كانت سيارة الرحلات ذات الطابقين على وشك القيام ، وركابها الاعلون المرحون قد بوأهم مقاعدهم قيم السيارة المهذب ، وكان الشارع الجانبي الذي وقفت فيه السيارة يعج بهواة النزهة ، الذين وقفوا يتطلعون إلى زملائهم ، مبرهنين على صواب القانون الطبيعي الذي يقول أن كل كائن حي على وجه الأرض فريسة لكائن آخر .
ورفع الدليل المذياع ، أو قل آلة التعذيب ، وراح بطن السيارة يخب ويوضع كأنه قلب مدمن قهوة ، وأخذ الركاب الأعلون يلتصقون في مقاعدهم خشية السقوط ، وصرخت سيدة تطالب بإنزالها إلى الأرض .
المصادفة خطفت قلبين :
ولكن إليكم قبل أن تقوم السيارة ، ديباجة ستجلو لكم صفحة ممتعة من رحلات الحياة ، إن الرجل الأبيض يتبين الرجل الأبيض بغابات افريقيا في مثل لمح البصر ، والأم ووالديها يتبادلان التحية ، الروحية في سرعة وثقة ، والكلب وسيده سرعان ما يتفاهمان عبر الخليج الضيق ، الذي يفصل بين الانسان والحيوان ، وما أوجز وما أذكى تلك الرسائل الخاطفة التي يتبادلها العاشقان !
لكن كل هذه المناسبات لا تبعث إلا تيارًا بطيئًا متسكعًا من التعاطف وتبادل الخواطر ، إذا قيست بمناسبة سترفع سيارة الرحلات عنها الستار ، فستعرف منها كيف يتواصل في مثل خطف البرق قلبان اثنان ، من بين قلوب أهل المعمورة ، جمعت بينهما المصادفة وجها لوجه .
الكلمة العليا في ربيع الحب والحياة :
دق الجرس ، وتحركت السيارة بعظمة ، نحو وجهتها التثقيفية المرسومة ، وجلس في المقعد الخلفي الأعلى جيمس ويليامز ، من ولاية ميسورى ، هو وعروسه ، والكلمة الأخيرة تلك هي الكلمة العليا في ربيع الحب والحياة ، فان العروس هي عبير الزهر ، ومجاج النحل ، وتغريدة البلبل والقطرة الأولى من طل الربيع ، وشذى قشدة الليمون على كوكتيل الوجود ، إن الزوج تقدس ، والأم توقر ، ورفيقة الصيف تستطاب ، ولكن الخطيبة هي بين هدايا الزفاف .
ومضت السيارة في طريقها ، ووقف ربان هذه النسافة الضخمة ، على مراقبة يصف لركابها مشاهد المدينة الكبيرة ، من خلال بوقة ، وراحوا يستمتعون ، فاغري الأفواه ، مفتوحي الآذان ، لا وصافة وهي تهدر أمام أبصارهم هدير الصواعق ، ثم يستجيبون بأعينهم لتراتيل المذياع ، مذهولين ، حالمين.
نظرة على آل جيمس ويليامز :
ولكن نلقي نظرة ثانية على مسز جيمس ويليامز ، التي كانت تدعى قبل زفافها هاتي تشالمرز ، وكانت أجمل فتاة في قريتها ، فقد ارتدت ثوبًا سماويًا ، فزانته ، وأعارها الوردة الحمراء الوجنات ، أما البنفسج فان عينيه ليست في حاجة اليه ، وكان شريط من الحرير مربوطًا تحت ذقنها ، كأنما يمسك القبعة في مكانها ، وعلى وجه جيمس ويليامز كانت ترتسم مكتبة صغيرة ، حافلة بأجمل ما في الدنيا من كتب ومجلدات .
