دكتور سوس هو الاسم الذي اشتهر به الكاتب ثيودور سوس جيزل، مؤلف قصص الأطفال وصاحب الرسومات التي لا تنسى والتي من أشهرها شخصية القط ذو القبعة وكيف سرق الجرينش عيد الميلاد و”هورتون يسمع من” وغيرها من الأعمال التي حازت على شهرة عالمية واسعة.
كان دكتور سوس متزوجًا لكنه لم ينجب أطفال أبدًا ومع ذلك فقد وجد طريقة لإثارة خيال الأطفال عبر قصصه التي استخدم فيها كلمات بسيطة بالإضافة إلى رسوماته التي رسم بها شخصياته في كتبه التي أصبحت من الكتب المفضلة لدى الصغار والكبار على حدًا سواء.
ولد جيزل في سبرينجفيلد بماساتشوستس في 2 مارس 1904 وقد عمل والده في إدارة مصنع الجعة الخاص بأبيه ، وفي عام 1909م تم تعيينه في مجلس منتزه سبرينجفيلد، وقد كان ثيودور يذهب مع والده كل يوم إلى المنتزه، ويحمل معه لوحته وأقلامه الرصاص لرسم الحيوانات وفي نهاية اليوم يسلم والده دفتره المليء بالرسومات المليئة بروح الدعابة والمرح.
وعلى الرغم من أن والد ثيودور كان له دخل كبير في تعلقه بالرسم، إلا أنه يعيد الفضل لوالدته هنريتا سوس جيزل في اكتساب أسلوبه في الكتابة، فقد كانت هنريتا تقرأ لطفلها كل يوم بإيقاع مميز وهي نفس الطريقة التي كانت تستخدمها لبيع الفطائر في مخبز والدها، وهكذا اكتسب دكتور سوس طريقة تكوينه للقوافي بالرغم من أن هذا الأمر كان لا معنى له في بداية حياته.
بينما بدت طفولة دكتور سوس شاعرية إلا أن حياته لم تكن كلها سهلة، فقد كان الأطفال يسخرون منه بسبب أصوله الألمانية ولإثبات هويته الأمريكية الوطنية تطوع لبيع سندات الحرب الأمريكية ليبرتي بوند وأصبح أحد كبار بائعيها، وكان شرفًا عظيمًا في ذلك الوقت عندما حضر الرئيس روزفلت لسبرينجفيلد لمنح ميداليات لكبار بائعي السندات، لكن حدث خطأ في ذلك الوقت، حيث كان لدى الرئيس 9 ميداليات فقط، وكان سوس هو الطفل العاشر فغادر المسرح دون أن يحصل على ميدالية وقد سبب له هذا الحدث صدمة وجعله يخشى التحدث أمام الجمهور لبقية حياته.
وفي عام 1919م بدأ الحظر على الكحوليات فتم إغلاق مصنع الجعة الخاص بالعائلة مما سبب أزمة اقتصادية كبيرة للأسرة.
وخلال تواجده في المدرسة حثه مدرس اللغة الإنجليزية المفضل لديه على التقدم إلى كلية دارتموث ، وفي عام 1921 تم قبول جيزل بالجامعة، وخلال دراسته رسم كاريكاتيرًا لمجلة الفكاهة الجامعية Jack-O-Lantern.
ولكنه قضى وقتًا طويلًا في رسوماته وانشغل عن الدراسة فتعثرت درجته، وقد بلغ الأمر لوالده فأعرب عن استيائه الشديد من درجات ابنه المتدنية مما دفع دكتور سوس للعمل بجد وخلال سنته الأولى في الجامعة أصبح رئيس تحرير جاك أو لانترن.
لكن في النهاية وبعد أن تم القبض على جيزل وهو يشرب الكحول وكان شرب الخمر غير قانوني في ذلك الوقت، فتم عزله من المجلة كعقاب، فاضطر للكتابة والرسم بالمجلة لكن باستخدام اسم مستعار” سوس”.
بعد تخرجه من الجامعة في عام 1925م بدرجة البكالوريوس في الفنون الليبرالية أخبر والده أنه تقدم بطلب للحصول على زمالة في الأدب الإنجليزي من كلية لينكولن بأكسفورد ، إنجلترا.
وكان الأب متحمس للغاية لتلك الفكرة فنشر مقال في صحيفة اتحاد سبيرنجفيلد يفيد بأن ابنه ذاهب لأقدم جامعة ناطقة باللغة الإنجليزية في العالم أجمع، لكن للأسف فإن سوس لم يحصل على الزمالة فاضطر والده لدفع تكاليف الدراسة في أكسفورد تجنبًا للإحراج.
لم يكن أداء ثيودور في الجامعة جيدًا مثل زملائه وكان يشعر أنه أقل منه، فكان بدلًا من أن يدون المحاضرات يرسمها، فقالت له زميلته هيلين بالمر أنه كان يجب أن يصبح رسامًا بدلًا من أستاذ في الأدب الإنجليزي.
وبعد عام واحد من الدراسة غادر أكسفورد إلى أوروبا في رحلة استمرت ثمانية أشهر قام خلالها برسم الحيوانات الكاريكاتيرية، وعند عودته للولايات المتحدة الأمريكية كان قادرًا على العمل بشكل مستقل كرسام كاريكاتير في بعض المجلات ووقع أعماله باسم دكتور سوس.
