يزخر التاريخ العربي بأسماء العديد من الشخصيات النسائية اللاتي استطعن التفوق في مجموعة من المجالات وأثبتن أن المرأة العربية هي واحدة من أقوى النساء في العالم، وبالرغم من أن هناك الكثير والكثير من النساء الناجحات إلا أن الأضواء عادة لا تسلطن عليهن بل إنهن يفضلن العمل في صمت من أجل تحقيق أحلامهن والعمل على تنمية أسرهن وأوطانهن.

ومن بين السيدات المعاصرات اللاتي استطعن تحقيق انجازات كبيرة في وقت قصير وفي مجالات كانت مقتصر على الرجال، الدكتورة حياة سندي والتي عملت بجد حتى أصبحت من الأعلام المشاهير في العصر الحديث.

فالدكتورة  حياة سندي هي إحدى أعضاء الشورى السعودي المعينين، وتعتبر من أوائل النساء اللاتيني وثق بهن سمو الملك لشغل هذا المنصب كما أنها ظهرت في قائمة نيوزويك التي تضم 150 امرأة هزت العالم في عام 2012، وهي المؤسس والرئيس التنفيذي لمعهد i22 للخيال والإبداع وهي منظمة غير حكومية رائدة في مجال الابتكارات العلمية في العالم العربي.

كما أنها أول امرأة سعودية تحصل على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج في مجال التكنولوجيا الحيوية.

وفي عام 2012 اختارتها منظمة اليونسكو لتكون سفير العلوم لليونسكو، وقد أعربت سندي عن سعادتها البالغة بهذا الاختيار لأنه جاء في مجال العلوم بالتحديد، وهو المجال الذي عشقته منذ طفولتها.

ولدت حياة في مدينة مكة المكرمة عام 1967، وكانت سندي أخت بين ستة أطفال في العائلة، وقد ربتها العائلة على التقاليد والعادات السعودية الأصيلة عن طريق أسلوب القدوة، فقد كان والدها رجل متدين يحرص على الصلاة وسط أبنائه ليعلمهم أهمية الصلاة، كما كان لا يضربهم مثلا أو يعنفهم حتى يتعلموا.

ولم يضغط أبدًا عليها حتى تحصل على العلامات الكاملة، لكنه كان يشجعها بطرق أكثر إيجابية مثل أنه كان يجلب لهم الكثير من الكتب العلمية ويقرأها معهم، وكان يجلب لهم الكثير من الكتب عن العلماء العرب مثل بن سينا والراز.

ولأنها كانت تحب والدها وتعتبره قدوة كانت تقلده في حب القراءة، كما أنه لم يكن يمل من أسئلتها بل بالعكس كان يحاول دائمًا إشباع فضولها العلمي هي وإخوتها، ، وكان أيضًا يصطحبها للمكتبة لتختار الكتب التي تريدها، كما كان يؤكد لها دائمًا أن العلم هو الأساس الذي يمكن الإنسان من الوصول لأي هدف يريده لنفسه في الحياة.

وقد ساعدت تلك التربية الإيجابية في بناء شخصية سندي، وقد وأكملت سندي دراستها بالمملكة حتى تخرجت من كلية الطب، وبالرغم أن الدكتورة حياة كانت شغوفة بعلم الأدوية منذ بداية حياتها العلمية، لكنها درست الطب لأنه هو الكلية التي كانت متوفرة أمامها في المملكة، لكنها كانت تحب أن تتخصص في علم الأدوية من البداية.

وهذا جفعها لاتخاذ  قرار السفر للدراسة بالخارج، حتى تتخصص في المجال الذي تحبه، وفي هذا الوقت لم يكن نظام الابتعاث بالمملكة يشمل الطالبات، لذلك تكلفت الأسرة بتعليمها في الخارج لأن والدها وجد أن حياة لديها العزم والتصميم على استكمال دراستها العلمية.

وتقول سندي أنها أول مرة سافرت للخارج ونزلت من الطائرة وجدت الطقس بارد، وعندما استقرت في مقر سكنها لأول مرة ظلت تبكي طوال الليل، وفكرت أنها يجب أن تعود للمملكة مرة أخرى.