يحتوي المجلد الأول منها على اعتقادها في أن جيمس ويليامز لا بأس به ، والثاني على مقال عن الحياة كمكان ممتاز ، والثالث يعبر عن يقينها أنهما وهما يجلسان في أعلى مقعد من هذه السيارة الفخمة ، كانا يقومان بسياحة تجل عن الادراك ، لعلك تكهنت أن جيمس ويليامز كان في الرابعة والعشرين من عمره ، وهو ربع القامة ، نشيط وعريض الفك ، دمث الطباع ، ناجح في عمله وحياته الأسريه !
لعلنا نستعيد شهر العسل :
أيتها الأقدار العزيزة لا تمنحينا مالا ولا شهرة ،ولا رياسة ، ولا شعرًا جديدًا في رؤؤسنا ، وبدلًا من أي منها ، اجعلينا نطوي الزمان القهقري ، ونستعيد نطفة صغيرة من رحلة عرسنا في شهر العسل ، ولو ساعة منها أيتها الأقدار ، لعلنا نتذكر منظر العشب والشجر ، ونرى من جديد شريط القبعة الحريري تحت ذقن العروس ، حتى لو كان ما يمسك القبعة هو الدبوس ! ليكن! وحسبنا نتبع هذه السيارة إذن ..
الفتاة ذات الرداء الأحمر :
كانت تجلس أمام مسز جيمس فتاة ترتدي سترة فضفاضة حمراء ، وقبعة من القش محلاة بالأعناب والورود ، وما أقل ما يتاح لنا الحصول على العنب والورد معا ، وكانت هذه الفتاة شاخصة إلى المذيع بعيونها الواسعة الغزيرة الزرقاء ، وهو يعلن بصوته الهادر أن أصحاب الملايين فئة يجب أن نهتم بأمرهم ، فإذا سكت لحظة ، عمدت إلى نوع من الفلسفة في شكل قطعة لبان .
الشاب ذو العينين المتحفزتين :
ويجلس علي يمين هذه الفتاة ، شاب يقارب الرابعة والعشرين ، نشيط عريض الفك ، دمث الخلق ، ولكن ايانا أن نقارن بينه وبين جيمس ويليامز ، أو أن نظنه قرويًا مثله ، فان هذ الرجل ينتمي إلى الشوارع الوعرة ، والنواصي المظلمة ، وينظر حوله بعين متحفزة ، كأن بينه وبين الأرض التي تطأها أقدام المارة ثأرًا ، وهو يتطلع إليها من مقعده الرفيع .
تبادل النظرات وذكريات :
ان الفتاة ذات السترة الحمراء ، تلتفت خلفها لترى زملائها ، الذين يشغلون المقعد الخلفي الأخير ، فقد فرغت من دراسة كل الركاب الآخرين ، تلاقت عيناها بعيني مستر جيمس ويليامز وفي مثل ارتداد الطرف تبادلت الاثنتان كل ما مر عليهما في الحياة من تجارب ، وقصص وآمال وأوهام ، وتذكر ان ذلك كله حدث في تبادل النظرات وتجاوبها دون تلفظ لا أكثر ، وفي لمحة لا تسمح لرجلين أن يشهرا سلاحهما للمبارزة ، أو يستعير أحدهما من الآخر عود ثقاب .
رجل أسود الثياب يستوقف السيارة :
وانحنت العروس على زميلتها ، وتبادلتا سيلا متدفقا من الألفاظ ، تحرك فيه اللسانين بسرعة لساني حيتين ، واختتم الحديث بابتسامتين وعدة هزات من الرؤوس ، وفي هذه اللحظة وقف رجل أسود الثياب أمام السيارة ، في الطريق العام ، وقد رفع يده يستوقفها ، ولحق به من منعطف الطريق رجل آخر ، وسرعان ما قبضت الفتاة ذات القبعة المحلاة بالفاكهة على ذراع رفيقها ، وهمست همسة في أذنيه ، فبرهن الشاب على قدرته على التصرف عفو الخاطر .
فقد تضاءل في مقعده ثم اختفى ، ورآه قرابة ستة أشخاص من ركاب الطابق الأعلى ، وهو يقوم بهذه الحركة فدهشوا ، ولكنهم لم يقولوا شيئًا ، لأنهم حسبوا أنه من اللياقة ألا يبدوا دهشة ، مما لعله يكون طريقة عرفية للنزول من السيارة في هذه المدينة المربكة .