وفي سن 23 حصل على وظيفة رسام كاريكاتير لمجلة جادج في نيويورك بمرتب 75 دولار أسبوعيًا واستطاع أن يتزوج حبيبته هيلين بالمر.
شل عمل دكتور سوس عمل رسوم متحركة وإعلانات تجارية بشخصيات الحيوانات الغريبة التي ابتكرها، ومن حسن حظه أنه عندما توقفت مجلة جادج عن الصدور استأجرته شركة إنتاج مبيد حشري شهيرة لرسم إعلاناتها مقابل مبلغ 12 ألف دولار سنويًا، وقد ظهرت إعلاناته في الصحف وعلى اللوحات الإعلانية في كل مكان، كما واصل بيع رسوماته الكاريكاتيرية ومقالاته الفكاهية للمجلات.
وقد أحب ثيودور السفر مع زوجته هيلين وأثناء تواجده على متن السفينو المتجهة لأوروبا في عام 1936م قام بتأليف قصيدة خماسية فكاهية لتتناسب مع سرعة إيقاع محرك السفينة وهي تكافح وسط الأمواج الهائجة.
وبعد ستة قام بتأليف قصة حول رحلة صبي خيالية إلى منزله وأضاف إليها رسومات وحاول بيعها للناشرين، لكن خلال عامي 1936 و 1937 تم رفض تلك القصة من قبل 27 ناشر بحجة أنها لا تحتوي على معاني أخلاقية، وفي طريقة للعودة للمنزل بعد المرة 27 التي رفضت فيها قصته التقى زميل قديم في كلية دارتموث يسمى مايك مكلينتوك، والذي كان في ذلك الوقت محررًا لكتب الأطفال، وقد أحب مايك القصة ونشرها.
حصل الكتاب الاول لدكتور سوس بعد أن أعيد تسميته إلى قصة بدلصا من كتاب على نجاح كبير، وتمت الإشادة به لكونه ممتعًا وأصليًا، مما دفع دكتور سوس لكتابة المزيد من كتبه المليئة بالحيوية لدار نشر أخرى تسمى راندوم هاوس.
وبعد نشر عدد كبير من الرسوم الكاريكاتيرية السياسية لمجلة بي إم انظم دكتور سوس للجيش فب عام 1942م، وتم وضعه في قسم المعلومات والتعليم وهناك عمل مع المخرج الحائز على جائزة الأوسكار فرانك كابرا، وأثناء عمله مع كابرا ، كتب العديد من الأفلام التدريبية للجيش ، والتي نال عنها وسام الاستحقاق.
بعد الحرب العالمية الثانية تم تحويل اثنين من تلك الأفلام لأفلام تجارية وفاز اثنين من تلك الأفلام بجائزة الأوسكار، وخلال ذلك الوقت كانت زوجته تقوم بتأليف كتب الأطفال لديزني، وبعد الحرب استمر دكتور سوس وزوجته في كتابة كتب الأطفال.
مع انتهاء الحرب عاد لكتابة الكتب المصورة للأطفال، وفي عام 1950م كتب رسوم متحركة تسمى “جيرالد ماكبوينج بوينج” تدور حول طفل صغير يصدر بدل الكلمات أصواتًا وحاز هذا الفيلم الكارتوني على جائزة الأوسكار.
وفي عام 1954 كتب صحفي يسمى جون هيرسي مقالًا في مجلة لايف يقول فيه أن كتب الأطفال الدراسية الموجودة مملة وقد اقترح أن يعيد شخص مثل دكتور سوس كتابتها، فأعجب ثيودور بالفككرة وقرر أن ينفذ الفكرة، وقد اعتقد أنه يستطيع أن ينهي نسخته من كتاب تمهيدي للأطفال مكونة من 225 كلمة في أسبوعين، لكنه استغرق أكثر من عام حتى يستطيع إنهاء أول كتاب.
وقد غير كتابه الشهير للغاية” القط ذو القبعة” الطريقة التي يقرأ بها الأطفال، وكان واحد من أهم إنجازات دكتور سوس، فلم تعد قراءة الكتب المدرسية أمرًا مملًا للأطفال، وتم تحويل تلك القصة إلى فيلم وفي نفس العام حقق دكتور سوس نجاحًا أخر بنشر كتابه ” كيف سرق جرينش عيد الميلاد” ، وقد جعل هذان الكتابان دار نشر راندوم هاوس رائدة في نشر كتب الأطفال، بينما أصبح دكتور سوس من المشاهير.
فاز دكتور سوس بالعديد من الجوائز والتكريمات، لكن جميع الجوائز لم تستطيع مساعدة هيلين زوجته التي عانت من عدة أمراض مثل متلازمة جيلان باري وشلل الأطفال، وفي عام 1967م لم تعد قادرة على تحمل الأمل فانتحرت، وفي العام التالي تزوج مرة أخرى من أودري ستون دايموند.
وعلى الرغم من أن كتبه ساعدت الأطفال على تعلم القراءة، لكن بعض كتبه تعرضت للنقد بسبب محتواها السياسي مثل كتاب معركة الزبدة الذي صدر عام 1984م وصور فيه اشمئزازه من سباق التسلح النووي.
كتب دكتور سوس كتابه الأخير عام 1990م ويحمل عنوان” أوه الأماكن التي ستذهب إليها”، وكان على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وبعد عام واحد من نشره توفي في عام 1991م عن عمر يناهز 87 عامًا بعد إصابته بسرطان الحلق.