عندما دخل رجال الشرطة إلى أقصى منزله ، محطمين له الباب الخشبي القديم ، كان ما وجدوه مثيرًا للغثيان ، إلى أقصى درجة ، حتى إن بعضهم قد تراجع إلى الوراء إثر الرائحة محاولين إخفاء أنوفهم بأصابعهم ، ولكن الرائحة كانت قاسية ماحقة حتى أنهم لم يستطيعوا لها ردًا .

تعجب :
ثم جاء مصور الشرطة ، والذي تسلح بكمامة واقية ، جعلت أنفه منيعًا نوعًا ما نحو الرائحة ، وبدأ يلتقط صورًا للمشهد العجيب أمامه وهو يفكر : ما الذي خطر ببال هذا الشخص ، حتى يفعل هذا الأمر ؟

المتهم والمرآة :
وهذا السؤال دار بدوره في أعماق محقق الشرطة ، الذي كان ينظر إلى ساعته بين الحين والآخر مستعجلاً عودة المصور ، ويرمق عبر نافذة خاصة المتهم إياه ، تلك النافذة كانت تسمح له برؤية المتهم مانحة المتهم من الناحية الأخرى ، مرآة كبيرة يرى فيها نفسه ، هذه الحقيقة أثارت فزعه لأنه أدرك فجأة أن المتهم ينظر إليه عبر النافذة ، بثبات مثابر وروح عالية ، ثم فجأة ، ابتسم المتهم للمحقق الذي تراجع إلى الخلف خطوة بخوف كبير ، ولم يخطر بباله على الإطلاق وهو يبحث لنفسه عن كوب ماء ، أن المتهم كان يبتسم لانعكاسه هو نفسه في المرآة .

مواجهة :
دفع المحقق باب غرفة التحقيق ودخل ، جلس على الكرسي في الناحية الأخرى من الطاولة دون أن يخلع معطفه ، وإن تأكد بأن حركته التي يتصنعها عفوية ، والتي تسمح للمتهم برؤية المسدس الآلي المعلق تحت إبطه ، قد تمت بالطريقة المسرحية التي أرادها تمامًا .

رائحة تثير الغثيان :
جلس بهدوء للحظة ، ثم دفع الصور تحت أنف المتهم ، وطلب منه أن يحكي..لم يقاوم الأخير ، لم يتنهد ، ولم يعط أي اشارة على التردد ، بدأ في الحديث فحسب ، بدأ هوسه بسكان الشقة 17 في البناء رقم 6 بشكل مفاجئ ، كان يأتي لجمع القمامة كل صباح ، في تمام العاشرة ، يدرك بأنه عمل منفر ولكنه ببساطه العمل الذي اختاره ، تعود عليه ولم تعد روائحه تثير غثيانه ، بل بالعكس ، كان يسمح له بممارسة هوايته المحببة وهي البحث عن الأشياء المميزة واللامعة في أكياس القمامة ، والتي يجدها جاهزة على أبواب الشقق المختلفة .

المتهم وتفاصيل الحادث :
كان يستمتع بإلقاء النظرات الفاحصة على القمامة ، ويدرك منها الكثير من الأسرار ، فهو مثلا أدرك عمل السيدة المحترمة المقيمة في الطابق الرابع والتي تحتل شقتها مساحة أربع شقق فيه ، أدرك عملها من كمية أكياس الواقي الذكري التي يجدها في أكياس قمامتها كل جمعة واثنين .

كما علم المراحل الدراسية لأبناء الموظف ، الذي يحتل احدى شقق الطابق السادس ، مع عائلته عبر كتبهم المدرسية التي يرمونها في آخر كل عام ، أدرك قصة الحب التي تشعل أحداثها بين ابن عائلة الدور الثاني وابنة عائلة الدور الخامس وأعجب بتفاصيل رسائلهم الغرامية ، والتي تقوم الشابة بتقطيعها خوفًا من أن يراها والدها .

الشقة 17 :
ولكن الشقة 17 كانت دائمًا غليقة عليه ، لم يدرك كنن ساكنيها على الاطلاق ، رغم بحثه الجاد في قمامتهم بشكل دوري ، حتى جاء ذلك اليوم الذي وجد في القمامة باقة ورد حمراء شاب وردها بعض الذبول ! حملها بين يديه ، وحك رأسه للحظات ، وتخيل المشهد كامل داخل عقله ..

يدخل الزوج الحبيب من باب الشقة ، حاملاً باقة الزهور الحمراء ، يقدمها لحبيبته وزوجته ويركع على قدم واحدة ، يقبل لها أصابعها كما في الأفلام قبل أن تربت على كتفه داعية اياه للعشاء ، يبتسم لها ويقفز حاملا  اياها بين يديه ، ويقبلها فتقع باقة الورد أرضًا فيبتسم الزوج ويعدها بسبع باقات بدلاً منها في الغد ، ويستحلفها ألا تحاول حتى رفعها من الأرض .