القبض على جيمس ويليامز :
وعادت الفتاة ذات السترة الحمراء ، فتلفتت نحو مسز جيمس ويليامز ، ونظرت إلى عينيها ، ثم اعتدلت في مجلسها ، كأن لم يكن شيء ، وفي الوقت التي توقفت فيه السيارة ، عندما رأى السائق بريق شارة شرطي ، قال المذيع للشرطي : ماذا وراءك ؟ ، قال الشرطي آمرًا : أوقف السيارة دقيقة ، أن على ظهرها رجلا نطلبه ، وهو لص من فلادلفيا يدعى بنكي ماكجواير ، وهاهو ذا على المقعد الخلفي ، ثم التفت إلى زميله قائلاً : عليك أن تذهب إلى مؤخرة السيارة يا دونوفان .
ومضى دونوفان إلى مؤخرة السيارة ، وثبت عينيه على جيمس ويليامز ، ثم قال في انشراح : هيا أيها المقامر العتيد ، لقد وضعنا أيدينا عليك ، هيا لتعود من حيث جئت ، أنها فكرة لا بأس بها أن تختبئ في سيارة الرحلات ، وسأتذكر هذه الطريقة في المستقبل !!
اشتباه :
وقال المذيع في مذياعه بصوت خفيف: من الخير لك أن تنزل يا سيدي ، لتوضح موقفك ، فان على السيارة ان تمضي في رحلتها ، لقد كان جيمس وليامز عاقلا ، فاتخذ سبيله إلى مقدمة السيارة ، بخطى وئيدة ، بين الركاب وهبط السلم ، وتبعته عروسه ، ولكنها قبل أن تنزل تلفتت إلى الخلف ورأت السائح الفار يتسلل من خلف عربة الأثاث ، ويختفي وراء شجرة على حافة المنتزه وعلى بعد لا يزيد عن عشرين مترًا .
وعندما هبط جيمس إلى الأرض واجه مطارديه بابتسامة ، وهو يفكر في القصة الطريفة التي سوف يقصها على اهل قريته عن الاشتباه فيه كلص ، وتريثت السيارة هنية واحترامًا لرغبة ركابها ، الذين ما كان ممكن أن يشوقهم شيء أكثر من هذا المنظر !
الدفاع عن النفس :
وقال جيمس في هدوء حتى لا يكدر خواطرهم : اسمي جيمس ويليامز ، وأنا من كاوفرديل بولاية ميسوري ، ومعي رسائل تثبت ان ..وقال الرجل ذو الثياب المدنية : تفضل بمرافقتنا فان أوصاف بنكي ماكجواير تنطبق عليك ، انطباق القميص الضيق ، ولقد رآك مخبر على هذه السيارة في المنتزه الكبير ، وطلب منا بالتليفون أن نحتجزك ، فإن كان لديك دفاع ، فاحتفظ به حتى نصل إلى المركز .
وتطلعت إليه العروس ، عروسه التي لم يمض على زفافها غير أسبوعان ، وملأ عينيها اشراق صافي وعجيب ، ثم قالت له وجها لوجه : اتبعها في هدوء يا بنكي ، ولعل ذلك سيكون في صالحك ! وعندما تحركت السيارة ، تلفت إليها ، وأرسلت إلى شخص ما في مقعد من مقاعدها الخلفية قبلة في الهواء ، .. وقال دونوفان : إن زوجتك تمحصك النصح يا ماكجواير ، فهيا بنا الآن !
