حينما تلقي بنظرك على تلك القصة ستتأكد أن الفقر لا يمكن أن يكون عائقًا للنجاح ، ولا حتى انحدار المستوى الطبقي من شأنه أن يثني أصحاب الهمم والعزائم عن مقاصدهم ، إنها قصة تتكرر بين الفينة والأخرى ولكن بأشكال وصور مختلفة في غياهب هذا العالم الفسيح ، قصة امرأة من نسل خادمة لم تستسلم لصنعة أمها وبنت لنفسها كيانًا أوصلها إلى أعلى الرتب في الولايات الأمريكية ، إنها أورسولا مستشارة الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية .
ولدت أورسولا في أسرة فقيرة هاجرت إلى نيويورك وسكنت بمساكن إسكان الفقراء العام هناك ، وبعد وفاة والدها اضطرت والدتها للعمل كخادمة كي تعيل الأسرة ، فظلت تعمل لساعات متأخرة من الليل في الغسيل والتنظيف ، حتى تبني مستقبل أفضل لأبنائها وكانت نصيحتها الدائمة لهم : ” التعليم هو الطريق الوحيد للخروج من حياة البؤس والشقاء”.
تأثرت أورسولا كثيرًا بنصائح والدتها واجتهدت في تعليم نفسها حتى تفوقت في الحساب ، وكانت والدتها ترغب في أن تصبح أورسولا واحدة من ثلاث راهبة أو معلمة أو ممرضة ، ولكن طموحات أورسولا نفسها كانت أكبر من خيارات والدتها ، فقررت أن تدرس في مجال الهندسة الكيميائية ، وحينما أخبرت والدتها بذلك دعمتها رغم تكاليف الدراسة الباهظة .
وكان في ذلك الوقت الدارسين في هذا المجال من الرجال فقط ، فدخلت أورسولا وسطهم وتفوقت عليهم حتى استطاعت بتفوقها الالتحاق بشركة زيروكس العالمية ، وبعد عام كامل من التدريب عانت فيه من التمييز والاحتقار لكونها امرأة سوداء البشرة ، استطاعت أن تثبت جدارتها وتتدرج في وظائف مختلفة داخل الشركة ، وتثبت لكل المحبطين أنها تستحق الأفضل .
وبعد ما يقرب لـ 10 سنوات من العمل الجاد اختارها أحد كبار المسئولين التنفيذيين بالشركة ، لتكون مساعدًا تنفيذيًا له وكانت تلك هي نقطة انطلاقتها الحقيقية ، حيث أثبتت استحقاقها للمنصب وبعد عام واحد فقط من شغلها تلك الوظيفة صدر قرار بتعينها مساعد تنفيذي لرئيس مجلس الإدارة .
وبعدها بدأت المناصب تتوالى عليها إلى أن تم اختيارها عام 2009م ، لتترأس مجموعة شركات زيروكس المنتشرة في أرجاء العالم ، والبالغ عددها خمسمائة شركة وبذلك تعتبر أورسولا هي أول سيدة سوداء تشغل منصب الرئيس التنفيذي بواحدة من أعرق وأكبر الشركات الأمريكية بالعالم .
وهكذا استطاعت إبنة الخادمة أن تصل لأرفع الدرجات والمناصب ، حتى تم اختيارها لتصبح مستشارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إبان فترة توليه ، واستطاعت أن تثبت للعالم أجمع أن لا علاقة للون البشرة والفقر بالجهل أو الفشل ، ولكن إرادة الإنسان فقط هي التي تحدد مصيره .
ودائمًا تنسب أورسولا نجاحها لوالدتها الخادمة التي لم ينقصها سوى الفرصة ، والتي كانت تؤمن أن التعليم هو طريق النجاة والفلاح ، وتقول عنها أورسولا : ” في كل موقف كان يمر بي كنت أتخيل أن والدتي كالطير الذي يقف على كتفي ويغرد بأعزب الألحان كي ينصحني ويشجعني ، فطالما كانت لنصائحها أثر بالغ على نفسي “.
ومن شدة تأثر أورسولا بوالدتها التي رحلت قبل 33 عامًا أنها علقت بمكتبها لوحة جسدت فيها كل ما كانت تشعر به من حب تجاه أمها ، وكتبت فيها : ” لا تفعل أي شيء من شأنه أن يجعل أمك غير فخورة بك ” ، فقد ارتبطت قصة نجاح مستشارة الرئيس الأمريكي الأسبق بقصة دعم والدتها البسيطة التي لم تتوانى لحظة واحدة عن تعليم أبنائها وتوفير كل سبل الرعاية لهم ، فهنيئًا لأورسولا بتلك الأم العظيمة حتى ولو كانت خادمة .