الزوجان في شقة 17 :
لم يكن يعرف أن الزوج قد جاء بباقة الورد هذه أمس لزوجته ، رماها لها على منضدة المطبخ واحتضنها من خلف ظهرها إذ تغسل الأطباق غير مبالية به ، أخذ يقبل رقبتها بشكل جنوني فنفضته عن كتفها باحتقار ، عندما شمت رائحة الخمر المنبعثة منه .

هوس الشقة 17 ومفاجأة منظرة :
أصبحت شقة رقم 17 ، هاجسا حقيقيًا لرجل القمامة ، أخذ كل يوم يجمع قمامتها بشكل جيد ، ويفرزها دون أن يدع قطعة منها دون دراسة ، وقل اهتمامه رويدًا رويدًا بقمامة الآخرين ، الذي اكتشف أسرارهم وعرف حكاياتهم بالفعل .

صحيح أنه في بعض الأحيان لا يزال يجد غرائب ، ملفته للنظر في قمامة الآخرين ، كبقايا سجائر حشيش التي وجدها في قممه الموظف وعائلته ، والتي عرف حقيقتها الملغومة بالشم ، أو علب الجبن الفاخر التي رماها الشابان اللذان يسكنان فوق السطح ، في شقة صغيرة  دون أن يكملاها بعد استغرابه لطعمها المختلف عن طعم جبن قريتهم … في حين ظلت الشقة 17 ذات قمامة نظيفة من الأسرار عارية التكهنات ، حتى وجد في أحد الصباحيات لغزًا جديدًا .. مجموعة من الأطباق المحطمة استقرت في قعر كيس تنتظره لدراستها .

خيالات جامع القمامة :
لابد أن الزوج دفعها بيده غير عابئ بها ، عندما داعبته الرغبة في زوجته الآن وحالاً ، دفعها برقة فوق طاولة المطبخ ، وأسقط الأطباق ليحطمها أرضًا ، تململت الزوجة للحظات إلا أن قبلاته جعلتها تتجاهل الأمر برمته ، في حين أن الواقع هو أن الواقع هو أن الزوج قد كسرها أمس عندما جاء يطالب ، زوجته بحقوقه الزوجيه ، إلا أنها رفضت وطلبت منه بهدوء أن يطالب عاهراته المختلفات اللواتي يقابلهن بشكل دوري ، بما لم تتحمله هي منه .

فرصة لم تعوض :
بعد صباحات عديدة ، لاحظ جامع القمامة أمرًا أطار صوابه ، وكاد يجن من أثره ، لقد لاحظ لمعة براقة في باب الشقة 17 ، من باب الشقة يتدلى مفتاح صغير ذو ميدالية فضية ، اقتر وخاف أن يصدر أي صوت أن يفتح الباب ، فتضيع عليه الفرصة ، مد أصابع مرتجفة وأخذ يسحب المفتاح من القفل ، دون صوت ، وما إن صار المفتاح بين يديه حتى فتح الباب بالفعل !

الزوجة والمتهم في الشقة17 :
تراجع هو والزوجة من أثر المفاجأة ، وأخفى المفتاح بين أصابعه وهو يرمق الزوجة ، بعينين واسعتين ، وعندما نطقت تسأله عما يريده ، أجابها بأنه يجمع القمامة ، ابتسمت له ، استطاع أن يشم رائحة ابتسامتها دون أي عائق ، قبل أن تدخل إلى المطبخ لتغيب لثوان ، سمحت له أن يستعيد أنفاسه من انبهاره بها ، وتعود بكيس قمامة نظيف وتعطيه إياه باليد وهي تبتسم .

ابتسم لها ابتسامة بلهاء قليلاً ، فهمت منها ما يعنيه ، فتحت حقيبتها كي تعطيه نقود ، إلا أن الحقيبة وقعت من يدها فتدحرج خارجها أحمر الشفاه الخاص بها محطمًا ، تأففت فأخذ هو أحمر الشفاه المحطم ووضعه في كيس القمامة ، وابتسم لها وغادر ، رمقته للحظات قبل أن تدرك بأنها نسيت أن تعطيه نقودًا ، ثم فكرت ربما في المرة القادمة .

الزوج المخمور لشقة 17 :
في تلك الليلة دق الزوج الباب في الرابعة صباحًا ، كان مخمورًا ويتهم زوجته بأنها أخفت سلسلة مفاتيحه ، لكنها حافظت على هدوئها المعتاد وهي تسأله إن كان قد أوقعها في واحدة من زجاجات الخمر !

