القسوة في تربية الطفل ، هي بلا شك أمر غير محمود ، فبعد أن يظن لمربي أنه قد أحكم سيطرته ، على تصرفات الطفل لا يجد أمامه ، سوى وحشًا يرغب في كسر القيود التي قد فرضت عليه ، رغمًا عنه لسنوات طوال ، ولم يستطيع الفكاك منها ، لتتحول طموحات وأحلام الكبار بشأن هذا الطفل ، إلى مآس وحياة مختلة تدمرت بفضل ما اقترفه الأبوان ، في حق طفلهما ، وجون هيج أحد أولئك الأطفال الشرسون .
طفولة قمعية :
ولد جون هايج عام 1907م ، في انجلترا لعائلة متدينة ومتزمتة للغاية ، حيث نشأ بين أبوين يحاولان الابتعاد عن آثام المدينة وخطايا البشر ، وكان والده يعمل مهندسًا ، وقد تزمت كثيرًا في دروسه وعقابه لجون ، ظنًا منه أنه هكذا يحمي عائلته الصغيرة من الدنس .
كانت طفولة جون بائسة ، فلم يكن يسمح له بالتحرك سوى لعدة أقدام قليلة خلف المنزل ، وكان يعاقب بقسوة شديدة لأبسط الهفوات ، وهو لا يدري لم كل هذا العنف بحقه ، وعلى الرغم من هذه القسوة ، التي تركت في نفس جون أثرًا سيئًا بشكل بالغ ، إلا أنه قد برع في عزف البيانو الذي كان يتلقى عنه دروسًا داخل المنزل ، وتفوق في مدرسته وحصل على منحة الملكة إليزابيث نظرًا لتفوقه ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل صار جون واحدًا من أكفأ الطلاب داخل مدرسته ، وانضم إلى فريق الترتيل داخل الكنيسة .
كانت تراود جون عدة كوابيس بشأن الدين ، فكان لا يرى في كوابيسه سوى صلبان كثر تقطر دمًا ، أو كنائس تنزف جدرانها دماء ، وكل ذلك جعل لديه رهبة من الدين ، أو بمعنى أصح جعل شعوره نحو الدين ، أنه سبب حرمانه من كل ملذات الحياة ، وأنه سبب ما يعانيه من صعوبات في حياته ، استمر جون على تفوقه ، حتى انتهى من دراسته بالجامعة ليصير مهندسًا ، ويتوقع له الجميع مستقبلاً مبهرًا .
منحى جديد :
تم تعيين جون مهندسًا بإحدى الشركات الخاصة ، ولكن سرعان ما تدهور خط حياته فجأة ليتحول إلى كومة من الرماد ، التي تدمرت فجأة ! حيث استقال جون فجأة من الشركة التي يعمل بها ، ليذهب للعمل في مجال التأمينات والأموال ، هذا المجال الذي لم يرض عنه والديه بشكل تام ، وشعر بأن جون يرتكب خطأ ما ، ولكن لم يلبث جون أن طُرد من تلك الشركة ، التي يعمل بها إثر اتهامه ، في قضية سرقة لأموال خزينة الشركة .
تحولت حياة جون إلى فضيحة ، حاول معها والداه أن يقوما ابنهما ويضعاه على الطريق الصحيح مرة أخرى ، فقاما بتزويجه من إحدى الفتيات الثريات ، ولكن لم ينصلح حال جون ، فأثناء ما كانت زوجته حاملاً بطفلتهما الأولى ، تم القبض على جون بتهمة اختلاس من الشركة التي يعمل بها ، وتم الزج به إلى السجن ، لتضع زوجته مولدتها ثم تعرضها للتبني ، وبذلك لم تحمل ابنة جون اسمه قط ، وحصلت زوجته على الطلاق ثم غادرت البلاد .
