كان الخبر الذي نشرته الصحف ، قبل نحو تسعة أشهر مثير حقًا ، نشرت في حقل الجرائم أن شخصًا معروفًا في الوسط الفني كناقد مسرحي ، قد قتل زوجته طعنًا بالسكين وسحق رأسها بحجارة ضخمة ، في مكان غير مأهول في ظاهر المدينة ، وقد تركها تتخبط بدمائها وانصرف الى بيته ، وكأن لم يحدث له شيء ولم يرتكب جريمة عقوبتها الاعدام !
تطور قضية القتل :
وعندما ألقي القبض عليه ، واجهوه بالتهمة ، أفاد أنه لا يدري ماذا حدث ولا يتذكر من المسألة شيئًا ، بل هو نفسه مندهش من غياب زوجته عنه ليلة وقوع الحادث ، وأخذت القضية تتطور شاقة طريقها القانوني المعتاد ، مثل الناقد المسرحي أمام القضاء ، وألقيّ دفاعًا مستفيضًا بارعًا ضمنه ذخيرته اللغوية والكلامية ، زاعمًا أنه فنان وأديب شديد الحساسية ، كره أن برى زوجته تشغف بحب غيره وتخونه سرًا ، وإذا ما علم بأمرها ، أقدم على قتلها وهو تحت حوافز غير واعية وغير إرادية كالتي تصيب الانسان في ساعات اليأس والمحنة .
مصطلح نفساني :
ومن الطبيعي أن كل قضية يشم منها رائحة اللاوعي ، تتكاتف في اصطلاح نفساني يسمونه الشيزوفرينيا ، أي تنشطر ذات الانسان إلى اثنتين ، أحدهما تريد والأخرى لا تريد ، وإحداهما تأمر والأخرى تأبى أن تطيع ، وتختصم الذاتان وتتحاوران وتتصارعان في معزل عن إرادة الانسان .
الشيزوفرينيا هي التفسير الأمثل لكل جريمة يراد لها التبرير والتعليل ، وقد قلت لنفسي أن الناقد المسرحي سوف يفلت من العقاب ، وقد وقع ذلك بالفعل ، أحيل إلى مستشفى الأمراض العقيلة ، وخرج تقرير من ذلك المستشفي مرصعًا بالشيزوفرينيا ، ويستطيع الشيزوفريني أن يهدم بغداد ويحرق البيوت ويزهق الأنفس ، ولن يخطو خطوة واحدة نحو السجن .
القاتل الوقور :
مضت أشهر وأشهر ثم التقيت مع الناقد المسرحي ذات مساء في مسرح يعرض مسرحية عطيل ، لم أتوثق من شخصيته باديء الأمر ، إذ كانت شهور المحنة والمعاناة قد خلعت على سيماه مظهرًا قاتمًا كئيبًا ، كان أكثر اسمرارا وأثقل وزنًا ، وأحد نظرا وقد طلعت له شعرات بيضاء عند صدغيه ، كان مثله دائمًا يحمل كتبًا وكراريس وعليه امارات الرجل الوقور المستريح الضمير المعني بالفن !
دفعته المصادفة أن يقعد إلى جانبي فتبادلنا التحية ، كأي انسانين التقيا صدفة في مكان واحد ، قلت له : انني أشهد مسرحية عطيل لأول مرة ، أجاب : وأنا كذلك ، إلا أنني قد قرأتها منذ حين ورأيت لها فيلمًا في السينما .
تغيير مشهد النهاية :
ولم يبخل على شكسبير بكلمات مديح كبيرة ، ساردا بعض ملامح المسرح الشكسبيري سرد معلم متفهم متتبع ، وأثنى بصورة خاصة على عطيل ، التي صور فيها شكسبير الغيرة والنفاق والانتقام .
اطفئت الأنوار وتتابعت المشاهد وجاء عطيل ليخنق ديدمونا ، دخل عليها غرفة النوم محترسا زائغ البصر تلمع سحنته السمراء وكأنها برونز ، يتلو دوره الطويل وكأنه راهب في مناجاة إلهية ، ثم انحنى وقبلها ، فاستفاقت ديمونا من النوم وتساءلت من هنا ؟ .. عطيل .. ألا تأتي إلى السرير مولاي ؟
القتل بلا رحمة :
قلت سائلا الناقد المسرحي : ما معنى هذه القبلة ؟ ، كان يجب أن يطعنها بالسكين ويمزق أحشائها ، ارب اربا ويسحق رأسها بالحجارة ، ويهرب إلى مكان بعيد ويتظاهر بنسيان الحادث ، نظرني مليا وكأنه يستذكر حادث ما ، ولكنه لم يتوثق ان كنت أتحدث عرضًا ، أم أهدف إلى غرض معين .