الخطة :
لم يأت رجل القمامة في الصباح التالي المعتاد ، وصل إلى البناء في 6 متأخرًا قليلاً ، انتظر تحت البناء حتى شاهد الزوجة تخرج وتغادر المنزل ، وبالطبع الزوج قد غادر صباحًا ، لابد أن الأخير يكد عرقًا من أجل ارضائها ، ولابد أن تهديه قبلات صباحية على الهاتف كل يوم ، صعد رجل القمامة السلالم حتى وصل إلى طابق الشقة 17 ، ودون تردد فتح الباب بالمفتاح ودخل ، وأقفل الباب خلفه !

اكتشاف السر:
الآن هو هناك في قلب السر الصغير ، يستطيع أن يرى بنفسه ويحكم ، ويعيش تلك الحياة الصغيرة ، وجد نفسه في المطبخ ، كل شيء نظيف ومرتب ، كل شيء هادئ إلى أقصى الدرجات ، هناك لمحة لطيفة على كل الأشياء تدل على نظافتها ، هناك أناقة واضحة في ترتيب معدات المطبخ ، والثلاجة تلقي بريقًا خاطفًا عن عينيه .

عندما فتحها كانت الأطعمة والمشروبات مرتبة بشكل أنيق وواضح ، مد يده وسحب زجاجة مياه غازية ، سحبها وبدأ يشربها بهدوء ، اتجه إلى غرفة الصالة ، الأناقة تلاحق المكان ، الهدوء والجمال يتبعانه أينما تحرك ، رأى منامه رجالية على الكرسي نظر إليها ثم قام بخلع ملابسه وارتداها ، سعد بها وسعد بإحساسها على جلده ، ثم قام بتشغيل المذياع على اذاعة الأغاني وجلس على أحد الكراسي ، وبعد ساعتين قرر الرحيل ، خلع المنامة وارتدى ثيابه ، وفتح الباب وخرج ، وقرر أنه مادام هنا فليقم بعمل اليوم !

خيانة الزوج :
صعد السلالم وبدأ بجمع القمامة وعلى السلالم قابل وجهًا مألوفًا ، كان الزوج يفتح باب شقة السيدة المحترمة في الدور الرابع ويخرج منها وهو يطبع قبلة حارة على شفتيها الحمراوين ، نظر إليه بذهول دون أن يتكلم !

نهاية جامع القمامة :
اشتكى جيران رجل القمامة من الضجيج الذي يصدر من شقته وطلبوا الشرطة ؟ حطم رجال الشرطة الباب ، بعد محاولات مضنية بأن يقنعوه في فتح الباب ، دون جدوى ودخلوا ، وجدوا أشلاء مبعثرة لأشياء رماها أشخاص آخرون ، وجمعها رجل القمامة ، كتبًا مدرسية ، ورسائل غرامية وقطعًا زجاجية ونحاسية ، كلها محطمة ومبعثرة على الأرض ، يجلس بينها رجل القمامة وأصابعه مدماة !

يمسك بيده شهادة الدكتوراه الخاصة به ، ويسند ظهره إلى الحائط ، الذي علقت على جدرانه بعض الورود الذابلة ، والأطباق المكسرة ، ومرآة جميلة كتب عليها بخط من أحمر شفاه جميل : لماذا أنا دائمًا نتن الرائحة لا تطاق ، ولكن المشهد بأكمله كان رومانسيًا حزينًا .

Lars

منشور له صلة

صفات المرأة في الحب وفقاً لبرجها

صفات المرأة في الحب وفقاً لبرجها تختلف صفات المرأة في الحب من برج إلى آخر،…

دقيقة واحدة منذ

نساء الأبراج الأكثر دلالاً

نساء الأبراج الأكثر دلالاً هذه هي أبراج النساء الأكثر دلعاً ودلالاً يتمتع بعض الأبراج بسمات…

57 دقيقة منذ

كيف يتفاءل كل برج

كيف يتفاءل كل برج ما الذي يجعل كل برج يشعر بالتفاؤل والأمل؟استكشاف الجوانب التي تحفّز…

ساعة واحدة منذ

أكثر الأبراج عصبية هل برجك بينها

أكثر الأبراج عصبية هل برجك بينها ترتيب الابراج حسب عصبيتها تختلف الأبراج عن بعضها في…

ساعة واحدة منذ

رقم حظك من تاريخ ميلادك

رقم حظك من تاريخ ميلادك يمكنك معرفة رقم الحظ الخاص بك بطرق مختلفة، تعتمد إحداها…

ساعة واحدة منذ

حظك في الزواج حسب برجك

حظك في الزواج حسب برجك الزواج وأسراره يمثلان جانبًا مثيرًا للكثيرين، وتلعب الأبراج دورًا كبيرًا…

ساعتين منذ