لكن في الصباح عندما استيقظت وفتحت نافذة حجرتها وجدت أن الشمس قد أشرقت، فتذكرت أسرتها وبلدها وقالت لنفسها أنها لا يجب أن تخذل والديها اللذين وثقوا بها حتى تصل لهذا المكان وأنها لا يجب أن تتراجع أبدًا.

وخلال السنة الأولى لحياة سندي في لندن لم تكن الحياة سهلة، حيث كانت بعيدة عن أسرتها، وتعيش وسط بيئة وثقافة مختلفة عما اعتادت عليه، لكنها مع ذلك ظلت معتزة بدينها ووطنها وحاولت أن تكون من خلال شخصيتها نموذج حي للمرأة المسلمة المتدينة الحريصة على العلم مع الحفاظ على قيمها في نفس الوقت.

وبالرغم من كل المصاعب لم تخيب حياة سندي ظن أسرتها ولا بلدها بها، حيث حصلت على شهادة الدبلوم من جامعة كنجز بلندن.

وقد طورت الدكتورة حياة في جامعة كنجز مجموعة من الأبحاث الهامة في مجال الأدوية، كما درست أيضًا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ثم جامعة هارفارد، وحصلت على درجة الدكتوراه في التكنولوجيا الحيوية من جامعة كامبريدج في عام 2001.

وبذلك أصبحت حياة سندي أول امرأة من الخليج العربي تحصل على درجة الدكتوراة في مجالها الذي لم يكن شائع بين النساء، كما أنها ساهمت في تطوير عدة أدوية خلال عملها بجامعة كامبريدج، وكانت هذه واحدة من أولى الطرق التي بدأت بها في كسر الحواجز أمام النساء في الشرق الأوسط.

وبعد ثلاث سنوات فقط من حصولها على الدكتوراة وفي عام 2013 تم تعيين سندي في مجلس الشورى السعودي كواحدة من بين أول ثلاثين سيدة تم تعيينهم في هذا المنصب الحساس، حيث أنه أعلى هيئة استشارية في المملكة العربية السعودية، وتتمثل المهمة الرئيسية لهذا المجلس في تقديم المشورة للملك بشأن القضايا التي تهم المملكة العربية السعودية.

أيضًا بفضل تفوق سندي تم تعيينها كمستشار في البنك الإسلامي للتنمية ( IsDB) في المملكة العربية السعودية وهي مستشار أول لرئيس العلوم والتكنولوجيا والابتكار في البنك الإسلامي للتنمية، وقد حرصت سندي على أن تبذل قصارى جهدها وتعمل كل يوم من أجل تمكين الشابات والنساء العربيات من تحقيق أحلامهن.

ولأن حياة  سندي تؤمن بقوة العلم والتكنولوجيا والابتكار في حل بعض تحديات التنمية الأكثر إلحاحًا في العالم، فإنها في عام 2018، أطلقت صندوق Transform التابع لبنك التنمية الإسلامي بقيمة 500 مليون دولار لدعم المبتكرين لإيجاد حلول لتحديات التنمية من خلال قوة الابتكار، وهو أول مركز رقمي من نوعه في العالم النامي.

وقد ذكرت سندي في إحدى تصريحاتها،  أنها لطالما كنت مهتمة بالنهوض بقضايا المرأة، وأن مشاركة المرأة في مجلس الشورى سيسهل النقاش حول حقوق المرأة والطفل، كما أنها تحلم دائمًا منذ صغرها بتطوير الابتكار والتعليم والبحث العلمي في المملكة، وإلهام الشباب للاهتمام بالعلوم.

ولذلك فإنها تسعى من خلال عملها داخل المملكة إلى جعلهم متحفزين ومبدعين والأهم من ذلك إطلاق إمكاناتهم الخاصة والمضي قدمًا باستخدام مواهبهم لصالح بلدهم الحبيب.

كما تؤكد سندي دائمًا للشباب والشابات أن الإخلاص هو أساس العمل، والإخلاص ليس في طلب العلم فقط بل في نقله للأجيال التالية أيضًا.

By Lars