على الرغم من الغموض الذي يحيط بمسألة ، عين الحاسد وارتباطها بالجن والسحر ، إلا أن الثقافات المتعددة قد اختبرت هذا الأمر كثيرًا وتداولته فيما بينها ولكن بطرق مختلفة بداية من الشخص الذي تتمثل في أعينه ، أنها أعين الشيطان الحاسد وحتى طرق الوقاية .
ففي ألمانيا يعتقد السكان المحليون ، بأن الشخص المالك لعين الحسد ، هو الشخص ذو الأعين البنيّة ، وفي أيرلندا يعتقد السكان أن من يملك ، عينًا بها حور أو حول صريح ، فهو يملك صفة الحسد ، أما في أفريقيا السمراء اعتقد الناس ، أن ذوي الأعين الملونة هم من يملكون عين الحسد !
وعن طرق الوقاية منها فحدث ولا حرج ، حيث تباينت الثقافات كافة ، بين العربي والغربي في كيفية الوقاية من عين الحسد ، فكان القدماء يصنعون القلائد المزركشة والتمائم لإبعاد العين الحاسدة ، واشتهر اليونانيون بتلك المعتقدات ، وأطلقوا عليها اسم ماتي ، وابتكروا علاجها بتلاوة بعض التراتيل التي تطلب العون من الآلهة .
وفي روما القديمة استخدم الناس تمائم ، تحمل إيحاءات جنسية صريحة تشير إلى الأعضاء التناسلية ، وذلك حتى تشعر العين الحاسدة بالخجل وتبتعد ! في حين لجأ الإيطاليون إلى تميمة على هيئة ، قرن فلفل يتم ارتداؤه ، فتنصرف العين الحاسدة عمن يرتديها ولعين الحاسد قصة جريمة ، كانت هي محورها .
الجريمة :
وقعت أحداث تلك الجريمة في عام 1910م ، بإحدى قرى ولاية بنسلفانيا ، حيث عاشت بطلة القصة السيدة سوزان مومي وزوجها السيد هنري ، حيث كان هنري يعمل بطاحونة داخل القرية من أجل كسب قوت يومه ، بينما تظل سوزان قابعة بالمنزل تؤدي ، واجباتها المنزلية لحين عودة هنري من عمله .
وكانت الحياة تسير بشكل جيد ، حتى بدأت سوزان في رؤية كوابيس سيئة للغاية أقضت مضجعها ، وبدأت في التحدث إلى هنري بألا يذهب إلى عمله ، خاصة في يوم 5 يوليو القادم حيث تستشعر أن مكروهًا سوف يحدث له في ذلك اليوم .
حاول هنري أن يطمئن زوجته ، وأخبرها أنه لا يستطيع التغيب عن عمله هذا ، فهم فقراء وبالكاد يكفيهم أجر عمله بالطاحون ، فلا يستطيع هو الاستغناء عن أجر هذا اليوم ، ولكن ظلت سوزان على حيرتها وقلقها ، وروت أحلامها لكل صديقاتها ولكن دون جدوى .
جاء اليوم الخامس من يوليو وقفت سوزان عند باب المنزل تودع هنري قبل ذهابه إلى العمل ، وأخذت تذرف الدموع وتمني نفسها بأن تكون كوابيسها مجرد ، أحلامًا عابرة لا تعني شيئًا من الواقع ، ولكن للأسف حل المساء مع الأخبار المفجعة .
انفجرت الطاحونة وكان هنري بالداخل يعمل ، وتمزق جسده إلى أشلاء متطايرة هنا وهناك ، ولكن سوزان لم تجد من يواسيها وإنما هاجمها الجميع ، واتهموها بأنها ساحرة شريرة ، وأنها هي من قتلت زوجها المسكين ، واعتزلها الناس وظلت وحيدة منبوذة داخل القرية ، وصارت نذيرًا للشؤم خاصة بعد وقوع ، عدة حوادث أخرى بعد وفاة هنري ، وكانت سوزان متواجدة دائمًا أثناء وقوع الحادث .
لم تتحمل سوزان التواجد بالقرية وهي منبوذة هكذا ، فقررت الذهاب إلى قرية بعيدة ، وعملت فيها بالفلاحة في إحدى الأراضي الزراعية ، ولكنها عانت من الوحدة وشعرت بالحزن ، لأنها لم تنجب طفلاً ، وهنا قررت الذهاب إلى دار للأيتام لتبني طفل .