مرحلة أكثر شراسة :
خرج جون من سجنه ، ليغادر إلى لندن حيث بدأ في نشاط جديد ، حيث تحول جون من مجرد لص محتال إلى قاتل ، يختار ضحاياه ليسرق ما بحوزتهم من أموال ، بالإضافة إلى انتقائه للبعض الآخر والحصول على تأميناتهم ، بأوراق زائفة تم تحريرها باسمه .
عمل جون سائقًا لدى أحد الرجال الأثرياء ، وكان للرجل صالة للألعاب كان يعتني بها جون بوصفه مهندسًا ميكانيكيًا ، ولكنه سرعان ما عاد لعمليات الاحتيال فتم إلقاء القبض عليه وإيداعه بالسجن ، إثر قيامة بانتحال شخصية محامي .
خرج جون من السجن ، وقد تعلم من بعض المجرمين طريقة جديدة للتخلص من الجثث ، دون أن تترك أثرًا وتدفعه للسجن مرة أخرى ، واختبر الطريقة على ثلاثة فئران بوضع حمض الكبريتيك عليهم ، فتلاشت في غضون ثلاثون ثانية ، ومن هنا بدأت جرائمه .
تمكن جون من خداع ابن رجل ثري ، وهو صاحب الشركة التي التحق للعمل بها جون مهندسًا ، حيث تعرف على العائلة وأخبره ابنهم بكمية الثراء الذي يرفلون فيه ، مما أسال لعاب جون ، فقام بعمل كمين للشاب ، وضربه على رأسه وفتح شرايينه لمتص دماؤه ، ثم ألقاه في برميل ممتلئ بحمش الكبرتيك ، ليختفي الشاب تمامًا .
بسؤال والديه عنه ، أخبرهم جون أن ابنهما قد فر خوفًا من استدعائه للجيش ، خاصة عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، ولكن الأبوين لم يقتنعا ، فلم يكن أمام جون بدًا من التخلص منهما بنفس الطريقة ، كما تخلص من ابنهما وشرب دماءهم جميعًا ، ثم قام بتزوير عدة مسندات آلت إليه بموجبها ، كافة أملاك العائلة .
لم يستمتع جون بالمال كثيرًا ، حيث خسر كل ممتلكات تلك العائلة في صالات القمار عدا بعض الأسهم والسندات ، ليجد نفسه بلا مأوى أو مال عقب مرور فترة بسيطة للغاية على فعلته ، كرر جون فعلته بحق أسرتين أخرتين ، وقام عقب قتلهما بتزوير عدة عقود وخطابات ، آلت إليه بموجبها جميعًا أملاك تلك العائلات إلى نفسه مرة أخرى .
سقوط السفاح :
لم يكن جون محظوظًا طوال الوقت ، حيث تعرف على سيدة ثرية كانت تعرض عليه أفكارها ، وقد أبدى جون حماسة نحو أفكارها اللامعة ، وطلب منها أن تزوره في مقره لمباحثه أفكارهما سويًا ، وبالفعل ذهبت إليه الأرملة لتلقى نفس مصير من سبقوها ، ثم حصل جون على كافة متعلقاتها ، وأبلغ عن اختفائها عن طريق صديق مشترك بينهما .
لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن ، تلك المقولة انطبقت على جون الذي ما أن بدأت الشرطة في البحث بشأن اختفاء الأرملة ، حتى حصلوا على ملف سوابق طويل له ، فقاموا بمداهمة منزله ، ليعثروا على حوض الحمض وبه أكثر من 14 كيلو جرامًا من الدهون ، وبعض العظام التي أبت أن تتحلل ، ومحفظة نقود صغيرة خاصة بالأرملة الأخيرة التي لم ينتبه جون إلى سقوطها في الحوض .
ألقي القبض على السفاح ومواجهته بجرائمه ، وكان يحاول ادعاء الجنون ولكن تم إثبات الجرائم عليه والحكم عليه بالإعدام شنقًا ، وتم تنفيذ الحكم ليتدلى جون من حبل المشنقة عقب بلوغه الأربعين عامًا من عمره بأيام قليلة .