشر والسادسة عشر من عمره ، ليتم حبسه أكثر من مرة ، كان آخرها لمدة عام واحد بالسجن .
صار تشارلز شابًا يافعًا واستكمل تعليمه الثانوي ، والتحق بالجامعة إلا أنه ضُبط متلبسًا بسرقة بعض الأشياء ، من كليته فتم طرده ، وتركته صديقته بسبب هذا الموقف ، فقام بتمزيق صورها ، وترك عينيها فقط .
بعدها بفترة تعرف على مدرسة بالكلية ، بعد أن ظل يحوم حولها كثيرًا ، فانجذبت لكلامه المعسول بشدة ، واستطاع أن يسرق مفتاح مكتبها ، ويقوم بتزوير شهادتي البكالوريوس والماجستير ، وتزوجها وأنجبا طفلة .
لم تكن حياة تشارلز الزوجية مستقرة ، وحدث الطلاق عقب مرور بضعة أعوام ، بعدها تنقل تشارلز بين لعب كرة القدم ، والرسم فطلب منه أحد جيرانه ، أن يرسم له زوجته ، فرسمها تشارلز ولكن دون عينان ، فألح عليه الجار باستكمال اللوحة ، ودفع له مقابلاً ضخمًا ، فاستكملها له .
بعدها ضُبط تشارلز ببضعة مسروقات ، وتم إطلاق سراحه ثم ضُبط متلبسًا بسرقة مبلغًا ماليًا ، وذهبت والدته ودفعت له المال ، وتم حبسه عامان ، ولكن توفيت والدته مما تسبب له بحزن شديد ، فذهب ليقيم لدى أحد أصدقائها ، بعدها تقدم صاحب المنزل بشكوى ، ضد تشارلز متهمًا إياه بالتحرش بابنته ذات التسع أعوام ، فاعترف تشارلز تخفيفًا للحكم ، ثم ترك المكان .
جرائمه :
التقى تشارلز بزوجته الثانية ، التي انجذب لها وبادلته الاهتمام منذ أول لحظة ، وقاما بالزواج وسددت هي ديونه ، وعمل هو بوظيفة موزع جرائد ، تلك الوظيفة التي مكّنته من ارتكاب جرائمه .
كانت الضحية الثانية ، مومس أيضًا وجدت مثل الأولى شبه عارية ، وبرأسها ثلاث طلقات نارية ، وواحدة بالقلب وبالفعل كانت العينان منزوعتان ، هنا أدرك المحققون أنهم أمام قاتلاً متسلسلاً ، فبدؤوا بالتحري وهم متكتمون الأمر ، حتى لا يعلم السفاح أن رجال الشرطة يطاردونه ، فيغير من موقع جرائمه ، إلا أن الخبر سرعان ما انتشر في كافة أنحاء دالاس .
ظهرت الجثة الثالثة لفتاة سمراء ، وجدت عارية تمامًا إلى جوار سور مدرسة ، وبدا من ملامح الجثة وكدمات الوجه ، أنها استطاعت أن تنتزع من قاتلها بضع شعيرات من رأسه ، أثناء مقاومتها ، ويبدو أنه كان على عجل من أمره ، حيث انكسر المشرط في عينها اليمنى وهو ينتزعها .
اعتقال السفاح :
بفحص الشعيرات التي وجدت بيد الضحية الثالثة ، تم اعتقال تشارلز ألبرايت من منزله ، أمام ذهول زوجته ديكسي ، ولكنه سار مع الشرطة بهدوء ، أنكر تشارلز علاقته بالجرائم ، وأنه سمع اسم الضحايا من قبل ، مما تسبب بتوتر المحققون ، فقد تنهار القضية إذا لم يثبت ذلك ، خاصة مع اختفاء سلاح الجريمة ، وعدم وجود مقل الأعين ، كما تراجعت إحدى المومسات عن شهادتها ، خوفًا من تشارلز ، بينما ذكرت زوجته أنه لم يخرج من المنزل في تلك الأوقات .
ولكن ما دحض حججهن هو وجود شعر ، الضحايا الثلاث في سيارة تشارلز ، فوجدته المحكمة مذنبًا ، وحُكم عليه في قضية واحدة فقط من الثلاث ، ونال حكمًا بالسجن مدى الحياة .