لقد نجح الشعراء العرب في خلق روح مشتركة مع عامة الناس من خلال كتاباتهم الشعرية التي تنبض بالحياة ، فبرعوا وتفوقوا في رسم الحروف والكلمات ، مما جعل بقائهم وبقاء أسمائهم مستمر ما دامت الحياة ، ولقد كان أبو مسلم ناصر البهلاني واحدًا من أبرز شعراء سلطنة عمان في عصره ، ولازال اسمه يتلألأ في سماء الشعر والشعراء .
اسمه ونسبه :
إنه ناصر بن سالم بن عديم بن صالح بن محمد بن عبد الله بن محمد البهلاني الرواحي ، وقد اشتهر بلقب “أبي مسلم العُماني” ، وتعود أصوله إلى قبيلة رواحة من عبس .
مولده ونشأته :
هناك تضارب حول العام الذي وُلد به ، فهناك مصادر ذكرت أنه وُلد عام 1273هـ وهناك ما ذكر أن مولده كان خلال عام 1277هـ ، وقد وُلد في مدينة وادي محرم الواقعة ببلاد بني رواحة في سلطنة عمان ، ونشأ وسط عائلة كريمة تميزت بالصلاح والعلم ؛ حيث أن والده كان يعمل قاضيًا في عهد الإمام عزان بن قيس ، وكان جده الرابع أيضًا قاضيًا والذي كان يُدعى عبدالله بن محمد ؛ وكان ذلك في عهد دولة اليعاربة .
تلقى أبو مسلم علومه على يد عدد من المشايخ ، وكان أول من علمه هو والده سالم بن عديم ، وحينما انتقل للحياة في بلدة السيح كان مجلسه الدائم مع الشيخ محمد بن سليم الرواحي ، كما كان الشيخ أحمد بن سعيد الخليلي هو أحد أقرانه الذي أخذ العلم معه وبرفقته .
وكان الأدب بمختلف ألوانه قد ازدهر في البيئة المحيطة ، وكان للشعر جمهورًا كبيرًا يحتفي به ويهتم بالاستماع إلى القصائد الشعرية ، فبدأ اهتمام البهلاني بالشعر في وقت مبكر من عمره ؛ حيث بدأ في تنظيم القصائد الشعرية وهو لازال ابن الخامسة عشر من عمره ، وقد هاجر إلى شرق أفريقيا حينما كان دون العشرين من عمره ؛ حيث استقر هناك في زنجبار والتي كانت آنذاك في أوج ازدهارها وقمة عصرها الذهبي الإسلامي العماني ، وذلك لأنه كان عهد السلطان برغش بن سعيد .
وقد اهتم البهلاني بقراءة كتب الفقه والكتب الأدبية ، واتجه إلى فهمها ودراستهما حتى اشتهر وبزغ نجمه في ذلك الوقت ؛ حيث عُرف بين الناس كقاضيًا نبيهًا ، كما كان أديبًا وعالمًا وفقيهًا شهيرًا ، وقد تقلد منصب القضاء في عهد السلطان بن ثويني ، ثم تولى فيما بعد منصب رئاسة القضاء ؛ حيث تميز بمنزلته الرفيعة عند الحكام .
قام البهلاني بالاستقالة عن الخدمة الشرعية في عهد السيد علي بن حمود بن محمد ، واتجه فيما بعد إلى التأليف وانشاد الأذكار والعمل على إحياء آثار السلف الصالح ، وقد ارتبط بعلاقات وطيدة مع أعلام الإصلاح الذين وُجدوا في عصره أمثال الشيخ نور الدين عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي ومحمد بن يوسف أطفيش الجزائري وسليمان باشا الباروني .
مؤلفاته :
قام البهلاني بإصدار جريدة أطلق عليها اسم “النجاح” ؛ والتي تُعتبر من أوائل الصحف العربية التي ظهرت ، وقد ترك البهلاني إرثًا كبيرًا من المؤلفات ومنها : “النور المحمدي والكنوز الصمدية” ؛ “كتاب السؤلات” ؛ “كتاب الجوابات” ؛ “النشأة المحمدية” ؛ “ديوان أبي مسلم” ؛ “النفس الرحماني في أذكار أبي مسلم البهلاني ” ، وغيرهم الكثير من الأعمال المهمة.
وفاته :
توفي البهلاني خلال عام 1339 هجريًا بزنجبار بعد مسيرة طويلة قضاها في سبيل العقيدة والعلم والأدب ، وقد تم دفنه في مدينة زنجبار التي توفي بها.