كانت داريا نيكولافينا سالتيكوفا كونتيسة روسية من ملاك الأراضي ، وقد اشتهرت بسبب قيامها بتعذيب عبيدها وتشويههم ، وكانت مثال على سوء استخدام الطبقة الحاكمة الروسية لصلاحيتها ، وقد قامت بقتل 138 خادمًا على الأقل في أراضيها وتعذيب الكثيرين ، وأصبح اسمها مرادفًا لسوء عاملة الفلاحين .
قصة داريا سالتيكوفا :
كان الاسم الأول لداريا سالتيكوفا هو داريا إيفانوفا ، وقد تزوجت داريا وهي في سن صغير من جليب سالتيكوف وأصبحت أرملة وهي في السادسة والعشرين من عمرها ، وبوفاة زوجها ورثت أراضيه التي كانت تقع بالقرب من موسكو ويطلق عليها مزرعة ترويتسكوي، وهناك عاشت مع أطفالها وحوالي 600 من العبيد ، وخلال فترة زواجها لم يلاحظ أي شخص شيء غريب في شخصيتها ، ولكنها بدت قاتمة ومكتئبة في معظم الأوقات ، كما أنها كانت ورعة جدًا وقد تبرعت كثيرًا للكنائس والأديرة .
وفي أحد الأيام التقت الكونتيسة داريا بشاب وسيم يسمى نيكولاي تيوتشيف (جد الشاعر الروسي المعروف فيودور تيوتشيف) ولأنها كانت وحيدة جدًا وقعت في غرامه ، ولكنها علمت بعد ذلك أنه في علاقة غرامية مع فتاة صغيرة وأنهم تزوجوا سرًا في أحد الكنائس ، وبسبب غضبها الأعمى من خيانة حبيبها قررت قتله هو وزوجته ، ولكنهما استطاعا الفرار إلى موسكو ، فضاعت على داريا فرصة قتلهما .
وسرعان ما بدأت تصب غضبها على خدمها وخاصة النساء ، فقد كرهتهم كثيرًا وكلما كانت السيدة أصغر سنًا كلما عذبتها داريا أكثر ، فقد اعتادت ضرب النساء الحوامل والأطفال بقسوة ، حتى تتكسر عظامهم ، وكانت تضعهم خارج المنزل وهم عرايا في الصقيع وتصب الماء المغلي على أجسادهن ، كما استخدمت العديد من طرق التعذيب الوحشية الأخرى ، وكانت ضحاياها دائمًا من النساء ، ولم يذكر أنها قتلت سوى ثلاثة رجال فقط ، ولكنها كانت تعذبهم بطريقة أخرى ، فقد كانت تقتل السيدات التي يحببنهم ، وقد ذكر أنها قد قتلت ثلاثة نساء تزوجهن واحد من خدمها واحدة تلو الأخرى .
وكان عنف وإجرام داريا نحو خدمها غالبًا غير مبرر ، فقد كانت تعذب وتقتل الخادمات حتى الموت لمجرد أنها لم تعجبها الطريقة التي ينظفن بها المنزل ، والتفسير الوحيد لتصرفاتها أنها كانت سادية تستمتع بالتعذيب الجسدي للآخرين .
تم تقديم العديد من الشكاوى إلى السلطات بشأن داريا ولكن داريا كانت على علاقة جيدة بالبلاط الملكي ، ولذلك السلطات كانت دائمًا ما تتجاهل هذه الشكاوى وفي بعض الأوقات كانت تبلغ داريا بأسماء من قدموا الشكاوى فكانت تنتقم منهم .
وفي صيف عام 1762 م استطاع أحد الفلاحين أن يهرب من أراضي داريا مع زوجته وتوجه إلى سانت بطرسبورغ ، وقدم عريضة للإمبراطورة كاثرين الثانية يشكو فيها من أفعال داريا مع الفلاحين ، فأمرت الإمبراطورة بفتح تحقيق في القضية ومحاكمة داريا بشكل علني .
فتم اعتقال داريا واحتجزت لمدة ستة سنوات حتى تنتهي التحقيقات ، وجمعت الشرطة معظم ضحاياها الذين نجوا من القتل وعائلات القتلى لتقديم الأدلة ضد داريا ، وكان المحقق ستيبان فولكوف هو الذي تولى التحقيقات وجمع الأدلة ، ولم تظهر داريا أي علامات على المرض أو الجنون ، كما أنها لم تظهر أي شعور بالندم على جرائمها البشعة لأنها كانت واثقة أنها ستفلت من العدالة .
وقد أظهرت التحقيقات أن اريا في خلال فترة تتراوح من ست إلى سبع سنوات قتلت حوالي 139 شخص معظمهم من النساء وبينهم فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين 10 إلى 12 عام فقط ، ولكنها في النهاية أدينت بقتل 38 أنثى فقط عن طريق ضربهن وتعذيبهن حتى الموت .
العقوبة :
كانت عقوبة الإعدام قد تم إلغاؤها في روسيا عام 1754م ، لذلك لم تكن الإمبراطورة واثقة من الطريقة المناسبة لعقابها ، وقد تم الحكم عليها بالسجن مدى الحياة في دير إيفانوفسكي ، وقبل السجن تعرضت لما يسمى بالإعدام المدني ، حيث تم عرضها وهي مقيدة على منصة أمام الحشود في الميدان الأحمر لمدة ساعة ، مع وضع لافتة حول عنقها مكتوب عليها “هذه المرأة عذبت وقتلت ” ثم نقلت إلى الدير .
وفي الدير تم وضعها في غرفة ملمة بلا نوافذ وهي مقيدة بالسلاسل تحت الحراسة المشددة ، وكانت الراهبة تحضر لها الطعام مع شمعة وبعد أن تنتهي من تناول الطعام تؤخذ الشمعة بعيدًا ، وظلت في تلك الزنزانة المظلمة حوالي 11 عامًا ، وفي عام 1779م تم نقلها إلى زنزانة أخرى بها نافذة ، ولكنها كانت قد فقدت عقلها (ربما بسبب بقائها في الظلام لفترة طويلة ) فكانت تبصق على المتفرجين من النافذة وتسبهم ، وقد توفيت في زنزانتها في 27 نوفمبر عام 1801م عن عمر يناهز 71 عام ، بعد أن قضت 33 عامًا في السجن .