آفة المال دائمًا ما تجلب الكد والشقاء للبعض ، إذا ما سيطرت عليهم مثلها مثل أية شهوة أخرى ، فكم من أشخاص دفعوا حياتهم ثمنًا في مقابل المال ، أو فقدوا آدميتهم من أجله ، كم من قصة قد سردناها تحكي لعنة الركض خلف المال ، وإزهاق العديد من الأرواح من أجله .
وإذا كان عالم الجريمة ذاخر بالسفاحين من الرجال ، فلابد لنا من النظر نحو المرأة ، فعلى الرغم من ضعفها الجسدي ، إلا أنها قد ترتكب من الجرائم ما يشيب لهولها الولدان ، حتى أنها قد تضحى بمن هم أقرب لها من أجل غرض ما ، ولعل الحصول على المال هو أشهر الأغراض التي دفعت الكثيرون لارتكاب الجرائم من أجله ، وهذا ما فعلته ليزي بوردين بالفعل.
البداية :
ولدت ليزي بوردين لعائلة ثرية للغاية ، وتوفت والدتها وهي في عمر الثالثة وتركتها وأختها إيما في رعاية والدهما رجل الأعمال السيد جون بوردين ، وعقب وفاة والدتهما تزوج السيد جون من امرأة أخرى .
كانت العائلة تعيش في منزل عتيق وريفي الطراز ، على الرغم من الثراء الفاحش للأب فقد كان شحيحًا للغاية ، ولا يرغب في الانتقال إلى منزل أكثر حداثة ، مما تسبب في خلق أعداء كثر له في مجال عمله ، وغضب ابنتيه أيضًا ، فقد ألحتا عليه بشدة في الانتقال إلى منزل يتسق مع مستواهم الاجتماعي والاقتصادي إلا أن السيد بوردين قد رفض هذا الأمر .
وتزايدت حدة التوتر في العلاقة بين الفتاتين وزوجة أبيهما ، عقب قيام الأخير بتسجيل المنزل باسم زوجته ، وعلى الرغم من شرائه لفتياته منزلاً جديدًا ، إلا أنهما قد استثارهما أيضًا تخطيطه لإشراك زوجته في الإرث الخاص به.
وعلى الرغم من شح السيد بوردين إلا أنه قدم لبناته الكثير ، ولم يبخل عليهما قط في التربية والتعليم ، ولكنهما كانتا متذمرتان من علاقته بزوجته ، والتي أدت إلى خلل علاقتهما كذلك مع خالهما ؛ فقد كان الرجل مؤيدًا لزوجة السيد بوردين ويدافع عنها ، في مقابل أنها وعدته بوظيفة مرموقة في شركاتها الخاصة فيما بعد.
خيوط الجريمة :
قبل يومين من وقوع الجريمة عاني السيد بوردين من وعكة صحية هو وزوجته ، إلا أن الطبيب قد شخصها بأنها حالة مصاحبة لتناول طعام سيء أو بوادر تسمم ، وفي تلك الليلة حضر السيد موريس خال الفتاتين وأقام بالمنزل ، ثم استيقظ في اليوم التالي وتناول الفطور مع السيد بوردين ثم انصرفا لتخليص بعض الأوراق في المدينة.
كانت إيما قد ذهبت في عطلة قصيرة مع صديقاتها قبل الحادث بيومين ، بينما كان بالمنزل الخادمة بيردكيت التي تساعد العائلة في شئونها طيلة ثلاثة أعوام ، وزوجة السيد بوردين التي طلبت من الخادمة تنظيف النوافذ وأسرّة المنزل ، واتجهت هي إلى الطابق العلوي لتسترخ قليلاً ، كان بالمنزل أيضًا ليزي التي قطعت عطلتها مع أصدقائها بشكلٍ مفاجئ ، وعادت إلى المنزل ليلة الحادث.
عاد السيد بوردين من جولته القصيرة إلى المنزل ، فأخبرته ليزي بأن زوجته قد تلقت اتصالاً من جيرانهما طلبوا به مساعدتها ، فذهبت الأخيرة لهم وقد تتأخر قليلاً ، بينما تحدثت ليزي إلى الخادمة بيردكيت فذهبت الأخيرة لجلب بعض الأشياء من الخارج ، واستلقى السيد بوردين على الأريكة الخارجية ، للحصول على بعض الراحة .
لم تلبث دقائق معدودة حتى هرعت الخادمة بيردكيت وبعض الجيران ، على صوت صرخات ليزي وهي تصيح بأن أحدهم قد قتل والدها ، وعندما حضروا جميعًا إلى المنزل إذا بالسيد بوردين مستلق على الأريكة وقد تهشم رأسه تمامًا وخرجت عينه اليسرى من محجرها ، وقُطع وجهه تمامًا بآلة حادة ، صعدت الخادمة بيردكيت إلى الأعلى فإذا بالسيدة بوردين قد تلقت ضربات هشمت رأسها هي الأخرى .
التحقيقات :
قام رجال الشرطة بالتحقيق في الأمر ، وادعت ليزي أنها كانت خارج المنزل تجلب بعض الأغراض ، وتبين أن السيدة بوردين قد قُتلت قبل زوجها بساعة واحدة ، وبحث رجال الشرطة عن سلاح الجريمة ولكنهم لم يجدوا سوى رأس بلطة صغيرة تم إخفائها بعناية في موقد الفحم ، ولكن دون آثار لليد.
وبالبحث لم يجد رجال الشرطة أية ملابس ، ولكن أبلغ الجيران بأنهم قد شاهدوا ليزي تقطع بعض ملابس النوم وتحرقها بدعوى أنها ملابس قديمة متصبغة بالأوساخ ، وبالمزيد من البحث تبين أن ليزي قد قامت بشراء بعض السموم من أحد المتاجر ، وربطوا بين هذا الحدث مع واقعة التسمم التي عانى منها السيد بوردين وزوجته قبل مقتلهما بيومين ، ولكن التشريح لم يثبت وجود أي أثر للسم بهما.
تم توجيه تهمة القتل إلى ليزي بوردين ولكنها سرعان ما تم الإفراج عنها وتبرءتها نظرًا لعدم وجود أدلة تثبت الجريمة عليها ، وحصلت الشقيقتان على ثروة الوالد مناصفة وقامتا بشراء قصر فخم في أحد أرقى الأحياء ، وعاشتا فيه سويًا إلا أن إيما قد تركت القصر لأختها وابتاعت لنفسها منزلاً آخر ، نظرًا لوجود علاقة شاذة ربطت شقيقتها ليزي مع فنانة شهيرة بهذا الوقت .
ولم تتزوج ليزي وماتت بالتهاب رئوي وحيدة داخل القصر ، وسرعان ما لحقتها أختها عقب أسبوعين حيث سقطت من أعلى الدرج داخل منزلها ، وماتت وحيدة أيضًا لم تكن إيما قد أنجبت ، ودفنت الفتاتين بمقابر العائلة ، وآلت الثروة إلى الجمعيات الخيرية عقب وفاتها .