أعجبت سوزان بطفلة تدعى توفيليا كانت معاقة ، بسبب حمى شديدة أصابتها وهي رضيعة ، فقررت سوزان أن تتبنى تلك الطفلة الصغيرة ، وعقب مرور بضعة أعوام ، وجدت سوزان طفلاً آخر مصاب بجروح ، فحملته إلى منزلها وعالجته فقد كانت ، تشتهر بقدرتها على علاج الجروح على الرغم من شهرتها السيئة بالنحس والشؤم ، واكتملت أسرة سوزان الصغيرة .
وفي أحد الأيام وبينما كانت سوزان تضمد جراح جاكوب الصغير ، وكانت توفيليا ممسكة بمصباح زيتي لتضيء لها المكان ، إذا بهم يسمعون صوت انفجار ضخم ، سقط على إثره المصباح من يد توفيليا ، وغرق المكان في ظلام دامس أعقبه الصوت مرة أخرى ، فأدركوا أنهم يتعرضون لإطلاق النار ، وصمت بعدها كل شيء ، هنا رفع جاكوب المصباح فوجد توفيليا تبكي ، وانصدم الاثنان بمشهد سقوط سوزان أرضًا وقد اخترقت رصاصة صدرها وكانت السيدة تحتضر ولفظت أنفاسها عقب بضع دقائق .
انطلق جاكوب رغم إصابته على عربة تجرها الخيول ، وذهب إلى مخفر الشرطة للإبلاغ عن مقتل سوزان ، ولكن لشدة فرح الناس بموتها لم يستطع الضابط د أن يجمع الكثير من الأدلة ، وإنما علم بأن الرصاصة اخترقت صدر سوزان الأيمن ومرت بالقلب واستقرت بالمعدة ، لتقتلها .
وبالمزيد من البحث تبين أن شابًا مر بسيارته ، إلى جوار منزل سوزان قبيل الحادث ، ولم يكن التعرف على مالك السيارة عسيرًا ، حيث كانت السيارات نادرة الامتلاك في هذا الوقت .
تبين أن السيارة ملك للشاب ألبرت شينسكي ، ولم يصدق سكان البلدة أن ألبرت الهادئ قد يقدم على مثل هذا الفعل ، وبالطبع ألقي القبض على الشاب والتحقيق معه ، اعترف ألبرت أنه هو بالفعل من قتل سوزان ، وبرر دوافعه بأنه أراد أن يخلص العالم من شرها ، وروى بأنه حمل بندقيته ووضع بها رصاصات سحرية لقتلها ، فقد كان عمله في المزرعة بالفلاحة يدر عليه دخلاً جيدًا ، وكان صاحب المزرعة يشهد بأمانته ، ونشاطه الملحوظ ولكن كان بين صاحب المزرعة ، وتلك السيدة خلافات شديدة ، حيث اتهمته بالتعدي على حدود مزرعتها .
وذات يوم وبينما كنت أقف وأعمل ، لمحت تلك الجارة الشريرة تقف خلف إحدى الأشجار وتنظر لي ، نظرات يملؤها الحقد والحسد بشدة ، وأقسم ألبرت أنه قد شعر بدبابيس تخترق جسده من عينيها ، وبأن هناك أيد تخنقه وتعتصر رقبته .
مرت الأيام وأصيب ألبرت بالهزال ، وانتقل للعمل كسائق في مكان آخر ، بعيدًا عنها ولكنه صار طريح الفراش لا يقو على النهوض ، وكثرت الكوابيس حيث رأى ، قطًا أسود اللون يخنقه ويتضاعف حجمه كل يوم ، فذهب إليها وأخبرها أن تزيل لعنتها عنه ، ولكنها رفضت ذلك وسخر منه أهله ، لما رواه لهم فكان قراره الوحيد أن يقتلها .
فتسلل لها ألبرت وقام بحشو بندقيته ، وذهب إليها وقتلها وفي تلك اللحظة شعر بأنه قد تحرر ، من لعنتها تلك وشعر بأنه على استعداد تام للحصول على الإعدام بالكرسي الكهربائي .
تجمهر المتعاطفون مع ألبرت من سكان القرية ، وطالبوا بإطلاق سراحه ولكن تم نقله للمحاكمة بالمدينة ، حيث أثبت الأطباء أنه لا يعاني من أية مشاكل نفسية ، سوى الارتياب فقط ، وحكم عليه بالإيداع داخل مصحة فايرفو سيئة السمعة ، وقضى بها حوالي أربعين عامًا ، حيث اشتهرت تلك المصحة بسوء معاملة الأطباء والممرضات للمرضى ، ومات منهم الكثيرون ، ليفتح أحد المحامين قضية ألبرت مرة أخرى ، ويطلب له العفو من المحكمة ، وتم إطلاق سراحه عقب مرور واحد وأربعين عامًا ، ليتوفى بعدها بحوالي ثمانية أعوام .