يتربع اليوم على عرش النجومية بالإضافة للفنانين والرياضيين ، الشيفات والطهاة الذين أصبحوا نجومًا للمجتمع ، ويشغلون مساحةً لا بأس بها من تفكير المتابعين ، ويعد الشيف فيرناندو أدريا كوستا Fernando Adrià Acosta هو واحدًا من هؤلاء الطهاة .
والذي ولد في 14 مايو 1962م في هوسبيتالت دي يوبريغات بإسبانيا ، وهو الشيف الكتالوني الذي شكل قوة خلاقة من وجباته الفريدة ، فهو مبدع بكل معنى الكلمة عندما تشاهده تعتقد أنك تشاهد عالم كيمياء يضع مقاديره بكل دقة .
كما أنه رائد في اتجاه للطهي يعرف بفن الطهو الجزيئي ، والذي يستخدم تقنيات علمية دقيقة لخلق مطبخ مبتكر ومثير وراقي ، وفي أوائل القرن الحادي والعشرين اعتبره العديد في أنحاء العالم من أفضل الطهاة في عصره .
نشأ أدريا في برشلونة بعد أن ترك المدرسة في سن 18 عام ، وبعدها حصل على وظيفة غسال صحون في مطعم بإحدى الفنادق من أجل تمويل رحلته إلى إيبيزا ، وفي هذا المطعم بدأ في التعرف على تقنيات الطعام الكلاسيكية ، وتدرج في وظائف المطبخ في المطاعم الأخرى في المنطقة .
وفي عام 1982م انضم أدريا إلى البحرية ليؤدي خدمته العسكرية الإجبارية ، وفي النهاية أصبح طاهًيا لأميرال متمركز في قرطاجة ، وبعد أن أنهى خدمته وتدرب في مطعم El Bulli ، وهو مطعم فرنسي مشهور في Roses بكوستا برافا تم تعيينه في أوائل عام 1984م كطباخ مساعد لرئيس الطباخين .
وبعد ثمانية أشهر بعد أن غادر رئيس الطباخين ، تم وضع طباخ آخر في المطبخ المشترك ، وبحلول عام 1987م أصبح أدريا شيف المطعم الوحيد ، وفي منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، ظهرت قائمته التي تسمى”بول بولي” بمجموعة من الوصفات الفرنسية التقليدية والمأكولات الجديدة .
وكانت فكرة أدريا مستوحاة من فكرة أن “الإبداع لا ينسخ” (وهو ما تعلمه من رئيس الطهاة الذي درس معه) ، ولاستكشاف طرق طهي أخرى بدأ تدريجيًا بتجربة تقنيات جديدة لإعداد وتقديم الطعام بحلول عام 1994م ، وبعد أربع سنوات أصبح المالك المشارك للمطعم .
ولكنة قد ابتعد عن الطبخ الكلاسيكي تمامًا ، وأصبح له مفهومة الخاص وهو ما أسماه “مطبخ المفهوم التقني” ، الذي أخضع فيه المكونات المحتملة لإجراء تجارب صارمة ، وتحليلات علمية كوسيلة لإنشاء أطباق جديدة ، أنتجت أحاسيس غير متوقعة وتذوق رائع لما يقدمه من وجبات فريدة من نوعها .
كان أحد الأطباق التي خرجت من مطبخ أدريا هو رغوة الطهي ، التي كانت في الأصل منتج ثانوي لتضخيم حجم الطماطم بتلك الرغوة المميزة ، ثم اكتشف أنه يمكن أن يخلقها من خلال عملية أكثر دقة ، وذلك من خلال الرش من علبة أكسيد النيتروز خليط من عناصر رئيسيه مثل التوت أو الفطر .
كما اخترع تقنية أطلق عليها “الكروي” ، وهي عبارة عن سوائل مغلفة بدقة داخل الجيلاتين ؛ وكان أشهر تطبيقاتها هو “الزيتون السائل” الذي يشبه الزيتون الأخضر الصلب ، لكنه ينفجر داخل الفم وكانت هذه الإبداعات الغريبة رمزًا لفلسفة أدريا الفريدة ، التي كان يهدف من خلالها إلى الحفاظ على جوهر أو نكهة طبق مألوف حتى وإن كان شكله أو نسيجه قد يتغير بشكل جذري .
وبحلول أواخر التسعينات حصلت قائمة البولي على الكثير من الثناء في عالم الطهي ، وحصل أدريا على أعلى تقييم من ثلاثة نجوم من دليل ميشلان للطهي ، وأصبحت ابتكارات أدريا مقلدة على نطاق واسع تحت عنوان “فن الطهي الجزيئي” ، وعندما أجري استطلاع رأي للعاملين في قطاع الصناعات الغذائية بالعالم ، نال إسم البولي أفضل مطعم في العالم .
وذلك تقديرًا للبعد الفني لعمله ، لدرجة أن أدريا دُعي للمشاركة في معرض الفن المعاصر عام 2007م في كاسل بألمانيا ، تكريمًا لما يقدمه من لوحات فنية على شكل وجبات ، لكن أسلوبه في الطهي جذب الكثير من النقاد أيضًا ، واتهم الكاتب الكاتالوني البارز جوزيف ماريا فوناليراس أدريا “بالتحدث عن الأطباق كما لو أنه يناقش الرياضيات بدلاً من الطهي” .
مما جعل جيفن رامزي رئيس الطهاة في التلفزيون يقول : “لا ينبغي أن يطبخ الطعام مع العلماء ، فيجب أن يستخدم الطاهي أصابعه ولسانه ، وليس أنبوب اختبار ” ، وعلى الرغم من أن الشهرة الذي تلقاها أدريا والتي خلقت طلبًا هائلاً على منتجاته ، إلا أن طهي الطعام كان مرهقًا للغاية لدرجة أنه كان لا يمكنه توفير الطعام سوى لعدد محدود من الزبائن كل عام .
وكان المطعم يعمل باستمرار ولكن كانت هناك دائمًا خسارة ، وقد عوض Adrià هذا عن طريق بيع الكتب وغيرها من السلع ذات العلامات التجارية الخاصة به ، ولكن في عام 2011 م أغلق مطعم البولي وتم تحويله إلى مركز غير ربحي لأبحاث الطهي .