ولاشك أن الطعن بالسكين وسحق الرأس بالحجارة والهروب والتظاهر بنسيان الحادث ، كان لها ردود فعل عنيفة في نفسه ، قال في هدوء وكأنه يحلم : حتى في القتل على الانسان أن يكون رحيمًا ، مؤدبًا ، لا يقتل بضربات أكثر مما يستلزم عملية القتل .
القاتل والضحية :
قلت : إن القتلة في بلادنا لا يصنعون الرحمة والتأدب ، قال في أسف : الجهل وعدم التروي ، والمبالغة في الانتقام .. تمتمت مع نفسي والشيزوفرينيا أيضًا ، ومضى الحوار بين عطيل وديدمونا ، حيث يقول عطيل : كنت ذات يوم في حلب ، وإذا برجل يشتم أحد أهالى البندقية ، فأمسكت بعنقه وطعنته هكذا ، فيطعن نفسه ثم يسقط على السرير ، هتفت : رجل نبيل شعر بضخامة خطأه ، فآثر أن ينتحر بدى من أن يعيش بضمير معذب .
حتى هذه اللحظة لم يتوثق من أنني أعنيه بالذات وهذا ما كبح جماح غضبه ، سأل في ارتباك : من تعني ؟ ، قلت : أعني القاتل الذي ترك ضحيته في عرض الشارع ، ويذهب إلى بيته لينام في ارتياح .
لوم وعتاب صريح :
أضيئت الأنوار وأخذ المشاهدون يتزحزحون عن مقاعدهم ناثرين همساتهم وتعليقاتهم ، يخطون في تريث صوب الباب الكبير ، توقفنا لحظات وفي كل منا رغبة عارمة في أن يصل إلى نتيجة ما ، كنت أريد أن أذكره بجريمته ، وكان يريد أن يتحقق من أنني أعنيه ، لقد سدد إلى وجهي نظرات ملتهبة بحب الاستطلاع ، وعندما بلغنا الموضع الذي يحتم على كلينا التباعد والانصراف قلت في مرارة وسخرية : يبدو أن في أيام شكسبير لم يكتشف بعد مرض الشيزوفرينيا ، والا لارتاح ضمير عطيل ، ولا من عقاب ولا من عذاب ولا من سجن ولا هم يحزنون !!
شيزوفرينيا :
حملق في وجهي في رعب : أنت تعرفني ..أنت تعرفني ..أنت تعرفني ..أنت تعنيني بالذات ؟ قلت في برود : لا داعي لكل هذا الهياج ، أقول أن بعض الناس يختصرون حياة البعض الآخر ، ويبعثونهم قسرًا إلى قبورهم ولا يهمهم بعد ذلك أن يغشوا المسارح ويتظاهروا بالثقافة ، لأن عالما من العلماء اكتشف الشيزوفرينيا ، وبرأهم مما يفعلون ويرتكبون ، انصرفت عنه وكلانا مهتاج نادم مشمئز من أمر ما …
ترتيب الأبراج حسب قوة الذاكرة: من الأقوى إلى الأضعف وأسرار ذاكرة كل برج وتلعب الأبراج…
توقعات برج الحوت اليوم تتوقع النجوم أن يكون لديك يوم مليء بالحساسية والإلهام. قد تجد…
توقعات برج الدلو اليوم تتوقع النجوم أن يكون لديك يوم مليء بالإبداع والتجديد. قد تشعر…
توقعات برج الجدي اليوم تتوقع النجوم أن يكون لديك يوم مليء بالإنجازات والتقدم.قد تجد نفسك…
توقعات برج القوس اليوم يمكنك توقع يوم مليء بالمغامرات والفرص الجديدة.النجوم تشير إلى أن حماسك…
توقعات برج العقرب اليوم على الصعيد المهني والمالي والعاطفي والصحي من موقع عرب كلوب برج…