مقاومة القبض :
وعندئذ جن جنون جيمس ويليامز ، فدفع قبعته إلى آخر قفاه ، وقال في غيظ وحنق : أن زوجتي تحسبني لصًا ، وما عرفت عنك الجنون قط ، فلابد أن أكون الآن المجنون ، ولئن كنت كذلك فلن يصنعوا بي شيئًا إن قتلتكما كليكما في ثورة جنون ! ونشط إلى مقاومة القبض عليه ولجأ للعنف ، فانطلقت الصفافير ، تستغيث وتهاوى رجال الشرطة في كل مكان ، بعضهم يقبض عليه ، والآخرون يفرقون الجمع الحاشد من المتفرجين .
أنا اللص اللعين :
وفي مركز الشرطة ، سأله الجاويش المناوب عن اسمه ، فقال : ماك دودل الأحمر ، أو بنكي الشرير ، فقد نسيت بأيهما سميت ، وتستطيع أن تثق بأني لص ، وإياك أن تنسى ، ويمكن أن تضيف أن القبض على بنكي قد تطلب خمس رجال من الشرطة ، فان لي رغبة خاصة أن تذهب هذه الحقيقة في السجلات !
بعد مرور ساعة من القبض :
ولم تمضي إلا ساعة ، حتى جاءت مسز جيمس وليامز مع عمها توماس المقيم بأحد الاحياء الفخمة في نيويورك ، يركبان سيارة فاخرة ، ومعهما الأدلة الدامغة على براءة البطل ، وبعد أن وبخ المحقق جيمس على تقليده للص مسجل ، وأفرج عنه بأكرم أسلوب يمكن أن يتبع في المركز ، أعادت مسز ويليام القبض عليه ، وانتحت به جانبًا ، فنظر إليها جيمس ويليامز بعين واحدة ، فقد أغلق دونوفان الآخرى عندما تعلق أحد الشرطة بذراعه الأيمن ، وما كان حتى اليوم قد وجه إليها كلمة زجر أو تأنيب ، ولكن قال لها في حدى : ألك أن تفسرين لي كيف ؟
حل اللغز :
قالت له استمع إليّ يا عزيزي ، انها ساعة ألم ، ومحنة لي ولك ، ولكني صنعت ما صنعت من أجلها ، أعني الفتاة التي كلمتني في السيارة ، لقد كنت من السعادة بوجودي معك يا جيم ، بحيث لم أجرؤ على أن أضن بالسعادة على امرأة أخرى ، جيم انهما تزوجا هذا الصباح ، هذين الاثنين ، ورغبت في نجاته ، وعندما كان رجال الشرطة يتعاركون معك ، رأيته يتسلل خلف الشجرة واختبأ وراءها ، ويركض عبر المنتزه على ملئ الأنظار ، وهذا كل شيء يا عزيزي ، فلقد كان لزاما أن أصنع ما صنعت .
أخوات الرحمة :
وهكذا تعرف كل عروس أختها ، الواقفة في مسقط الضوء ، الذي لا يسطع إلا مرة في حياة المرء ، والوقت قصير ، والرجل منا لا يدرك أنه في عرس إلا عندما يرى إكليل الزفاف ، ولكن العروس تعرف أختها في ومضة عين ، فيسري بينهما تيار ، من الرضا والتفاهم ، بلغة لا يفقهها رجل ولا تدركها امرأة.
صفات الأبراج بالتفصيل لكل برج صفات خاصة به تميزه عن غيره، وهذه الصفات تبرز في…
الأبراج حسب الأشهر بالارقام الأبراج هي واحدة من المواضيع المثيرة للاهتمام والتي تجذب الكثير من…
الابراج حسب الاشهر دليلك الكامل للأبراج حسب الأشهر الميلادية والهجرية لطالما ارتبطت الأبراج بالتنبؤات والصفات…
توافق الحب والعلاقات حسب الأبراج بالتفاصيل الحب والعلاقات العاطفية يحملان طابعًا خاصًا يتأثر بصفات كل…
أحجار الرزق لكل برج والحب والعمل والنجاح الأحجار الكريمة تمتلك طاقات روحانية، ويُعتقد أنها تؤثر…
أسرار حب وكره الأبراج صفات مميزة تثير الإعجاب وتسبب النفور يهتم كل برج بمجموعة من…