إن الزود عن الوطن والدفاع عنه أمرٌ من شيم الملوك والعظماء ، فكلما مر الزمان خلد التاريخ ما فعله الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه في فتح واسترداد الرياض ، ذلك العربي العظيم الذي ورث عن أبائه شيم العزة والكرامة وشرب من بئر البطولة والنضال حتى ارتوى ، ذلك الرجل الذي كان لا يغمض له جفن والرياض كسيرة في يد بن عجلان ، ولم يرجع إلا وهي في قبضته حرة أبية .
فقد كان ما فعله الملك عبدالعزيز رحمه الله هو اللبنة التي شيدت بنيان الدولة السعودية الحديثة ، فعلى مدار أكثر من 32 عامًا كان الملك يعمل على توحيد البلاد وجعل رايتها خفاقة بين الأمم ، فقد كان همه الأعظم رفعة المملكة ونشر الرخاء والأمن في ربوعها حتى لا يطمع بها أحدٌ من الطامعين ويفكر ألف مرة قبل أن يلقي بنفسه أمام صقر الصحراء .
كانت ليلة فتح الرياض ليلة تختلف عن كل الليالي التي عاشها الملك عبد العزيز ، فكثيرًا ما حلم بهذا اليوم حتى أنه قال لأبيه أثناء وجودهما معًا بدولة الكويت : ( إما أن تأمر أحد رجالك بانتزاع رأسي من بين كتفي فأستريح من هذه الحياة وإما أن تنهض من توك فلا تخرج من منزل شيخ الكويت إلا بوعد في تسهيل خروجي للقتال في بطن نجد )
فقد كان الملك رحمه الله ينتظر هذا اليوم الذي يقرع فيه ابن عجلان على أنفه بفارغ الصبر ، فلما أذن له والده بذلك جهز رجاله في ليلة الخامس عشر من شوال عام 1319هـ وتحرك معهم فكانوا أربعين راكبًا من آل سعود وتابعيهم والموالين لهم ، فتوجه الجمع إلى واحة يبرين الواقعة على شمال الربع الخالي .
وهناك ظهر ذكاء الملك المظفر في وضع خطته لاستعادة الملك وإعادة الرياض إلى قبضته الحكيمة ، فعلى الرغم من خطاب أبيه الذي ناشده فيه بالعودة بعد تفرق عددًا كبير عن ركبه إلا أنه لم ييأس وصاح في رجاله يخيرهم بين الراحة والنضال وأخبرهم أنه ماضٍ في عزمه حتى لو تفرق الجمع كله فهبوا كلهم مقسمين على صحبته حتى النهاية .
كان هناك عشرون رجلًا آخرون يتبعون ركب الملك فقسمهم لمجموعات حيث ظل بعض رجاله عند جبل أبو غارب لتأمين الطريق الموصل إلى الرياض ، بينما عسكرت المجموعة الثانية بموقع قرب الرياض تحت زعامة الأمير محمد بن عبدالرحمن شقيق الملك عبدالعزيز ، وكان قوامها 33 رجلًا من خيرة رجال المملكة .
أما المجموعة الثالثة فهي التي استطاعت تحقيق المعجزة على يد قائدها الملك الفطن ، فقد اختار ستة رجال كان هو على رأسهم وهم : عبد العزيز بن جلوي وفهد بن عبدالله بن جلوي وناصر بن سعود ومعهم المعشوق وسبعان من رجالهم المخلصين ، وقد كان لاختيار هذه المجموعة الصغيرة هدفٌ كبيرٌ فعلى الرغم من عظمة المهمة وثقلها إلا أن الملك لم يرد أن يصطحب معه جمعًا غفيرًا حتى لا يلفت الأنظار إليهم .
وبفضل من الله ونصر كبير غلبت الفئة القليلة فئة كبيرة ، وتفوقت عليها في تلك الليلة الحاسمة ، بعد أن توجه الملك ورجاله إلى قصر المصمك الذي كان بن عجلان يقيم به ، ونجح في اقتحام سور القصر من خلال بيت جويسر المجاور له ومساعدة لولوة زوجة ابن عجلان حيث استطاع الملك أن يستخلص منها المعلومات التي تمكنه من القضاء على ذلك الطامع .
وكان هذا عقب صلاة الفجر التي أداها الملك مع رجاله الأوفياء ، حيث ترقب خروج بن عجلان من القصر بعد طلوع الشمس وأعطى إشارة البدء ، وكان الوقت مناسبًا لتلك الهجمة الصائبة خاصة بعد أن أتى المدد من الأمير محمد ومن معه من الرجال المتمركزين بالقرب من الرياض ، فانتهز الملك فرصة فتح البوابة وخروج بعض الخدم لأهليهم ، فانقض برجاله على ابن عجلان الذي خرج في عشرة من رجاله ، لما رأى قامة الملك أشهر سيفه لكن باغته الملك بطلقة أصابته ولكنها لم تستقر في مقتل ، فجره الملك من قدمه ورماه بن جلوي بحربة أخطأته وأخذت موضعًا في الباب .
ففر بن عجلان إلى الداخل وأخذت جماعته تطلق النيران وترمي الحجارة على الملك ورجاله حتى أنهم قتلوا منهم اثنين وجرحوا أربعة ، فهم الملك لملاحقة ابن عجلان ولكن اعترضه رفاقه حفاظًا عليه فسبقه عبدالله بن جلوي وأطلق رصاصة الموت على عجلان ، فاقتحم الملك ورجاله القصر فتكوا برجاله إلا من استسلم وطلب الأمان ، وحينها صاح أحد رجالات الملك قائلًا : ( الملك لله ثم لعبدالعزيز بن عبد الرحمن )
فكانت تلك هي الكلمة التي وحدت المملكة تحت إمرة الملك القائد والزعيم المظفر الذي أيده الله بنصر مذهل استطاع به استرداد الرياض وضم الخرج والحوطة والحريق والأفلاج ووادي الدواسر بعدها حتى سنح له ضم القصيم والإحساء وحائل وغيرها من ربوع المملكة الزاهرة في عهده .